“أنا مسلم ومتدين وأصلّي منذ سن الثامنة، دخلت الحركة الإسلامية في سن الخامسة عشر ودخلت سجون بن علي لدفاعي عن معتقداتي وسأواصل الدفاع عنها”، هكذا رد النائب في البرلمان التونسي مهدي بن غربية، ضد من وصفهم بالمشككين في إسلامه وعقيدته نتيجة اقتراحه مشروع قانون يحدد منابات الورثة في تونس.
وأعلن النائب في البرلمان التونسي مهدي بن غربية، الإثنين 9 مايو، تقديم مقترح مشروع أمام برلمان بلاده متعلق بتحديد نظام المنابات في الميراث”، ويقترح المقترح تقسيم الإرث بالتساوي بين المرأة والرجل عند التساوي في الوضعيات، أي في حالة غياب أي اتفاق صريح ومكتوب مخالف بين الورثة، في انتظار عرضه أمام جلسة عامة.
مشروع قانون قال عنه بن غربية لـ “نون بوست” إنه مطلب جزء هام من التونسيين من 100 سنة خلت أو يزيد، ويمثل فكرة أجيال ومطلب يهم 5 مليون امرأة تونسية”.
وأوضح بن غربية لنون بوست أن مشروع القانون المقترح ليس مشروع مساواة في الميراث عكس ما تم الترويج إليه وعكس ما تطالب به مجموعة من الجمعيات النسوية، وإنما هو مشروع قانون يعطي للورثة إمكانية تقسيم الإرث بالتساوي في حال الاختلاف ورفض أحدهم ما هو متعامل به الآن، وأضاف “احترامًا لخصوصيات الشعب التونسي الذي ينظر للمسألة من ناحية فقهية قررنا أن يكون مشروع القانون اختياريًا وللورثة حق الاختيار إما اقتسام الميراث حسب الشرع وإن لم يتفقوا يحق لهم أن يقتسموا الميراث حسب مشروع هذا القانون”.
وقال “في حال تم اعتماد مشروع القانون الجديد يبقى للورثة حق الموافقة على تقسيم الممتلكات الموروثة بموجب القانون الحالي، أي للرجل ضعف ما للمرأة، ولكن في حالة الخلاف بينهم يمكن اللجوء إلى القضاء الذي سيحكم بموجب القانون الجديد، ويصبح من حق الشقيقة أن تطالب بالحصول على نفس حصة شقيقها من الميراث مثلاً، فإذا تم اللجوء إلى الدولة وقضائها وجب عليها أن تعدل احترامًا للدستور الذي نص على المساواة بين الجنسين”.
وأكّد بن غربية أن مشروع هذا القانون يأتي في سياق التطور التي تشهده البلاد “فمنذ قرن ونصف أصبح لتونس خصوصية المواءمة بين الدين والحياة والرغبة في تكريس حرية الفرد ودعم حقوق الإنسان والديمقراطية وحق الاختلاف والآخر”، وتابع “الأحكام مرتبطة بالواقع وإذا تطور الواقع تطورت الأحكام، بمشروع هذا القانون نحافظ على الخصوصية التونسية ومنطوق الدستور وروحه”.
وينص الفصل الـ21 من الدستور التونسي على أن “المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز”.
وأضاف النائب التونسي لنون “بعد الثورة ومصادقتنا على دستور الجمهورية الثانية الذي حسم الحديث عن مصادر التشريع في البلاد وأقر مدنية الدولة التي تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وأسند السيادة له، وجب تكريس مبدأ المساواة بين الذكر والأنثى”.
ويمهل الفصل الثاني لمشروع القانون الجديد في حال تمت المُصادقة عليه، مجلس نواب الشعب سنتين حتى يعدل بعض النصوص القانونية التي تعتمد عليها البلاد في هذا الموضوع، خاصة مجلة الأحوال الشخصية، حتى تتلاءم مع مقتضيات المُقاربة الجديدة المتعلقة بتقسيم الإرث بين الورثة.
وفي رده على اتهامات البعض له بدفع البلاد من جديد للعودة إلى معركة المشروع المجتمعي قال بن غربية “كنت من أحرص الناس على إنجاح الحوار الوطني وكسر الاستقطاب الثنائي القائم على معركة المشروع المجتمعي باعتبارها من المشاكل الثانوية أمام ما يعيشه التونسيين من مشاكل ولا أحد له أن يشكك في ذلك الآن”، وأضاف “هذه المعركة انتهت في الجانب المؤسساتي بإتمام الدستور ونحن اليوم موجودون لتفعيل ما جاء به هذا الدستور، فمن ظن أن الدستور كتاب لتأثيث المكتبات فهو مخطئ، والتوافقات التي صيغت فيه لم تكن للإرضاء بل لها استتباعات ويجب تفعيلها على أرض الواقع في سبيل استكمال البناء الديمقراطي للبلاد”.
وحسب بن غربية فقد وقع على مبادرته 27 نائبًا من كل الكتل البرلمانية باستثناء حركة النهضة، وقال في هذا الشأن “لم أتوجه للنهضة رفعًا للحرج على نوابها لأنني أعرف أن لهم موعد انتخابي قريب، ومع ذلك فإنني أرى أن النهضة التي صوتت على الدستور وحظيت باحترام الداخل والخارج على ذلك والنهضة التي تتجه إلى عقد مؤتمر للمصالحة مع الدولة وتفعيل الوفاقات والدستور والفصل بين الجانب الدعوي والسياسي، ستتجاوب إيجابيًا مع هذا المقترح.
وقبل مكتب البرلمان التونسي، مطلع الأسبوع الماضي، مشروع هذا القانون وأحاله إلى لجنة الشؤون الاجتماعية التي من المنتظر أن تبدأ النظر فيه قريبًا على أن يتم مناقشته في جلسة عامة خلال شهرين أو ثلاثة.
وفي رده عن تصريحات بعض نواب كتلة الحرة (التابعة لحركة مشروع تونس) والجبهة الشعبية (ائتلاف أحزاب يسارية) وحركة نداء تونس وآفاق تونس الرافضة لمشروع هذا القانون، قال بن غربية “أستغرب من الأحزاب التي تدعي التقدمية والحداثية ألا تساند موضوع يمثل مطلب أجيال كاملة”، وتابع بالقول “الجلسة العامة لمناقشة هذا المشروع ستبين من مع حقوق المرأة ومن ضدها، ومع ذلك أقول لهم لم يطلب منكم أحد أن تطرحوا هذه المبادرة”.
وتعقيبًا على موقف مفتي البلاد التونسي على مشروع هذا القانون قال بن غربية “أحترم سماحة المفتي لكن ألومه لومًا خفيفًا في حديثه، فهو لا يعلم وكنت أفضل أن يطلع على فحوى هذا القانون قبل أن يعلق عليه، وما قاله ضدي كوني حرفت القرآن عيب وحرام وطريق للتكفير”، وأضاف ” ليس دور الدولة أن تفرض على مواطنيها تطبيق أو عدم تطبيق شعائر أو عبادات معينة”، مؤكدًا أن “ميدان التشريع القانوني والدستوري هو ميدان الخبراء القانونيين ولا دخل للفقهاء فيه وما يجمعنا في تونس هو الوطن وليس المعتقد”.
وسبق لمفتي الجمهورية التونسية عثمان بطيخ أن علّق على هذا المقترح وقال “الموضوع غير مناسب لا الآن ولا لاحقًا، القرآن صريح في ذلك، هذا حكم ربنا لا يمكن أن نغيره، كما 1+1 يساوي 2، لا يمكن أن نقول 3 ولا 6″، ودعا بطيخ النواب إلى إيجاد حلول للمشكلات الجوهرية بالبلاد بعيدًا عن إثارة إشكاليات هامشية “نحن في غنى عنها”، بحسب قوله.
ودعا مهدي بن غربية إلى تطوير أحكام الاسلام وقال “الإسلام هدفه إسعاد البشر وأحكام الدين طريقة لإتمام هذه الغاية فمتى كانت هذه الأحكام ضد هذه الغاية وجب تطويرها كما حدث سابقًا في تعطيل مسألة الحدود والتعامل مع الربا رغم وجود آيات صريحة لمنعه”.
وفي جانب آخر أكد بن غربية أن مقترحه يمثل ضرورة اقتصادية للبلاد “فالمرأة تمثل 35% من اليد العاملة و60% من طلبة الجامعات، لكن نسبة تملكها لا تتجاوز 0%، الأمر الذي يشكل صعوبة أمام إمكانية مساهمتها في النمو الاقتصادي للبلاد حسب قوله.
وشكك النائب التونسي أن يكون الرفض الذي يواجه مشروع مقترحه من قبل فئة كبيرة من التونسيين سببه الوازع الديني وقال “صعب أن يكون كل هذا الرفض لأسباب دينية لأننا لم نر حماسة في غير ذلك ومع ذلك فهو دليل على أن مجتمعنا حي ويعيش في الديمقراطية والاختلاف”.