بعد انتهاء مأساة الحرب اليوغوسلافية التي ضربت دول البلقان في التسعينات، تكاد البوسنة والهرسك أن تكون قد تخلصت من تلك الذكريات وتجهزت للدخول في عالم السياحة، يشجعها موقعها الجغرافي وتنوعها الطبيعي من المناظر الجبلية والأنهار والجسور الأثرية والكهوف والحدائق الوطنية والمساجد والكنائس والأديرة التاريخية بالإضافة إلى آثار الحرب من ضرائح وأماكن تاريخية من العصور المختلفة.
باتت البوسنة الوجهة المميزة للسياحة في دول أوروبا، إذ صنف دليل السياحة العالمي مدينة سراييفو في المرتبة الـ 43 كأفضل مدينة للسياحة ووضعها في العام 2010 كأفضل 10 مدن للزيارة بعد العاصمة اليونانية أثينا.
ويمثل قطاع السياحة اليوم في البوسنة والهرسك جزءًا مهمًا من الاقتصاد الوطني بجانب قطاعات أخرى، وقد شهدت السياحة في البلاد منذ العقد الماضي نموًا متسارعًا في عدد السياح الأجانب والعرب القادمين إليها مع ازدياد نشاط البنية الترويجية السياحية بشكل متزايد، ما ساهم في تطوير بيئة الأعمال السياحية أكثر.
وتشير الإحصائيات أن عدد السياح في البلاد نما في الفترة بين 1995 و2000 بمعدل 24% معظمهم من أوروبا ووفق تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي للتنافسية في السفر والسياحة كانت البوسنة والهرسك هي الثامنة في العالم من حيث مستوى استقبال السياح، ففي العام 2013 زارها قرابة مليون سائح بزيادة 12.9% عن العام الذي سبقه، 58% منهم جاءوا من بلاد أجنبية، ووفق تقديرات منظمة السياحة العالمية فإن البوسنة ستحقق ثالث أعلى معدل نمو للسياحة في العالم بين الأعوام 1995- 2020.
استثمارات خليجية في البوسنة
الفجوة التي أحدثتها الأزمات في البلاد العربية بالنسبة للاستثمارات السياحية عبرت إلى بلاد أوروبا الشرقية لتحط في البوسنة والهرسك، حيث شدت الطبيعة الجميلة التي تتميز بها البوسنة المستثمرين الخليجيين، وعلى حداثة لك المشاريع وقلتها إلا أنها تمثل بذرة أولية استفتحت بها البلدان الخليجية باب الاستثمار هناك وما شجعهم على ذلك ظهور البوسنة كوجهة سياحية جديدة أمام السياح الخليجيين، ومن جهة الحكومة فقد عملت على تسهيل قوانين الاستثمار لجذب استثمارات خليجية أكثر ولفت الأنظار إليها، فبحسب الأرقام الرسمية زار البوسنة نحو 25 ألف خليجي خلال العام الماضي، بغرض السياحة واستكشاف فرص استثمارية جديدة أو شراء عقار هناك.
تزخر البوسنة بالاستثمارات المتنوعة مثل الحديد والصلب، وتوليد الطاقة المائية والحرارية، والعقارات، والسياحة، وإنتاج المواد الغذائية، والزراعة، واستثمارات الطاقة بعد اكتشاف مواقع تحتوي على نفط.
تنشئ الكويت بالتعاون مع هيئة الاستثمار البوسنية مصنع للحديد والصلب، ودشنت حكومة البوسنة أول مشروع ترفيهي بمحافظة “حاجيتش” في موقع متمز داخل الجبال، باستثمار كويتي يتجاوز عشرات الملايين من الدولارات، على مساحة تبلغ نحو 100 ألف متر مربع، وكذلك استثمرت قطر في المجال الإعلامي والثقافي من خلال افتتاح قناة “الجزيرة بلقان” بالإضافة لتمويل مشاريع عديدة كترميم وإصلاح مكتبة خسرو بيك، التي تحوي مئات الآلاف من الكتب والمخطوطات الأثرية ذات القيمة الأثرية البالغة الأهمية، وتم افتتاح العديد من أفرع البنوك والمصارف العربية هناك مثل بنك التنمية الإسلامي، ومصرف أبوظبي الإسلامي، وبنك دبي الإسلامي، للمساهمة في ضخ المزيد من الاستثمارات، شجعها على ذلك التسهيلات التي تقدمها الحكومة من خلال تغيير قوانين الاستثمار لتصبح أكثر جاذبية للمستثمرين.
البنك المركزي البوسني أشار إلى أن الاستثمارات الأجنبية في البلاد تجاوزت 5 مليارات يورو، كما أن صندوق النقد الدولي أشار إلى أن النمو الاقتصادي بلغ 1.41%، وتوقع أن يصل إلى 4% خلال عام 2019.
الجدير بالذكر أن البوسنة تعاني من ارتفاع نسبة البطالة إلى حدود 40% على الرغم من انخفاض الأجر المادي الذي يتقاضاه العامل مقارنة بمناطق أخرى في أوروبا، وهذا ساهم في تدفق شركات أوروبية لافتتاح فروع لها في البلاد للاستفادة من هذه الميزة.
المواقع السياحية في البوسنة
- سراييفو
البعض يطلقون عليها “أورشليم أوروبا”، لتعدداتها الثقافية والدينية، ما بين المسلمين والأرثوذكس واليهود والكاثوليك، يعيشون معًا في سلام.
من أشهر الأماكن السياحية في سراييفو هو المكان الذي بدأت فيه الحرب العالمية الأولى فمنذ حوالي مائة عام في يوم 28 يونيو عام 1914 قام شاب بوسني في الثامنة عشر من عمره بقتل وريث عرش النمسا فرانز فريدناند وزوجته صوفي في سراييفو، وبعد هذا الاغتيال اشتعلت الحرب العالمية الأولى التي راح ضحيتها 16 مليون شخص.
وفي أوائل التسعينات وقعت سراييفو في حصار الـ 1000 يوم من القوات الصربية، مات آلاف الرجال والسيدات والأطفال بسبب الحصار والقصف الذي لم يفارق المدينة طوال الوقت، أو بسبب الشتاء القارص أو من الجوع لقلة الطعام والماء.
سراييفو ليست مدينة ضخمة ولا مدينة الأضواء أو التي لا تنام أو ذات أبراج ومباني شاهقة، ولكنها واحدة من أهم عواصم أوروبا تحتفظ بسحرها من آثارها العريقة بشوارعها وأبنيتها وتلالها والمقاهي القديمة والأزقة الضيقة والمساجد والأضرحة، كل هذه الأشياء كافية لجعلك تعيش خليطًا من الحضارات التي مرت على المدينة.
بسحرها الخلاب وتاريخها المتنوع الحافل وأمسياتها الدافئة تجعلها ملتقى الغرب والشرق، حيث تشاهد المباني التاريخية مثل الحي العثماني، والمقاهي القديمة، إلى أن تصل إلى المباني من عصر الحكم النمساوي المجري للبلاد، مقسمة إلى عدة قطاعات منها الحي التركي بمسجده التاريخي، وشوارعه الضيقة المليئة بالمقاهي ومتاجر المشغولات اليدوية، بالإضافة للحي النمساوي المجري الذي بُني خلال القرن التاسع عشر.
تحتوي سراييفو على عدد كبير من المتاحف تتعرف من خلالها على تاريخ البلاد بمراحله المختلفة، وكذلك فيها تلال تسمح برؤية منظر بانورامي للمدينة.
والجزء القديم في مدينة سراييفو هو باسكارسيبا وهو مزدحم على الدوام بالسياح، الذين يستكشفون الشوارع الضيقة والمنازل القديمة والبازارات الصغيرة، والمساجد والكثير من المطاعم والمتاجر، وفيها الكثير من المباني التاريخية، مثل مسجد الغازي خسرو بك، وساحة كولا.
- موستار
المدينة الثانية من حيث الشهرة بالبوسنة والهرسك هي موستار، وتعد المدينة أحد أيقونات الحرب والتي تحتوي على الجسر العثماني الشهير ستاري موست الذي بناه العثمانيون في القرن الخامس عشر، والذي يشير للماضي وحاضر البلاد حيث تم تدميره بالقنابل خلال الحرب الأهلية عام 1993 ولكن تم ترميمه مرة أخرى، وأعلنته اليونسكو منطقة تاريخية.
- شلالات كرافيتشي
كرافيتشي أحد المعالم الشهيرة خصيصًا في شهر الصيف، وتقع في جنوب الهرسك، وتتميز بشلالاتها الرائعة، والبحيرة التي يمكن السباحة بها.
- الأهرامات في فيسوكو
أهرامات البوسنة والهرسك والتي تبدو كتلال طبيعية تم اعتبارها مؤخرًا أكبر هرم صنعه الإنسان على وجه الأرض، وهي تقع في شمال غربي سراييفو.
- كهوف فيترنيتسا
كهوف فيترنيتسا واحدة من أقدم الكهوف المكتشفة في البوسنة والهرسك، قريبة من بلدة رافنو والدير وهي عبارة عن أكثر من ستة كيلومترات من الممرات والقنوات، وقد اكتشف العلماء رسومات في هذه الكهوف منذ ما يزيد عن 10 آلاف عام، والعديد من البحيرات الصغيرة، وأنواع مختلفة من الحيوانات والأسماك.
- مسجد الغازي خسرو بك
تم بناء مسجد غازي خسرو بك في سراييفو عام 1532 على يد المعماري العثماني عاجم آسير علي وتم تمويله من حكومة الغازي خسرو بك، وقد كان أول مسجد في العالم الذي تدخله الكهرباء عام 1989، وواحد من أهم المباني الإسلامية في البوسنة.
- جبال ياهورينا
تتمتع البوسنة والهرسك بالعديد من الجبال التي تكتسي بالثلج في الشتاء وتحتضن رياضة التزلج على الثلوج مثل ياهورينا، وبيلاسنيكا وفلاسيتش.
- بلدة فوينيكا
لهذه المدينة مكانة عظيمة خلال العصر الروماني، وهي غنية بالذهب لذا تكتسب أهمية كبيرة في البوسنة، ويوجد فيها حصن Kozograd، على جبال Zec والذي يعتقد أنه بُني في القرن الخامس عشر.