تقول إسرائيل، إنه وعلى الرغم من الإجراءات الصارمة التي تقوم بها حركة حماس باتجاه ضبط الحدود لمنع تسلل المقاتلين من وإلى قطاع غزة ، بناءً على اتفاقات أمنية مع المخابرات المصرية، كان تم التفاهم بشأنها خلال الآونة الأخيرة، إلا أن جهاديين من فلسطينيي القطاع، تمكنوا من الالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية، وذلك عبر الأنفاق الحدودية الواصلة بين الحدود المشتركة، بغرض القتال تحت قيادة ولاية سيناء، التابعة للتنظيم.
ويأتي السؤال، وهو المتعلق فيما إذا كان انتقال هؤلاء صحيحًا أم لا؟ وفيما إذا تم انتقالهم عن إرادتهم بمفردهم، أو أن هناك جهات معنية سعت في أمر تجنيدهم، وفي ظل حدود منضبطة بشكلٍ غاية في المراقبة والإحكام، بهدف تطبيق عمليات استدراجية باتجاه مطلوبين لصالح إسرائيل.
وإذا قمنا بالتسليم، بأن جهات قامت بافتعال حوادث كهذه، فإننا نستطيع التسليم أيضًا، بأن هذه الجهات هي نفسها أو جهات معنية أخرى، هي التي قامت بتجنيد نشطاء يتبعون كتائب القسام – الجناح العسكري لحركة حماس – وخاصةً العاملين في حفر وتجهيز شبكة الأنفاق – كي يتم نقلهم إلى إسرائيل، وإن بحجة الانضمام إلى مقاتلي الولاية، بسبب أن تلك الحوادث تكاد تكون مرتبطة ببعضها البعض، وسواء من حيث الزمان أو المكان أو الظروف أيضًا.
كنا قد استمعنا لحكاية إسرائيلية في هذا الصدد، تحكي عن أن نشطاء كبار من القسام، هم من قاموا – فرادى -، وبمحض إرادتهم، باجتياز الحدود إلى إسرائيل، بعدما دخلوا إليها عبر أحد الأنفاق التابعة للحركة، ومن ثم قاموا بتسليم أنفسهم طواعية للجيش الإسرائيلي، حيث قاموا بالكشف أمام جهاز الشاباك عن أسرار استراتيجية نادرة، وأفاضوا عن معلومات جوهرية حاسمة، تتعلق بمسارات الشبكة، وإجراءات العمل الخاص بوحداتها المختلفة.
وكان قد حرص الشاباك على إفهام الكل، بأن هروب النشطاء وإدلائهم بتلك المعلومات، كان بمثابة نقطة تحول عملاقة، نحو تحقيق نجاحات مبرمة باتجاه محو الشبكة والخلاص منها، باعتبارها، هي من شكلت الكابوس الأسوأ بالنسبة إلى إسرائيل، كونها تمثل الجزء الأكبر والأكثر خطرًا من خطة حماس، والتي تفترض بأن أي مواجهة قتال قادمة، ستكون داخل الأراضي الإسرائيلية.
من جملة الإعدادات الإسرائيلية، الخاصة بمكافحة الأنفاق، هو الوصول إليها عن بواسطة الأجهزة المخابراتية كطريق أقرب وأيسر من بقية الإعدادات الأخرى، كالإعدادات العسكرية والتكنولوجية، إلى جانب ابتهالات الحاخامين الدينية على التي يقومون بترتيلها بمحاذاة الحدود بين الفينة والأخرى، باعتبارها إعدادات (مؤلمة، مكلفة، غير موثوقة) على التوالي، ولذلك فقد تم الاعتماد على تلك الواسطة وحتى هذه الأثناء، والتي كانت قد حققت نجاحًا على ما يبدو.
لكن، وحذفًا للجزء المهم الوارد في الحكاية الإسرائيلية وتفنيدًا لمضموناتها، فإن أحدًا من النشطاء لم يقم بتسليم نفسه هكذا، كما ومن البداهة، فإن (الشاباك) لم يحصل من خلالهم، على معلومات جوهرية كافية بخصوص الشبكة أو بما يتصل بها، كما سعى جهده في تضخيمها، إذ لا يعقل أن تمر حكاية كهذه، على من لديه حفنة من عقل، بسبب جملة من الارتباطات المانعة، والتي تحول دون حصولها كحقيقة دامغة، بحيث من غير الممكن إغفالها أو الفرار منها.
وحتى في حال تمت زراعتهم منذ أن كانوا في حضانة أمهاتهم، ولم يكونوا قد انغمسوا في صفوف الحركة بعد، وإلا لَما احتاجت إسرائيل لكل تلك التكلفة – باعتبارها الأعلى على النطاق الأمني -، وسواء تلك التي شوهدت من خلال بذل الجهود ورصد الأموال، ومضاعفة الإعدادات التجهيزية الأخرى، ولكانت تمكنت إسرائيل من القضاء على شبكة الأنفاق أولًا بأول.
لا ريب، وإلى جانب التعاونات المصرية – الإسرائيلية الكثيفة، في مجال مكافحة الإرهاب، فإن منطقة سيناء تعج بالعاملين والمقيدين على قوائم أجهزة الموساد والمخابرات الإسرائيلية، والتي تعمل بمعزلٍ عن الأجهزة المصرية، وهو الأمر الذي يمكن التمسك به، باعتباره يقرب إلى الأذهان، بأن وصول نشطاء حماس إلى إسرائيل، كان عن طريق استدراجهم بواسطة عاملي تلك الأجهزة، ومن خلال سيناء، وليس بطريق الأنفاق المصوبة باتجاه إسرائيل، وأن النشطاء تم تسليمهم باليد، وفي إطار عمليات مدبرة.
وكما أنه لا يمكننا نكران أن الشاباك، قد حقق نجاحًا في الحصول على نشطاء، ومن حَفَرة الأنفاق تحديدًا، وسواء كان النجاح قد حققه بمفرده، أو بمعاونة جهات أخرى، فإن ذلك النجاح لا يعد سوى نجاحًا وهميًا ولا وجود له، لاسيما وأن الدارس له والباحث في أمره، يظنه يقبع في أدراج الفشل، بسبب أن حماس التي لم تشأ التعقيب عليه، قد اعتبرته وكأنه لم يكن، وعزز ذلك ما أكدته تلك الأجهزة بنفسها في أوقاتٍ لاحقة، من أن أعمال الحفر التي تشنها حماس ضد إسرائيل، لا تزال جارية.