شهدت تونس أمس الأربعاء عودة التفجيرات الإرهابية التي تستهدف قوات الأمن والجيش من قِبل مجموعات إرهابية مسلحة متحصنة بمناطق مختلفة من البلاد، في وقت تسعى فيه لطمأنة شركائها الدوليين لمزيد من جذب الاستثمارات.
قتل أربعة أعوان أمن تونسيين أمس عندما فجر انتحاري نفسه بحزام ناسف في ولاية تطاوين (جنوب) الحدودية مع ليبيا، وقالت وزارة الداخلية التونسية في بيان لها مساء أمس “توفّرت معلومات مفادها تحصن مجموعة إرهابية بمنازل مهجورة بمنطقة المعونة بمعتمدية الصمار ولاية تطاوين، حيث تحولت وحدات الحرس الوطني إلى المكان المذكور حيث جرى تبادل لإطلاق النار بين الوحدات المذكورة وعنصرين إرهابيين، تمّ القضاء على عنصر إرهابي في حين فجر العنصر الثاني نفسه بحزام ناسف، مما أسفر عن استشهاد ضابطين وعوني حرس وطني”.
وأضافت الداخلية أن العملية تأتي في إطار ”متابعة للعملية الأمنية الجارية اليوم – أمس الأربعاء – لتعقّب عناصر إرهابية كانت قد جاءت من مناطق مختلفة من داخل الجمهورية وتجمعت بالعاصمة وخاصة بمنطقة التضامن للتحضير للقيام بعمليات إرهابية متزامنة”.
وتمكنت قوات الأمن التونسية، صباح أمس، من قتل مسلحين اثنين والقبض على 16 آخرين في عملية أمنية في منطقة “المنيهلة” بولاية أريانة، غربي العاصمة، وصادرت أسلحة كلاشنيكوف ورمانات يدوية ومسدسات وذخيرة خلال المداهمة.
وقالت الوزارة إن هؤلاء “جاءوا من مناطق مختلفة من داخل الجمهورية، وتجمعوا بالعاصمة وخاصة بمنطقة التضامن (بولاية أريانة) للتحضير للقيام بعمليات إرهابية متزامنة” من دون إعطاء تفاصيل أخرى.
يعتبر هذا التفجير الانتحاري الثالث من نوعه منذ الإطاحة بنظام بن علي مطلع 2011، وكانت المرة الأولى يوم 30 أكتوبر 2013، حيث فجر انتحاري تونسي نفسه أمام فندق بمنطقة سياحية في ولاية سوسة الساحلية (وسط شرق) في حادثة لم تخلف ضحايا باستثناء الانتحاري.
وكانت الثانية يوم 24 نوفمبر2015، حيث فجر انتحاري تونسي يدعى حسام العبدلي نفسه بالطريقة ذاتها وسط العاصمة تونس، مستهدفًا حافلة للأمن الرئاسي، وخلف التفجير يومها 12 قتيلاً من عناصر الأمن الرئاسي كانوا بالحافلة.
تأتي هذه العملية الإرهابية بعد نحو شهرين من أحداث مدينة بن قردان جنوب تونس عندما شن مسلحون ينتمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية هجومًا للاستيلاء على المدينة عبر استهداف مراكز أمنية وعسكرية بشكل متزامن فجر السابع من مارس الماضي، تصدت له قوات الأمن والجيش، وتم خلال هذه المواجهات القضاء على 46 إرهابيًا، في حين بلغ عدد الضحايا من عناصر الأمن 13 والمدنيين 7.
ومنذ 18 مايو 2011، تاريخ أول عملية إرهابية عرفتها البلاد، قُتل في تونس وفق إحصاءات رسمية 64 عسكريًا و45 عنصرًا أمنيًا و59 سائحًا أجنبيًا و16 مواطنًا في هجمات لجماعات إرهابية مسلحة أو في مواجهات بين هذه الجماعات وقوات الأمن والجيش.
وتواجه تونس خطر الإرهاب في وقت تسعى فيه إلى طمأنة شركائها الدوليين والمستثمرين الأجانب لجلب الاستثمارات للبلاد للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعرفها ولمواجهة شبح البطالة الذي يخيم على شبابها.
وقدّمت تونس مؤخرًا موعد مناقشة مشروع القانون المتعلق بالبنوك والمالية بطلب من صندوق النقد الدولي، الذي يشترط موافقة تونس على مشروع هذا القانون الذي يهدف إلى تعزيز استقلالية البنك المركزي واستقرار القطاع المصرفي واستكمال إعادة هيكلة البنوك، حتى تحصل على مبلغ 2.8 مليار دولار أمريكي من الصندوق على امتداد أربع سنوات سيخصص لدعم برنامج الاصلاح الاقتصادي الشامل للبلاد.
وتوقع البنك العالمي ضمن تقرير المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن يحقق إجمالي الناتج الداخلي الخام في تونس انتعاشة طفيفة لن تتجاوز 1.8% في 2016، وأظهر التقرير أن الآفاق الاقتصادية القريبة في تونس ما تزال تحت تأثير الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها البلاد.
وتعتبر تكلفة الإرهاب على الاقتصاد التونسي حسب العديد من الخبراء باهظة وثقيلة ولها أبعاد مالية واجتماعية، حيث تراجعت مرتبة تونس في التصنيفات الدولية لتصبح وجهة غير آمنة وغير مستقرة.
وقدّرت دراسة للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات (غير حكومي) خسائر القطاع الخاص في تونس نتيجة العمليات الإرهابية التي تشهدها البلاد 225 مليون دينار، وقدرت نفس الدراسة الخسائر الإجمالية للإرهاب بـ 1125 مليون دينار أي حوالي 8.1% من الناتج المحلي.
وارتفعت ميزانية وزارة الداخلية في الميزانية المالية لسنة 2016 بـ 14.5% وميزانية وزارة الدفاع بـ 11% على حساب وزارات أخرى مثل التنمية والتشغيل.