لا أحد ينكر أهمية أن تقوم القوى الوطنية والإسلامية والفعاليات الشعبية بإحياء ذكرى نكبة شعب فلسطين، وربما ما يدعم صحة هذه الفرضية ما حصل قبل عدة سنوات في الاحتفال الكبير الذي أقامه رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتانياهو، والذي لم يتأخر أحد من قادة الاحتلال والسفراء الأجانب عن تلبية الدعوة للاحتفال بذكرى ميلاد والده المئة، وبينما القاعة تضج بالحضور ألقى والد نتانياهو كلمة أبرز ما جاء بها قوله: “ما دام الشعب الفلسطيني لم ينس نكبته ومازال يحتفل بها؛ لا مستقبل لدولة (إسرائيل)”.
نعم، العودة حق كالشمس، لن يستطيع أي كان أن يتنازل عنها، فهي حق فردي لكل اللاجئين الفلسطينيين، كفلته القوانين والمواثيق الدولية والأعراف الإنسانية، ولذلك حتمًا سنعود، وسنبقى نطالب بحقوقنا بكل السبل المشروعة والمكفولة بالقانون، فإنهاء الاحتلال ضرورة وطنية، ويجب أن تكون المصالحة الوطنية إحدى أهم دعائم تحقيق الهدف الاستراتيجي، وهو إنهاء الاحتلال، فلا يعقل أن ينعم هذا الاحتلال بخيرات بلداننا ومياهه، ويتكدس اللاجئون بمخيمات لا تصلح للعيش الآدمي، في فلسطين وخارجها.
جيلنا ولد بغزة، ولم يبق من جيل النكبة على قيد الحياة سوى القليل، ومع ذلك ما زال شغف العودة لدى الأجيال يسري بالدماء، ومفاتيح العودة يتوارثها الأبناء من الأجداد، وسيبقى الشعب الفلسطيني يحيي ذكرى نكبته حتى يتحقق حلمه بالعودة إلى دياره، والتعويض عن كل ما حصل له.
في الذكرى الثامنة والستين للنكبة لا بد من مراجعة تقييمية للذات تقوم على الإجابة الصادقة على تساؤل: أين نحن من العودة؟ وما هو مستقبل إسرائيل؟
لا شك أننا بعيدون كل البعد عن العودة، فلا عودة بدون عمل، ولا عمل بدون توحيد الجهود، وبذلك يأخذنا الانقسام لنكبة جديدة تقوم على تهجير ثاني للشعب الفلسطيني، حيث تعمل إسرائيل وباستراتيجية ثابتة لضم الضفة الغربية (مناطق C)، وما تقوم به من سياسة إبعاد لسكان الضفة لغزة والخارج جزء من تلك الاستراتيجية الإحلالية، أما قطاع غزة وفي ظل هذا الحصار الخانق والذي يهدف بما لا يدع مجالاً للشك لتركيع شعبنا أو تهجيره، فإسرائيل لم تقبل إلا بالفلسطيني الجديد الذي لا يؤمن إلا بمتطلبات حياته المعيشية.
لا بد أن نقر ونعترف كشعب وفصائل عمل وطني وإسلامي بأننا فشلنا في إحياء الأمل بالعودة، فالمفاوضات في ظل التعنت الإسرائيلي قضت على هذا الحلم، فلا عودة بالسلام، لأن إسرائيل قضت على حل الدولتين، فكيف لها أن تقبل بأن نعود ليافا وحيفا وعكا وصفد؟ والمقاومة أحيت الآمال بالعودة خلال الحرب الأخيرة عندما شاهدنا المقاتل الفلسطيني يقتحم السياج ويدخل أراضينا المحتلة ليقاتل العدو في عقر داره، ورغم ذلك فإن المقاومة مطالبة برؤية واستراتيجية واضحة تشارك بها كل مكونات شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج، من أجل تحقيق حلم العودة.
ثمانية وستون عامًا لم نحقق بها شيئًا سوى إحياء الذكرى بفعاليات فصائلية لا ترقى لحجم الجريمة، وفي المقابل فإن إسرائيل خلال هذه المدة قد قامت ببناء مؤسسات الدولة، وعملت دبلوماسيتها للسيطرة والتأثير على أغلب الدول وتحديدًا في القارة السمراء التي لطالما كانت الحديقة الخلفية الداعمة للقضية الفلسطينية، وهذا النجاح الصهيوني يقابله فشل فلسطيني يعكس الرؤية الاستشرافية التي تجيب عن التساؤل أين نحن وإلى أين نسير؟ تلك الرؤية التي بات الطفل الفلسطيني قادر على الإجابة عنها.
لا شك أن المشهد محبط للغاية، وبحاجة لوقفة مع الذات، لاتخاذ قرارات تراعي ما تبقى من وطن، وتحفظ ما تبقى من كرامة شعب.