خرج الدكتور محمد كمال بتسجيل صوتي يتحدث فيه عن الخلاف الدائر في قيادة الإخوان المسلمين، بين ما يعرف بالقيادة التاريخية وعلى رأسها الدكتور محمود عزت القائم بأعمال المرشد، وما يعرف بالقيادة الجديدة وعلى رأسها الدكتور محمد كمال رئيس إحدى اللجنتين الإداريتين المتنازعتين، والتي تقابلها اللجنة الإدارية التابعة للدكتور محمود عزت وعلى رأسها الدكتور محمد عبد الرحمن.
استمعت للتسجيل الصوتي بعناية، ثم تابعت ردود الفعل عليه، فكان العجيب الذي أدهشني، أني وجدت إشادة بموقف الرجل من الكثيرين، حتى ممن يحسبون على جناح الدكتور محمود عزت ومن معه.
يبدو أنهم لم يتفكروا طويلاً فيما جاء على لسانه، والذي أثارهم في هذا التسجيل وأخذ عليهم سمعهم وعقولهم هو إعلان الدكتور محمد كمال استقالته من مناصبه الإدارية في الجماعة والعودة إلى الصفوف فردًا عاديًا مثل بقية الأفراد.
ولأن العاطفة تحكمنا جميعًا، وهي أقوى عندنا من العقل والمنطق، فقد انشغل الناس بهذه النقطة في التسجيل دون سواها، بل وفهموها خطأ، ولم يدركوا كل أبعادها.
الدكتور محمد كمال في هذه النقطة تحديدًا، لم يعلن استقالته النهائية، وإنما تقدم بهذه الاستقالة للّجنة الإدارية التي يرأسها، ويُحمل كلامه من بعد ذلك على أنه سيدير الأمر مع لجنته الإدارية إلى حين أن تنتهي الانتخابات، وتتشكل قيادة جديدة للجماعة.
أقول وحينها من الممكن أن ينزل على رأي الأغلبية المنادية له بالبقاء في القيادة إن اختير لها، كما نزل غيره من المستقيلين من القيادات والرئاسات.
ثم دعا مع ذلك كل قيادات الفريق الآخر المتنازع معه على الاستقالة كما استقال هو، ليترك الجميع الأمر من بعد ذلك لقيادة شابة جديدة، تكون أولى بالمرحلة وبمتطلباتها.
ولا أدري، كيف يتنازع متنازع مع قيادة شرعية لهيئة أو تنظيم، ثم يقوم بإعلان استقالته، ويدعو الطرف الآخر لإعلان استقالته حتى تُحل الأزمة، في حين أن القيادة الأخرى ترى نفسها قيادة شرعية منتخبة، وترى ما حدث منه انقلابًا على مؤسسات الجماعة وعلى توجهها وثوابتها.
وقد أصر في هذا التسجيل على المضي قدمًا في كل ما مضى فيه من قبل مع لجنته الإدارية، حيث التغيير الذي أجروه على اللائحة، والدعوة لانتخابات لقيادة جديدة تقود الجماعة في المرحلة المقبلة.
أقول وكيف تُجرى هذه الانتخابات في كل هذه الظروف المحيطة، ظرف أمني تاريخي، اعتقال لأعداد تاريخية من الجماعة على رأسها أغلب قيادات الصف الأول والثاني والثالث، ومن بقي من القيادات إما أن يكونوا مطاردين مختبئين أو مهاجرين، انقسام في الهيكل التنظيمي، ورفض قطاع كبير لهذه الانتخابات وعدم المشاركة فيها.
وبعد هذا التسجيل بيوم واحد، يُعلن عن البدء في إجراء الانتخابات على كافة المستويات القيادية، ومعروف أن هذه الانتخابات لا تُجرى إلا في المناطق الجغرافية التي تقع تحت قيادة فريق الدكتور محمد كمال، أما باقي المناطق فلا تخضع لقيادته ولا ترضى بإجراءاته، وقد سارعت الكثير من هذه المناطق والمحافظات برفض هذه الإجراءات في بيانات رسمية، ومن ذلك كل محافظات الصعيد تقريبًا.
الدكتور محمد كمال وفريقه يقودون أكبر انشقاق يحدث في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، فلم يحدث من قبل مثل هذا الانشقاق في البناء التنظيمي للجماعة، وكانت الانشقاقات تقتصر على القيادة العليا، ولم يكن يعدو الأمر خروج فرد من القيادة أو أفراد.
أما ما نحن بصدده فهو انشقاق حقيقي – إن اكتمل – يطال القيادة وجسد الجماعة على السواء، فهو انشقاق رأسي وأفقي في الآن ذاته.
والمناطق الجغرافية التي تتبع الدكتور محمد كمال وفريقه ليست بالهينة ولا الصغيرة، حتى إننا نرى في المنطقة الجغرافية الواحدة فريقين، فريق يتبع القيادة هذه وفريق يتبع القيادة تلك.
ومع الاختلاف على تحديد النسب، حيث إن كل فريق يروج لأنه هو القيادة التي تنضوي من تحتها أغلب القطاعات التنظيمية، إلا أن الواضح أن لكل فريق تابعيه، وقد أصبح لكل فريق – تقريبًا – هيكله التنظيمي المستقل.
إذن، نحن أمام أكبر انشقاق في تاريخ جماعة الإخوان، يتأكد هذا الانشقاق وتتشكل ملامحه النهائية، بإصرار فريق الدكتور محمد كمال على المضي في إجراءاته، إلى حد إجراء انتخابات جديدة لمكتب إرشاد جديد ومجلس شورى جديد.
ونحن على موعد مع إحدى نهايتين لا ثالث لهما، إما انشقاق تنظيمي كبير يجعل هناك جماعتين وتنظيمين وقيادتين، وإما فشل لإجراءات فريق الدكتور محمد كمال، يكون على إثره انفصال عدد كبير من القيادة أو فصلهم، ومعهم عدد كبير من الشباب والتابعين، ولن يرقى حينها ليكون انشقاقًا كبيرًا يصنع جماعتين وتنظيمين.