في الزقاق الضيق بين بيوت الحي، تتدحرج الكرة بين أقدام الأولاد، ويقفزن البنات من خلال الأحبال، وأخريات يصفقن بأيديهن على ألحان الأغاني، لينصهروا جميعاَ في مشهدٍ يدفعك لمشاركتهم في لحظاتهم الطفولية، وفي زاوية تقف طفلة ذات السبع أعوام أمام باب خشبي مبتسمة لذلك المشهد الطفولي، كلما حاولت الاقتراب منه ينعتها أصحابه بـ “المنغولية”.
متلازمة داون … المنغولية
هيا ذات العيون اللوزيتين، والفم الصغير والأنف الصغير المفلطح، مصابة منذ ولادتها بمتلازمة داون، وملامحها التي تميزها عن أقرانها تحول دون مشاركتها للعب معهم وعيش طفولتها أسوةً بهم.
وتعاني أسرة هيا من مضايقات الجيران كون لديها طفلة داون، وتوضح والدتها “إحدى جاراتي تعايرني لأن هيا “منغولية”، وتشفق عليا لذلك”، وتضيف بابتسامة تخفي قلقها على مستقبل طفلتها بأنها راضية بقضاء الله وقدره، الذي منحها القوة على مواجهة نظرات المجتمع الجارحة لطفلتها.
إحدى جاراتي تعايرني لأن هيا “منغولية”، وتشفق عليا لذلك
في حين أثرت والدة أمير المصاب بمتلازمة داون البقاء بالبيت والانقطاع عن المجتمع، وتقول بأسي ” خلت في حالة نفسية من الاكتئاب والعزلة عن المجتمع فور معرفتي بحقيقة مرض أمير”، وتضيف كلما حاولت أن أواجه المجتمع تلقيت صفعة لأعود من جديد لنقطة البداية، موضحةً والدموع مكدسة في عيونها أن ابتسامة أمير لمن حوله كان يقابلها الأخرين بمناداته بـ “المنغولي”، وبانفعالية تقول “أنهم لا يعلمون معني “منغولي”، سوى أنه شخص أهبل ومجنون”.
وتستذكر أولى معاناتها مع المجتمع لكونها أم لطفل داون، وتقول بابتسامة تخفي ألمها وحزنها “كانت النسوة يتفحصن أمير وهو صغير وتتبعها نظرات شفقة عليا، ومواساة”، ثم تصمت للحظات وتستدرك بقوة أنهن لا يجيدن المواساة، كنّ يحرجن الأمومة لديّ بعباراتهن التي تنم عن جهلهن لحقيقة مرض أمير.
كانت النسوة يتفحصن أمير وهو صغير وتتبعها نظرات شفقة عليا، ومواساة
في حين تروى والدة محمد المصاب بمتلازمة داون قصتها مع ابنها العشريني، وتقول برضا “واجهت الكثير من الصعوبات والمضايقات لكوني أم لطفل داون” وتوضح باستغراب كانت أشدها قسوة عليا تقبل أبنائي لحالة محمد، وتستطرد بأسي بأن أحد أبنائها طلب منها التخلص من محمد ومشاكله عبر قتله، تصمت ثم تقول رفضت ذلك وكنت اكتفي بقول “أنا ومحمد روح واحدة” وأنني مؤمنةً بقضاء الله وقدره.
أنا ومحمد روح واحدة
وتستطرد مع مرور الوقت بدأ أبنائي بتقبل محمد، ويرجع ذلك لشخصيته المرحة والبريئة وابتسامته التي لا تفارقه وتجبرهم على حبه، وبعد تنهيدة تضيف رغم ذلك إلا أن محمد مازال يهاب أخيه الذي أراد التخلص منه رغم تودد الأخير له.
خلل في الكروموسومات
الجدير بالذكر أن متلازمة داون تحدث نتيجة خلل في الكروموسومات، حيث يولد الطفل المصاب بمتلازمة داون مع 47 كروموسومات بدلاً من 46، لتضاعف الكروموسوم 21، وتعرف أيضا بمتلازمة تثلث الصبغي 21، ولا توجد احصائيات دقيقة حول أعداد المصابين بمتلازمة داون بالقطاع، ووفقاً للمركز الإحصائي الأمريكي عام 2004م بلغ عدد المصابين بمتلازمة دوان (1656) طفلاً بالقطاع.
وفي حديث مع الأستاذ نبيل جنيد مدير البرامج في جمعية الحق في الحياة حول متلازمة داون بالمجتمع، أوضح إن وجود طفل دوان في الأسرة ليس بالأمر السهل، وقد تمر الأسرة بمرحلة صعبة في البداية، لذا تأتي أهمية التدخل المبكر الذي يساعدها في معرفة كيفية التعامل معه، موضحاً أن الجمعية تعمل على رعايتهم منذ الولادة وحتى آخر يوم من عمرهم وذلك لمواصلة حياتهم الاجتماعية والحياتية.
ويبين أن أعداد المصابين بمتلازمة داون في تزايد وقد يفوق الألفين مصاب بالقطاع، مشيراً أن ألف فقط هم من استفادوا من الخدمات التي تقدمها الجمعية في المحافظات الخمسة بالقطاع، ويقول “لا توجد إحصائيات دقيقة لأرقام المصابين بمتلازمة داون” معللاً ذلك بضحالة الوعي حول متلازمة داون.
كما أكد على أهمية الدعم النفسي لأسرة في عملية التقبل؛ لإخراجهم من حالة الصدمة والإنكار، مشيراً إلى الطريقة الفجة التي يستخدمها بعض الأطباء في نقل الخبر ولا تراعي العامل النفسي لأهالي؛ مما يؤدي إلى إحداث صدمة لا تزول آثارها إلا بعد مرور مدة طويلة، مبيناً أن الجمعية تنظم ورش ومحاضرات بالتعاون مع كليات الطب والأطباء لتسليط الضوء على هذه النقطة وآلية إخبار الأهل والعامل النفسي لهم.
وأوضح أن الجمعية تسعي لزيادة الوعي المجتمعي من خلال الأنشطة والمحاضرات على مدار العام، التي تستهدف منها طلبة الجامعات والعاملين بالوزارات والمؤسسات؛ بهدف توعيتهم واطلاعهم على أوضاع الأشخاص ذوي متلازمة داون، مؤكداً على أهمية تظافر الجهود في نشر ثقافة مجتمعية حول متلازمة داون.