في الوقت الذي كان فيه مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، علي أكبر ولايتي يجدد دعمه للأسد في دمشق، خلال زيارته التي جال خلالها بالمحافظتين الإيرانيتين بالمنطقة “لبنان وسوريا”، ويؤكد على وقوف إيران إلى جانب النظام السوري، بعد إشارة وزير الخارجية الروسي إلى أن روسيا ليست أولويتها بشار الأسد، شهد ريف حلب الجنوبي انتكاسة جديدة للنظام وحلفائه، سقط خلالها ما يقرب من 100 عنصر من القوات التابعة للنظام السوري بين قتيل وجرح وأسير، فيما قتل 13 عنصرًا وأصيب العشرات من القوات الإيرانية والميليشيات.
وشكلت الانتكاسة الجديدة على جبهة جنوب حلب، بعد الهجوم المفاجئ لقوات جيش الفتح، وسيطرتها على البلدة الاستراتيجية خان طومان وعدد من القرى المحيطة بها، بداية أزمة للقوات السورية التي تهاجم المدينة في محاولة للسيطرة عليها.
انتكاسات وعودة
تأتي تلك الأنباء في ظل تقارير إعلامية تشير إلى وصول قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني على رأس وحدة خاصة من الحرس الثوري الإيراني من أجل نجدة جبهة ريف حلب الجنوبي شمال سوريا، بعد سلسلة من الانتكاسات العسكرية والهزائم التي تعرّضت لها قواته، التي تقود العمليات العسكرية في هذه الجبهة إلى جانب مقاتلين من حزب الله وميليشيات عراقية وأفغانية مدعومة من جيش النظام، في خطوة تشبه عودته للمنطقة في أبريل الماضي بعد الانتكاسة الأولى لقواته في ريف حلب الجنوبي، إثر سيطرة جبهة النصرة وحلفائها على تلة العيس والقرى المجاورة لها، وسقوط حوالي 50 قتيلاً من عناصر الحرس وحزب الله والميليشيات العراقية وقتها.
رسائل تطمينية ورد مؤلم
بقراءة سريعة لزيارة ولايتي للمنطقة قبيل وصول سليماني، نجد أنها تأتي في توقيت تشهد فيه العراق – نموذجها السلطوي بالمنطقة – أزمة داخلية انتهت الأسبوع الماضي بهتافات معتصمي المنطقة الخضراء “إيران برا برا”، في لفتة مقلقة لكل من حزب الله في لبنان والأسد في سوريا، من أن النموذج الفارسي يوشك على الانهيار بأهم معاقله الآن “العراق”، وبالتالي عليها طمأنة حزب الله والأسد، بأن حوارها الأخير مع واشنطن لن يجعلها تتخلى عنهم، والعراق لا يزال تحت السيطرة كقوة دفع للنموذج السوري، خصوصًا وأن التدخل الروسي بالأزمة مؤخرًا أثر على إيران سلبًا، وليس كما يشاع بخصوص وضعها بسوريا، لذلك جاءت زيارة قاسمي في سياق اندفاعاتها غير المسبوقة والمتهورة عسكريًا في حلب.
لكن الرسائل المقابلة في ريف حلب الجنوبي من قِبل المعارضة المسلحة، كان لها رأي آخر مفاده أن إيران ولايتي وقوات الأسد يحتاجان إلى أكثر من تعاون روسي، لمنع الهزيمة عن جنودهما ومواقعهما في المعادلة السورية صعبة التوقع.
صفعة طومان
ضربة المعارضة بأحراش خان طومان كانت قوية على نظام الأسد، ومن خلفه ميليشيا طهران، خصوصًا أنها كلفت الميليشيات الشيعية عدد من الأسرى والقتلى ليس بالهين، بينهم العقيد سعيد سياح طاهري، الذي يعتبره الحرس الثوري من أهم قياديه في سوريا، ويعرف بتاريخه القتالي المروع، وتشكل خسارته ضربة للقوات الإيرانية والمليشيات الشيعية، ليس فقط على المستوى العسكري، بل أيضًا على المستوى والجانب المعنوي.
وبدأت تظهر أصوات الآن داخل إيران نفسها منقسمة حول جدوى التدخل العسكري في سوريا بين أنصار “سليماني وظريف”، فيما ربط مهدي محمدي عضو الفريق النووي الإيراني المفاوض في عهد الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد، هزيمة الحرس الثوري الإيراني بالخدعة الأمريكية الروسية التي تشبه خدعة الاتفاق النووي الإيراني، بشأن اتفاق الهدنة، لافتًا إلى أن القوات الإيرانية التزمت بالهدنة، فيما خالفتها قوى المعارضة المهاجمة لخان طومان، واصفًا اتفاق وقف إطلاق النار بأنها كذب وخداع لا ينطلي إلا على البعض.
في المقابل رد مؤيدو التدخل العسكري الإيراني بسوريا على تلك الاتهامات بأن الحفاظ على الأمن القومي الإيراني يكون عن طريق معركة خان طومان وبعدها حلب، داعين لاستمرار قاسم سليماني بالمعركة وبقوة في سوريا، وتجاهل الخسائر الكبيرة التي تكبدها الحرس الثوري هناك.
وصاية أم احتلال؟
هنا يبرز تساؤل هام: ما الذي يمكن أن تقدمه عودة سليماني من دعم لقوات النظام، وكيف ستؤثر في المقابل بين صفوف المعارضة؟
الإجابة على هذا التساؤل تستدعي قراءة مفصلة للوضع العسكري بين قوات النظام والمعارضة في سوريا بشكل عام، وحول حلب بشكل خاص، والذي يصفه الكثير من المحللين بالمضطرب وغير الواضح، مع دخول جيش الفتح في الساحة من جديد، ما يوحي باستمرار مسلسل الهزائم لقوات النظام وداعموها، مصحوبة بتراجع وفقدان للسيطرة على مناطق سبق وتم السيطرة عليها من الجيش السوري، سواء بمعاركه مع تنظيم داعش، أو قوى المعارضة المسلحة، مع استمرار التدهور في المناطق المحيطة بحلب، واحتدام الخلافات الداخلية بين بعض عناصر حزب الله وميليشيا طهران من جهة، والعناصر الشيعية الأفغانية وقوات النظام من جهة ثانية، مع تخاذل روسي غير مفهوم.
وبالتالي تأتي عودة سليماني في توقيت يراه مؤيدو النظام مناسبًا لضبط تصرفات وإيقاعات قوات الجيش السوري الموالية للأسد، المعترضة على بعض امتيازات الميليشيا الإيرانية وحزب الله، خصوصًا أن قوات الجيش السوري هي التي تتكبد الخسائر اليومية في المعارك الأخيرة، مقابل دعم محدود من الميليشيا الإيرانية.
انتهاء مرحلة الأسد
أما فيما يخص تأثير تلك العودة على قوى المعارضة المسلحة، فيمكن قراءتها من منظور أن عودة القائد الإيراني وقيادته للمعارك تعني رسميًا الإعلان عن القيادة الإيرانية المباشرة للمعارك بسوريا، والدفع بالنظام وجيشه إلى الصفوف الخلفية، وبالتالي تتحول معادلة الحرب بسوريا من قوى معارضة للنظام ضد القوات الموالية، إلى حرب بين ميليشيات مسلحة “المعارضة” وقوى احتلال جديدة لسوريا “إيران” أو الوصاية الإيرانية، تطبيقا للنموذج العراقي، وكأن مبدأ الأسد حاليًا هو سوريا لي، وإن لم تكن كذلك فهي لن تكون للمعارضين.
وهنا ستتغير قواعد اللعبة السياسية بالكامل عند الحديث عن أي حل سياسي في الأفق، وهي نقطة يسعى لها نظام الأسد وموالوه، بتغيير وجهة النظر لدى المعارضة من أن إيران هي جزء من المشكلة، إلى كونها جزءًا من الحل، وعليها القبول بالتفاوض معه، على أن يبقى الأسد في الخلفية، كضمانة له تعفيه من مسؤولية التحكم بالقرار، وتحول القضية برمتها إلى مسألة خارجية تختزل الصراع في الميدان بشقه العسكري، وتتراجع معها قضية الحرية لمصلحة قضية التحرر.
وهنا تبرز أهمية توحيد قوى المعارضة والبُعد عن فكرة الطائفية في الصراع، وإن لم تستطع قوى المعارضة فعل ذلك، ستتآكل الثورة السورية، في ظل صعوبة الحصول على عون خارجي لم يظهر بالعراق، كنوع من الضغط على تركيا والسعودية وباقي دول الخليج.