يصفونها دائمًا بالمتأرجحة، تلك هي العلاقة بين مصر والسودان منذ استقلال الأخيرة، عام 1956 أثناء حكم جمال عبد الناصر.
فمرورًا بعهد السادات الذي عمل مع الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري على توقيع “ميثاق التكامل” بين الطرفين، وانتهاءً بـ”ميثاق الإخاء” الذي وقعه البلدان عام 1987، كانت العلاقات في أغلب فتراتها تفتقر إلى ما يمكن وصفه بالحميمية -حسب ما تشير التقارير- وذلك بسبب حزمةٍ من الخلافات والتوترات بين البلدين.
وتبعًا لطبيعة النظام الحاكم في كلتا الدولتين، كانت تسير العلاقات والسياسات الداخلية والخارجية.
العلاقة بين الجنرالات
تقترب التحليلات من أن العلاقات المصرية السودانية الآن، علاقة “شبه الحليف”، حيث لا تعتقد السودان في مصر حليفها في أزمة سد النهضة الحالية، بل يمكن أن يصل الأمر، بحضور وزير الخارجية المصري، أن يعلن وزير الخارجية السوداني، رأي بلاده في أزمة كحلايب وشلاتين، أنها مصرية، وأن الشعب السوداني لا يعتقد في غير ذلك.
وشهدت أواخر العام الماضي، بعض المناوشات بين البلدين على المستوى الإعلامي، حيث هاجم الرئيس السوداني عمر البشير، الإعلام المصري، ووصفه بـأنه “رديء ويؤجج الصراعات ويخلق المشاكل”.
وخلال لقاء له مع فضائية “سكاي نيوز عربية”، أعرب البشير عن انزعاجه الشديد لأن الإعلام المصري روج للانتخابات البرلمانية في حلايب بشكل مستفز للشعب السوداني، وأكد البشير أن الإعلام المصري تسبب له بإحراج شديد كرئيس الأمر الذي اضطره لأخذ موقف من أجل حق شعبه في قضية حلايب.
مباشرةً وبعد هذا التصريح، الذي أثار ردات فعل واسعة على القنوات الفضائية المصرية الموالية للانقلاب في مصر، شهد معظمها، حملات هجومية على البشير، تصاعدت إلى وصفه بالإخواني على إحدى الفضائيات المصرية.
بعدها، صعّد البشير من لهجته، تجاه قضايا سد النهضة وحلايب وشلاتين، التي قال عنها السفير محمد الشاذلي سفير مصر الأسبق في السودان، بأنها “خرافات لا يجب أن نصمت عليها”، مطالبًا السلطات المصرية أن ترد بشكل قوي وحاسم على هذه التصريحات المستفزة.
ورغم أن العلاقات بين البلدين، أخذت منحى موافق للهوى المصري بعد الانقلاب العسكري وصعود السيسي لرأس السلطة التنفيذية، والتي بدأت بين الجنرالين، بإجراء الرئيس السوداني، اتصالًا هاتفيًا بعبد الفتاح السيسي، هنأه خلاله بفوزه في الانتخابات الرئاسية وتمنى له التوفيق وأن تنعم مصر بالاستقرار.
في المقابل، وجه السيسي الدعوة للبشير لزيارة مصر ووعد البشير بتلبية الدعوة، كما أن الفريق أول ركن بكري حسن صالح النائب للبشير قاد وفد السودان المشارك في حفل تنصيب عبد الفتاح السيسي رئيسًا لمصر، إلا أنه، كما جرت العادة الدبلوماسية، بدأت علاقة البلدين، في التأزم مرة أخرى.
سد النهضة
يصف المراقبون مواقف البلدين من ملف مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي – الذي يعد أضخم سد لتوليد الكهرباء على مجرى النيل الأزرق وترى فيه القاهرة تهديدًا وجوديًا لها وتخشى أن يقلل حصتها من مياه النيل – بـ “المتباعدة”.
يؤكد على ذلك، تلك المواقف التي اتخذتها القاهرة والخرطوم، والتي بدت غير موحدة من سد النهضة منذ إعلان أديس أبابا بدء إنشائه أوائل أبريل 2011، ففي حين تتهم القاهرة الخرطوم بدعم أديس أبابا وتطالبها بالوقوف معها في مقاومة السد، تميل الخرطوم إلى إحداث توازن في الموقف عبر الالتزام بالاتفاقيات السابقة مع مصر ومساندة إثيوبيا في قضية السد.
في سياق ذلك، كشف موقع “مونيتور” الأمريكي عن مخاوف مصرية من التأثير السلبي لرفض القاهرة التفاوض مع السودان بشأن حلايب وشلاتين على الدعم السوداني لمصر في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي.
وكان عمر البشير قد صرح للتلفزيون الإثيوبي في 18 أبريل الجاري، عن إيجابيّات السد لبلاده وإثيوبيا، وهو ما اعتبرته وسائل إعلامٍ مصرية انعكاسًا واضحًا لتصاعد أزمة مثلث حلايب من جديد.
وفي تصريح لمصدر حكومي في اللجنة المصرية المعنية بملف مفاوضات سد النهضة لـ “المونيتور” أكد أن هناك مخاوف مصرية من أن يكون رفض مصر التفاوض حول حلايب وشلاتين مع السودان سببًا في عرقلة مفاوضات سدّ النّهضة بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، حيث وضعت القاهرة عددًا من السيناريوهات البديلة، وتعوّل على مساندة الخرطوم لتأييد موقفها أمام أديس أبابا.
كما أن اجتماع الّلجنة الثلاثيّة لسدّ النهضة في الخرطوم فبراير الماضي شهد مشادات حادة بين الوفد المصري ونظيره السوداني بسبب اعتراض مصر على وضع السودان خريطة تظهر حلايب وشلاتين ضمن الحدود السودانية.
مثلث حلايب… النزاع المتجدد
فتح قرار مجلس الوزراء المصري، بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، الباب على مصراعيه أمام السودان، للمطالبة رسميًا باستعادة حلايب وشلاتين واللجوء للتحكيم الدولي.
ودعت الخرطوم القاهرة “للجلوس للتفاوض المباشر لحل هذه القضية أسوة بما تم مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية أو اللجوء إلى التحكيم الدولي امتثالًا للقوانين والمواثيق الدولية باعتباره الفيصل لمثل هذه الحالات كما حدث في إعادة طابا للسيادة المصرية”، على حد تعبير بيان للخارجية.
بدورها ردت القاهرة، بالرفض على طلب الخرطوم التفاوض المباشر حول منطقة حلايب وشلاتين، وقال أحمد أبو زيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، في بيان مقتضب، إن “حلايب وشلاتين أراض مصرية وتخضع للسيادة المصرية، وليس لدى مصر تعليق إضافي على بيان الخارجية السودانية”.
ومنطقة حلايب هي منطقة تقع على الطرف الإفريقي للبحر الأحمر مساحتها 20,580 كم2، توجد بها ثلاث بلدات كبرى هي حلايب وأبو رماد وشلاتين، وتتبع المنطقة مصر سياسيًا وإداريًا بحكم “الأمر الواقع”، كما أنها دائمًا محل نزاع حدودي بين مصر والسودان، ويطلق عليها الجانب السوداني “المنطقة الإدراية لحكومة دولة السودان”، كما أن أغلبية السكان من إثنية، البجا، وهو اسم يطلق على الشعب الذي يسكن ما بين ساحل البحر الأحمر ونهر النيل في السودان، وينتمي سكان المثلث، لقبائل البشاريين والحمدأواب والشنيتراب والعبابدة.
وتعد قضية التنازع على منطقة حلايب، الغنية بالمعادن، أحد أبرز القضايا الخلافية، التي تشتهر بها علاقات البلدين منذ عام 1958.
ففي 1902 قررت، سلطة الاحتلال البريطاني، جعل حلايب تابعة للإدارة السودانية لأنها أقرب جغرافيًا للعاصمة السودانية الخرطوم، من العاصمة المصرية القاهرة، واستمر الوضع على ما هو عليه حتى 18 فبراير 1958 وقتما قام الرئيس المصري حينها جمال عبد الناصر، بإرسال قوات إلى المنطقة وقام بسحبها بعد فترة قصيرة إثر اعتراض الخرطوم.
ليظهر النزاع إلى السطح مرة أخرى في عام 1992 عندما اعترضت مصر على إعطاء حكومة السودان حقوق التنقيب عن البترول في المياه المقابلة لمثلث حلايب لشركة كندية، وفي يوليو 1994، أرسلت السودان مذكرة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمة الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، تشتكي الحكومة المصرية بتسعة وثلاثين غارة شنتها القوات المصرية على الحدود السودانية، منذ تقديم الحكومة السودانية بمذكرة سابقة في مايو 1993.
وكان السودان قد أعلن تقديمه شكوى ضد مصر لدى مجلس الأمن الدولي بسبب إجراء حكومتها اقتراعًا في الانتخابات البرلمانية عام 2015 داخل منطقة حلايب.
ملف الإخوان الهاربين عبر الحدود
يحُد مصر من الجنوب، حدود مع السودان تصل إلى 1280 كيلومترًا، هذه المساحة الشاسعة، طالما كانت مصدرًا هامًا للتهريب من السودان إلى مصر والعكس، فهذه المساحات تتسع لتجار المخدرات ومهربي السلاح والبشر.
وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، أصبحت السودان، أحد أهم مصادر التسليح للتنظيمات المسلحة في مصر، ومنها كان يتم تهريب السلاح إلى سيناء، ثم إلى قطاع غزة عن طريق منظومة الأنفاق.
لكن بعد الانقلاب العسكري عام 2013، استخدمت هذه الحدود لتهريب العشرات من قيادات جماعة الإخوان المسلمين والتيارات المعارضة للنظام، وذلك بعد إصدار قراراتٍ بمنعهم من السفر أو مطاردتهم من قبل أجهزة الأمن.
ففي بداية شهر مايو عام 2014، قضت محكمة قنا العسكرية بالسجن لمدة عام بحق 6 متهمين و3 سنوات لمتهم آخر في القضية رقم 3 جنايات عسكرية قنا، والمعروفة إعلاميا بقضية “عابري الحدود”، هذه القضية، اتهم فيها 7 أشخاص، 5 مصريين ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، واثنين سوادنيين، كان قد ألقي القبض عليهم في 25 فبراير من العام نفسه، عن طريق قوات حرس الحدود بأسوان في منطقة أبومرة بطريق العلاقي على مسافة 130 كيلومترًا، جنوب شرق مدينة أسوان بالقرب من المنطقة الحدودية مع السودان.
وتؤدي هذه القصة بنا، إلى صحة، الأقاويل بأن الحدود الجنوبية لمصر أضحت الآن طريقًا لخروج قيادات جماعة الإخوان ومعارضي النظام.
فكيف يتعامل نظام البشير معهم؟
تشير وثائق تم تسريبها في فبراير الماضي، وتعود إلى شهر أكتوبر من العام الماضي، لاجتماع رسمي برئاسة عمر البشير، إلى توصيات بمساعدة الإخوان المصريين في السودان وتأمينهم وتوفير فرص الاستثمار لهم.
الوثائق، التي قام بنشرها الباحث المتخصص في الشؤون السودانية “إريك ريفز”، تحدثت فيها البشير عن استبعاد طرد الإخوان المصريين، إرضاءً للسيسي والولايات المتحدة الأمريكية، ومتوقعًا عودة الإسلاميين في مصر إلى السلطة وبشكل قوي.
وبقراءة الوثيقة، يتبيّن، معرفة القيادة السودانية لموقف السلطات المصرية من هذا الاتجاه، حيث يتعامل السيسي مع السودان بدونية – حسب الوثيقة -، لأنه يشعر بأنهم ضده.
وفي التوصيات التي حملتها الوثيقة، أكد المجتمعون أنه يجب التمويه على تواجد الإسلاميين في البلاد، مع توفير المناطق الآمنة لهم، وتشير التقارير إلى تنسيقٍ بين قيادات الجماعة، وأجهزة الأمن والمخابرات السودانية، وهو ما يعكس العلاقة القوية بين الطرفين في هذه الآونة الأخيرة.
لكن، تُفضل الأجهزة الرسمية السودانية الظهور بموقف أكثر دبلوماسية مع النظام المصري لعدم الدخول في صدام مباشر معه، وهو ما تؤكده الوثائق، بأن الصراع مع الجانب المصري، ليس على أولويات النظام السوداني.