تحديد مدى استقرار الاقتصاد الفلسطيني في المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينة يعتبر أمرا صعبًا وليس بالأمر اليسير، فالاقتصاد في الأراضي الفلسطينية محكوم إلى حد كبير بالاقتصاد الإسرائيلي والسياسات الإسرائيلية الخاضعة لأهواء الاحتلال بفتح المعابر أو غلقها، وكلما انتعش الاقتصاد الفلسطيني بعض الشيء جاءت حرب طاحنة لتعيده إلى الوراء كما حصل في الحملات الاسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة والتي تستهدف إنهاء القوة الاقتصادية التي تغذي القطاع وتمده بالحياة، وتفرض حصار بريًا وبحريًا وجويًا على القطاع تكبله من الحركة وتمنع عليه دخول أي شيء.
كما أن الاقتصاد الفلسطيني قائم على المنح المالية إذ يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية التي تأتيه من الدول العربية والأجنبية والمنظمات الدولية والتي بلغت في العام 2008 حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي تمثل العامود الفقري لتمويل الحكومة بنفقات الموظفين في القطاع الحكومي والبالغ عددهم زهاء 140 ألف موظف والخدمات الأساسية لنصف الشعب الفلسطيني.
وتبلغ موازنة السلطة الفلسطينية حوالي 4 مليار دولار تشكل المساعدات والمنح المالية الخارجية قرابة 60% من إجمالي الإيرادات الفلسطينية وتشكل الضرائب المتأتية من المقاصة والضرائب المباشرة على الدخل والغير مباشرة باقي الموازنة.
معوقات الاقتصاد الفلسطيني
الاقتصاد الفلسطيني يفتقر لسياسة اقتصادية ترفع من مستوى المعيشة وتقضي على نسب البطالة وتحقق التشغيل العام في المجتمع من خلال تحسين نسب النمو الاقتصادي، والسبب الرئيسي هو تحكم الاحتلال الإسرائيلي بكل مصادر السلطة الفلسطينية التمويلية والعينية والتي من خلالها تعمد على تشغيل الاقتصاد، حتى المساعدات يجب أن تمر عبر سلطات الاحتلال وتعمد إلى إفراجها بعد التأكد أنها لن تذهب لتمويل حركات المقاومة الفلسطينية.
ومن أبرز المعوقات التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني دائمًا هي منع الشركات الفلسطينية من إدخال منتجاتها إلى مدينة القدس الواقعة تحت الإحتلال، أو يحظر مواد معينة من دخولها للأرضي الفلسطينية كما هو حاصل في غزة لذا يعتبر الاقتصاد رهينة للمساعدات الدولية والتحويلات المالية من إسرائيل، كما أن أهم المشاكل الاقتصادية ذات الانعكاس المجتمعي والسياسي المباشر هي نسب البطالة والفقر المرتفعة في الضفة وبشكل أكبر بكثير في قطاع غزة.
فتصرفات الاحتلال الإسرائيلي تجعل الاقتصاد الفلسطيني يعيش أزمة حقيقية، تشل البيئة الطبيعية للتجارة وتصريف البضائع وتحد من الإنتعاش في الأسواق وما يرتبط بها.
حتى الاتفاقيات التجارية المعقودة بين السلطة الفلسطينية مع الدول العربية والأجنبية والتي تتضمن الإعفاء الضريبي على المنتجات الفلسطينية لم يستفد منها بسبب القيود الإسرائيلية على المنتجات الفلسطينية وتطبيق حظر على خروجها.
لذلك فإن أي انتعاش حقيقي في الاقتصاد الفلسطيني يجب أن يمر عبر اسرئيل وأن يكون مرتبط ارتباطًا كليًا بالسياسات الإسرائيلية، لذا يكون انتعاش الاقتصاد الفلسطيني مرتبط بإرادة سياسية نابعة من الاحتلال الإسرايلي.
فالاقتصاد الفلسطيني ذو تكوينة صعبة يعتمد في نموه على المصادر التي تقع تحت سيطرة اسرائيل وغير متاحة للفلسطينين ومشاريع الاستثمار صعبة أيضًا لإنها مرتبطة بالقيود الإسرائيلية بين القرى والمدن الفلسطينية كما أن مصادر المياه والكهرباء مكلفة جدًا.
ويشتكي أصحاب الأعمال المتوسطة والصغيرة في فلسطين أن المشكلة التي يعاني منها الاقتصاد الفلسطيني هي سياسية بالدرجة الأولى لأن إجراءات إسرائيل لا تؤدي إلى تحسين المناخ الاستثماري، بل هي طاردة للاستثمار. ويعتبرون أن الاقتصاد الفلسطيني يعاني من انتكاساته بسبب التضييق الإسرائيلي على جميع مدخلات الإنتاج، وعلى حرية الحركة والوصول إلى الأسواق، ما يؤدى إلى استمرار التراجع في الوضع الاقتصادي، لذا فإن العديد من هذه المشاريع مهددة بالإغلاق بسبب ضعف القوة الشرائية في فلسطين وعدم وجود دعم ومعرفة كافية باساليب وطرق تصدير وتسويق منتجاتهم لدول أخرى.
علمُا أن الاهتمام بوجود طبقة وسطى مستقرة في المجتمع الفلسطيني قد يكون له أثر كبير على نهضة الإقتصاد الفلسطيني، إلا أن العمل على بناء مثل هذه الطبقة ما زال ضعيفا للغاية، لأسباب عديدة تتعلق بالدول المانحة التي تهتم بهذا القطاع كثيرا ولا تركز عليه علما أن هذا النوع من الأعمال له الظوة الأمبر في الانتشار في الدول المتقدمة لإنه يستوعب عمالية كثيرة تسهم في التخفيف من معدل البطالة.
فضلًا عن استمرار الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة منذ منتصف عام 2007 والذي أسفر عن تراجع كبير في استثمارات القطاع الخاص الفلسطيني، ينعكس بشكل واضح في النشاط الاقتصادي ويؤثر بالتالي على العائدات الضريبية الأمر الذي يدفع السلطة الفلسطينية إلى الاستدانة من البنوك التجارية أو التأخر في دفع مستحقات القطاع الخاص.
هناك أزمة أخرى يعاني منها الاقتصاد وهي تعمد الاحتلال من إغراق الأسواق الفلسطينية بالمنتجات من مختلف الأصناف بينما تفرض قيود على دخول المنتجات الفلسطينية إلى الأراضي الخاضعة لسلطتهم. وحسب وزارة الاقتصاد في السلطة الفلسطينية، فإن إسرائيل تقيم مناطق صناعية في أكثر من20 مستوطنة في الضفة الغربية تنتج ما يزيد عن 43 علامة تجارية غذائية، و47 علامة تجارية منزلية، بالإضافة إلى عشرات المنتجات.
وأقرت لسلطة الفلسطينية من استيراد البضائع الاسرائيلية وعمدت إلى إتلاف كل المنتجات القادمة من المستوطنات الإسرائيلية، علما أنه ما يزيد عن 65 % من المنتجات التي يتم إتلافها وضبطها من طواقم حماية المستهلك التابعة للوزارة في السوق الفلسطيني هي من منتجات المستوطنات الإسرائيلية.
والجدير بالذكر أن السوق الفلسطينية تستورد ما لا يقل عن 4 مليارات دولار سنويًا من منتجات إسرائيل بما يشمل خدمات الكهرباء والوقود والمياه المقدمة للفلسطينيين بحسب إحصائيات فلسطينية.
وفيما يخص معدلات النمو فإن النمو في الاقتصاد الفلسطيني في الأعوام الأخيرة يكون في القطاعات الخدماتية كالأمن والصحة والتعليم بينما لا يوجد أي مؤشر على وجود نمو في مجالات الانتاج والتصنيع والاستتثمار. فأكبر مجالين للعمل في فلسطين بالوقت الراهن هما القطاع الحكومي وقطاع المؤسسات غير الحكومية، بينما تعبر المشاريع الإنتاجية سواء كانت زراعية أو صناعية أو تكنولوجية المشغل الأضعف في فلسطين.
إعادة الإعمار في قطاع غزة
يبلغ عدد سكان غزة في نهاية عام 2013 حوالي 1.731 مليون نسمة ويشكلون 38% من سكان الأراضي الفلسطينية وقد أدى العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة عام 2014 المعروف بالجرف الصامد إلى استشهاد 2147 فلسطيني و 11 ألف جريح وخسائر اقتصادية اقتربت من 5 مليار دولار.
بعد الوصول لاتفاق لوقف الأعمال العدائية من الجانب الإسرائيلي على القطاع تقرر مؤتمر إعادة إعمار غزة في أكتوبر 2014 في القاهرة بحضور 50 دولة ومنظمة دولية بهدف جمع أربعة مليارات دولار؛ تكلفة إعادة الإعمار والتي وضعت في خطة لثلاث مراحل.
إلا أن مصاعب حالت دون تنفيذ الخطة الموضوعة، منها أن بعض الدول المانحة لم تفي بوعودها، والخلاف الحاصل بين السلطة الفلسطينية بقيادة فتح وقيادة حماس التي تدير القطاع، إذ كانت أحد الشروط تقتضي عودة السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع.
مسألة إعادة الإعمار سارت على محورين الأول مرتبط بالأمم المتحدة ويتعلق بإعادة إعمار المدارس والمشافي والعيادات والبنى التحتية الداعمة للمرافق الأساسية، علمًا أن هذه المشاريع لم يتم إنجازها للأسباب المذكورة آنفا والمتعلقة بإدارة السلطة الفلسطينية للمشاريع.
المحور الآخر يتعلق إصلاح البيوت المتضررة من خلال إعادة تأهيل المساكن المتضررة من الحرب والبالغة قرابة 60 ألف منزل متضرر وكانت الأمم المتحدة رفعت العدد إلى 100 ألف منزل، أدت الجهود الكثيفة في هذا المحور إلى تطبيق جزء منها، حيث تم استيراد الإسمنت لصالح غزة بموافقة اسرائيلية والبدء بأعمال الإصلاح ولكن مشاكل حالت دون استمرار عمليات الإعمار أبرزها التضييق الإسرائيلي على مواد البناء وإغلاق معبر رفع مع مصر وعدم الوفاء بالمساعدات المالية من قبل المانح وآخرها الخلاف بين حماس وفتح حول مسؤولية إدارة القطاع وإعادة الإعمار فيه.