تفّشت في قطاع غزة خلال الآونة الأخيرة ظاهرة أقل ما توصف بأنها كارثة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فهي تلاحق جميع فئات المجتمع، تفتك بالشباب تحطم آمالهم وتقضي على أحلامهم وتمزق طموحاتهم، فهي أشبه بالوباء تنتشر بسرعة فائقة وتُطيح بالنسيج الاجتماعي بأكمله، وتخلق كل يوم مأساة حقيقية يصعب أن يتصورها عقل أو يدركها وجدان؛ 10 سنوات من الحصار الخانق، انبثق عنها ضغط مطبق طال جميع فئات المجتمع، وانعكست آثاره على زيادة سوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية.
مقبرة الأحياء
واقع مرير فرض نفسه بقوة إجبارية، لم يترك للناس أي متنفس من الاختيارات الاعتيادية، مما دفع نحو زيادة حجم الأعباء الملقاة على كاهل المواطن كيف لا؟ ونحن نتحدث عن بقعة تشكل نسبة البطالة فيها حوالي 67%، ونسبة من يعيش تحت خط الفقر حوالي 70%، كل ذلك ولّد حياة هي أشبه بمقبرة؛ يعيش فيها أحياء لا تتوفر لديهم أي من مقومات الحياة الأساسية، أضف إلى ذلك معاناة عنوانها “الكهرباء” بدأت حكايتها قبل أيام قلائل حينما شب حريق في منزل يتبع لعائلة الهندي في حي الشاطئ غرب مدينة غزة، أسفر عن مقتل 3 أطفال بعمر الزهور، مما أدى إلى تبادل الاتهامات بين الفصائل الفلسطينية وبالتحديد حركة فتح “رام الله” وحركة حماس “غزة”، من السبب ومن المسؤول؟ ونشب عن ذلك حيرة بالغة بالشارع الفلسطيني بحيث لم يفهم ما الذي يدور؟ وإلى أين تتجه الأمور؟
الموت المصطنع
لم يقف الحال عند عائلة الهندي، تجددت المأساة ولكن هذه المرة شرق خانيونس حينما أقدم أحد المواطنين من عائلة أبو عاصي، على إحراق منزله، كل ذلك لأجل جذب أنظار المسؤولين وصناع القرار نحو سوء أوضاعه المعيشية والمادية، ولأجل ذلك ولنفس الأسباب أقدم أحد السائقين وسط مدينة خانيونس، على سكب البنزين على نفسه ومحاولة إضرام النار، لولا أن انقض عليه مجموعة من الأفراد المحيطين به ومنعوه من فعل ذلك، هذه الأحداث تفرض نفسها جلية على الساحة الفلسطينية، وتتطلب وقفة من كافة الكل الفلسطيني لأجل الدراسة ووضع الحلول المناسبة.
الخريجون مأساة تلوح بالأفق
شريحة عظمى من فئة الشباب أضحت تبحث عن عمل يوم بعد يوم، وذلك من أجل بناء أنفسهم وصناعة مستقبلهم الذي حلموا به، تخرجوا من جامعات شتى من تخصصات مختلفة، ولكن تجمعهم كلمة واحدة لا للبطالة، شعار تم رفعه من قِبل مجموعة من الخرجين في ساحة الجندي المجهول وسط قطاع غزة، وذلك لجذب الأنظار نحوهم ولكن لا حياة لمن تنادي، وهذه الفئة تعتبر بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت، بحيث يستدعي من الجميع تحمل مسؤولياته تجاه الشباب.
أرواح تنتظر العبور
تتجه الأنظار صوب معبر رفح البري، وذلك بعد إغلاق دام لأشهر عدة، بحيث تزاحم المواطنون عند تلك البوابة، وقلوبهم منفطرة من الأسى، وبعيون تدمع من الحزن، ينتظرون على أمل العبور، فتلك البوابة حرمت الآلاف من السفر للعلاج ولقضاء حوائجهم الإنسانية، أو السفر لأجل التعليم، فكل شخص منهم هو بمثابة قصة إنسانية تروي نفسها في شعب عانى ويلات ثلاث حروب على مدار 6 سنوات، تتنوع الحكايات وتتزايد الآهات، آهات وأوجاع من لم يحالفهم الحظ بالدخول في هذا اليوم، يوم طويل يحمل مشقة وأعباء لا يستطيع الحجر تحملها فكيف بالبشر، غدًا حكاية أخرى متجددة ترويها أرواح مزقتها أوجاع الانتظار على أمل العبور.
كل هذه الأمور تتسبب في خلق أوضاع يصعب تحملها في بقعة تتزايد أزماتها مع مرور السنين والوقت، وإذا لم يتم معالجة تلك المشكلات، سوف تتسبب في زيادة المأساة التي تلحق بكل شخص يعيش بداخلها، وهذا يستوجب النظر للناس بعين الشفقة والرحمة، وإلا سيكون مصيرهم وللأسف الوقوع في لعبة الموت المتجدد.