“إنه ربيع الأكراد في الشرق الأوسط”، انتفاضات كردية في كل من سوريا والعراق وتركيا لتحقيق أحلام قديمة، كل حسب قدراته وإمكانياته وظروفه المحيطة، في حالة من استغلال للحالة التي تعيشها المنطقة
الأكراد السوريون استغلوا الثورة السورية والنزاع العسكري بين النظام والمعارضة المسلحة على الأرض، وحظوا بدعم دولي نادر التوافق بين الولايات المتحدة ورسيا، واعتبروا أنفسهم رأس الحربة ضد قتال داعش، لكن في المقابل أحيوا المشروع الكردي في الشمال السوري.
وعلى الصعيد العراقي يتثبت حكم الأكراد يومًا بعد يوم في إقليمهم “كردستان”، في ظل ضعف الحكومة العراقية، وتغول داعش في مختلف مناطق العراق، في حين ينتظر الإقليم إعلان الاستقلال التام في الوقت المناسب.
وكذا الأمر في تركيا فإن إعلان إلغاء الهدنة بين الحكومة التركية والمسلحين الأكراد، أدى إلى اشتعال فتيل الأزمة الكردية في تركيا مرة أخرى بصورة عنيفة، حولت مناطق جنوب شرقي البلاد إلى مناطق لحروب الشوارع، فيما تتخبط قيادات كردية سياسية بين الدعم الخارجي والحصار الداخلي بحثًا عن مشروع كردي مزعوم في تركيا.
أين أكراد إيران من هذا الربيع الكردي؟
بحسب تقديرات قديمة ظهرت في العام 2007 أكدت أن ما يقرب من 7% من مجموع سكان إيران البالغ عددهم نحو 66 مليونًا وقتها هم من الأكراد، حيث قدر عددهم بنحو 4 ملايين 620 وألف نسمة، ووفق بعض التقديرات الأخرى وصل عددهم الآن إلى قرابة 8 ملايين نسمة.
الأكراد بتنوعاتهم المختلفة بين الأكراد السنة، اللر، البختياريين، الكلهر، اللك يشكلون الأغلبية السكانية في 7 محافظات إيرانية وهي أذربيجان الغربية وكردستان وكرمنشاه وإيلام ولرستان وجهارمحال وبختياري وكهكيلويه وبوير أحمد، كما يشكل الأكراد تقريبًا نصف سكان محافظة همدان وثلثي السكان في محافظة خراسان الشمالية.
هذا العدد وهذا التنوع والتداخل في التركيب السكاني بدولة إيران لم يغرهم طوال فترة كبيرة من الصراع الدائر في الشرق الأوسط منذ خمس سنوات، لإعادة إحياء حلمهم بالدخول على خط الصراع لتوظيفه في جلب مكتسبات للأكراد في إيران كما فعل أكراد سوريا والعراق ويفعل أكراد تركيا حاليًا.
الدخول على خط الصراع: “استثمار الفرصة”
كان هذا الصمت أو المناوشات الكردية الإيرانية الخفيفة غير مفهومة في ظل الفرص المتاحة لإحياء القضية الكردية في إيران، ربما كان ذلك بسبب خشية القبضة الأمنية، ولكن لسبب ما الآن اتخذ الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني قرارًا بتدريب مقاتليه وضم المزيد من المقاتلين حديثي الالتحاق بصفوفه، وإعادة إرسالهم إلى داخل ايران ليختلطوا بالسكان.
أعلن أكراد إيران ولادة حلم دولتهم في العام 1946، حين أعلنوا “جمهورية مهاباد” في عهد الشاه الإيراني
الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني كان قد اتخذ قرارًا تاريخيًا في مطلع التسعينات من القرن الماضي بسحب مقاتليه وكوادره من الأراضي الإيرانية، واللجوء للأراضي العراقية بالاتفاق مع الحزبين الرئيسين بإقليم كردستان العراق، لكنه الآن فجأة قرر إعادة مقاتليه إلى إيران.
يتجهز مقاتلو للحزب للعودة إلى المناطق الكردية دون اكتراث بردود أفعال النظام الإيراني الحالي، الذي شن حملة عسكرية على قواعد الحزب في سنوات التسعينات الماضية، قبل أن يصدر الحزب قرارًا بالانسحاب إلى العراق.
ورغم ذلك العداء التاريخي اتخذ الحزب القرار بالعودة الجزئية، وقد وضع النظام الإيراني بين خيارين بحسب تصريحات الأمين العام للحزب مصطفى هجري إما أن تسمح للحزب بالعمل السلمي المدني، وإما أن تهاجمهم، وعندها يؤكد هجري أن مقاتلي الحزب لن يتوانوا في الرد والدفاع عن شعبهم، ولكنه عاد ونفى أن تكون عودتهم إعلانًا للحرب، مؤكدًا أن رغبتهم في العودة تكمن في إرادتهم أن يكونوا مع أبناء شعبهم ولن يتراجعوا عن ذلك.
في الوقت الذي تؤكد فيه تقارير إرسال الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني المئات من المقاتلين إلى العمق الإيراني بعد أن أعاد تدريبهم وتجهيزهم بأسلحة خفيفة ومتوسطة، بينما ينتظر العشرات دورهم الالتحاق برفاقهم الذين سبقوهم إلى كردستان إيران.
يرى مراقبون أن ردود الأفعال الإيرانية ربما تتسم بالشدة ردًا على هذه الإجراءات التي قد تضع إقليم كردستان العراقي في حرج أمام الحكومة الإيرانية، خاصة وأن حكومة إقليم كردستان العراق جيدًا تعلم أن مقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني يتدربون على السلاح على أراضيهم ثم يسافرون إلى كردستان إيران.
فيما رجح آخرون أن إيران لن تتوانى عن استخدام نفوذها لدى السلطات العراقية لاتخاذ موقف من معسكر تدريب مقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني على الأراضي العراقية.
الأكراد الإيرانيون بتنوعاتهم المختلفة يشكلون الأغلبية السكانية في 7 محافظات إيرانية
هذا الاتجاه الجديد الذي ظهر بين أكراد إيران يوضح انعكاس الحراك الكردي في تركيا وسوريا والعراق على الأكراد في إيران، وهي محاولات للتغلغل في الأوساط الجماهيرية الكردية الإيرانية مرة أخرى، بالانخراط وسط السكان كما أعلن الحزب الديمقراطي، كما لوحظ بداية محاولات لتوحيد الصفوف مرة أخرى وتكوين جبهة داخلية متماسكة لاستعادة الزخم لحركة الشعب الكردي في إيران، الذي ينظر إلى قضيته شأن قضايا أكراد المنطقة منذ عهود بضرورة انتزاع الحق التاريخي من الدول التي تتقاسم أراضي كردستان الكبرى ولو بالصراع المسلح.
حلم كردي إيراني قديم
أعلن أكراد إيران ولادة حلم دولتهم في العام 1946، حين أعلنوا “جمهورية مهاباد” في عهد الشاه الإيراني، محمد رضا بهلوي، لكن نظام الشاة وقتها نجح في القضاء على الدويلة الكردية الوليدة، لتظل محاولاتهم مستمرة مع نظام الشاه، وصولاً إلى العام 1979 حين أطاحت الثورة الإسلامية في إيران بنظام الشاه.
اصطدم الأكراد في إيران بنظام الجمهورية الإسلامية الوليد مبكرًا، ورفضوا الدستور الجديد، وهو ما فتح أبواب الصراع بين نظام الجمهورية الإسلامية والأكراد، هذا الصراع الذي وصل إلى حد قصف الجيش الإيراني مناطق الأكراد بسلاح الطيران، وهو ما كان رده الكردي بإعلان الكفاح المسلح الذي دام لقرابة 10 سنوات.
ومنذ ذلك الوقت انسحبت الأحزاب الكردية من الصراع مع الدولة الإيرانية وعلى رأسها الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي حظرته السلطات الإيرانية ومجموعة أحزاب أخرى أبرزها حزب الكوملة.
يتجهز مقاتلو للحزب للعودة إلى المناطق الكردية دون اكتراث بردود أفعال النظام الإيراني الحالي
وبمشاهدة التطورات الأخيرة وقرارات عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى الواجهة مرة أخرى، يتوقع أن نرى امتداد خط الصراع الكردي إلى الداخل الإيراني عما قريب، إذا ما قررت السلطات الإيرانية مواجهة المد الكردي المعارض القادم من العراق.