بين الجبال وبين التلال، يحملك حب الاطلاع وشغف المعرفة إلى التعرف على ركن طبيعي منزو وبعيد عن صخب المدينة وعن ضغوطات عجلة الحياة، مكان طبيعي ساحر وخلاب يسمى “دار الجنة”.
“دار الجنة” حيث البحر والجبال والمغاور الحجرية التي يشقها البحر وحيث الغابات الممتدة، على بعد 60 كيلومترًا أو يزيد من مدينة بنزرت الواقعة أقصى شمال البلاد التونسية، في الجهة الغربية من هذه المدينة، منظر طبيعي خلاب يأسر قلوب الزائرين وكل من مر على هذه الأرض الساحرة، لا يفوت فرصة العودة مرارًا وتكرارًا، فهي ملاذ لكل من مل وتعب من فوضى المدينة وصراع الحياة المتواصل وهي متنفس لكل العائلات التي تجعل من العطل فرصة للتنزه والتخييم في هذا المكان الخلاب.
عندما يلتقي البحر بالصخور في “دار الجنة”
حين ترسو بالقرب من دار الجنة، لا تقدر إلا أن تنسجم في تأمل الطبيعة الخلابة من حولك، أرض فرشت ببساط أخضر مليء بالأزهار الملونة المختلفة وجبال مرتفعة اتخذت من أشجار الصنوبر كساءها، فصارت غابات شديدة الخضرة والهدوء، يشقها طريق جبلي ممتد وملتو كثعبان شديد الطول ليحملك إلى البحر، وتجد نفسك بين زرقة صافية للسماء والبحر وبين خضرة ممتدة للغابات والجبال.
“دار الجنة” مشهد طبيعي فتان وكأنه جنة خلقها الله في الأرض، حيث تشاهد جمال الخلق الرباني ولا يسعك غير أن تسبح لله انبهارًا بإبداع الله سبحانه وتعالى في خلق هذه المناظر الخلابة بكل دقة وعظمة، بهذا الوصف والتعبير الذي يصور الحقيقة استهل محدثي الذي دلني على هذه الجهة الجميلة والمنزوية غرب مدينة بنزرت، وهو الأخ فريد الصدقاوي، سائق سيارة أجرة وكهل في الأربعين من العمر قد غزا الشيب رأسه فزاده وقارًا، أحد ساكني مدينة بنزرت ومن رواد منطقة “دار الجنة” للصيد في فصل الربيع وللترويح عن أفراد أسرته في فصل الصيف للتمتع بجمال البحر ودفئه.
يواصل محدثي حديثه عن دار الجنة، مع اقتراب فصل الصيف، ونظرًا لأن خليج بحر دار الجنة نظيف وخال من الأعشاب البحرية المزعجة التي نجدها في عدة شواطئ، يهل الناس من كل حدب وصوب، فيصبح في المكان حركية وحيوية أكثر، فهذه المنطقة يأتيها الناس من كل جهة للسباحة في مياهها الدافئة وأيام قلائل ستجد أن الشواطئ قد اكتظت وتعج بالمرتادين للبحر خاصة أيام الآحاد، لأن المنظر الطبيعي هنا يزداد جمالاً مع اقتراب فصل الحر، ويغلب عليها السكينة والهدوء فلا تسمع إلا أصوات طيور النورس الرمادية التي تشق السماء بين الفينة والفينة، أو صوت الموج الذي يقطع هدوء البحر فيختلط بصراخ الأطفال الذين يخافون الموج.
منتجعات صحية في “دار الجنة”
في هذا المكان الذي حباه الله سبحانه بجمال مذهل، يجد الزائر راحة وسكينة وهدوء نفسي ليس كمثله هدوء، فهنا لا ضجيج سيارات وضوضاء مصانع ولا متطلبات صعبة للعيش، على الرمل تصنع موقدًا وتشعل النار التي تجمع لها الأغصان الفتية من الغابة القريبة، لتستمع بشواء الفلفل الأخضر والطماطم والسمك المملح الذي خرج لتوه من البحر، هنا يمكنك أن تكرس الطبيعة لتوفر لك أجمل وأبسط الطرق للترفيه، بهذه الكلمات ختم محدثي كلامه وتركته منشغلاً في صيده ومضيت أكتشف ميزات أخرى لدار الجنة.
وغير بعيد عن شاطئ “دار الجنة” انتصبت منازل بنيت على طريقة “الشاليه”، منازل صغيرة المساحة بنيت على طراز ريف إسباني أو إيطالي جميل، جعلت من الحجارة حيطانها ومن الخشب المغطى بالقرميد الأحمر سقفًا، منازل أعدت للزوار القادمين للاصطياف ولقضاء أيام جميلة للنقاهة واستنشاق الهواء البحري والجبلي الصافي، وحين تكتظ هذه المنازل بزائريها يختار البعض بناء مخيمات صيفية على الشاطئ حيث يسهرون إلى ساعات الفجر الأولى على النار المشتعلة وعلى دقات الطبول والغناء والرقص.