30 عامًا على مخططات تنمية منطقة قناة السويس تشمل تنمية شاملة قائمة على دراسات اقتصادية محكّمة تضمن تنمية حقيقية لمنطقة القناة تعود بالفائدة على البلاد وتعيد لمصر هيبتها القديمة، عندما كانت تشرف على طرق التجارة البرية والبحرية وتعتبرها أمنًا قوميًا ولا ترى بأسًا في تسيير الحملات العسكرية ضد كل من يحاول المساس بهذا الطريق وبهيبة مصر.
فمصر قبل اكتشاف الأمريكيتين عام 1492 كانت تعتبر قلب العالم التجاري ومحور الربط بين الكتلتين التجاريتين آسيا وشمال إفريقيا من جهة، وأوروبا وغرب آسيا من جهة أخرى. ونفوذ مصر تاريخيًا في شمال أفريقيا وجنوب الصحراء وجزيرة العرب وجنوب أوروبا كان يرجع لاستراتيجية السيطرة على التجارة بين كل أولئك وبدون منافس لها.
كما أن معظم ثروة مصر تاريخيًا تكونت من دورها الوسيط في تجارة وصناعات العالم بريًا، قبل حفر قناة السويس، إذ كانت التجارة تمر عبر أراضي الدولة وبعد حفر القناة توقف دخول التجارة العالمية بريًا، وبقيت إيرادات الخدمات البحرية للسفن العابرة من القناة، وتنمية القناة تنمية شاملة يسمح بعودة مصر إلى مجدها وعهدها الماضي.
فالمصريين وحتى وقت حفر القناة بعد وصول الخديوي إلى الحكم عام 1854 كانوا حريصين من التداعيات العسكرية والاقتصادية من حفر القناة، فالفراعنة ذهبوا إلى الصومال لتأمين جنوب البحر الأحمر تجاريًا وعسكريًا بسيطرتهم على ساحل الحبشة وجيبوتي والصومال وإريتيريا، لتكون ورقة ضغط على إثيوبيا مقابل سيطرة الأحباش على مصدر مياه النيل، وذهب الفراعنة أيضًا للشام وفرضوا سيطرة عسكرية اقتصادية عليها كخيار استراتيجي واقتصادي للحصول على نصيب من عوائد التجارة بين آسيا وأوروبا المارة بها.
ويذكر التاريخ أنه قيل للخديوي بعد إعطاء قراره بحفر القناة” ألا يعلم الخديوري أن والده أمر بإجراء تخطيط القناة لوصل البحرين مباشرة إلا أنه لم ينفذها خوفا من الإنعكاسات الاقتصادية والعسكرية على مصر”.
ضعف قناة السويس وخطأ في تنمية القناة
للمرة الثالثة خلال ثمانية شهور تقترض قناة السويس لحل أزمتها المالية، إذ قالت مصادر حكومية مصرية أن هيئة القناة تتفاوض مع عدد من البنوك الكبرى التي تعمل في السوق المصرية للحصول على قرض جديد بنحو 680 مليون دولار لتمويل التزامات مالية مستحقة عليها. علما أن الهيئة حصلت على القرض الأول بقيمة مليار دولار في أكتوبر تشرين الأول الماضي وفي يناير كانون الثاني حصلت على القرض الثاني بقيمة 400 مليون دولار بهدف تمويل مستحقات شركات المقاولات المشاركة في حفر التفريعة الجديدة، ويجدر بالذكر هنا أن الحكومةة المصرية مولت مشروع التفريعة الجديدة للقناة بنحو 64 مليار جنيه مقابل شهادات استثمار بفائدة سنوية بلغت 12%.
إيرادات قناة السويس واصلت الهبوط بحسب البيان الرسمي الصادر عن الهيئة في نهاية فبراير/ شباط الماضي، إذ تراجعت الإيرادات خلال شهر يناير/ كانون الثاني الماضي بنسبة 5.2% عن إيرادات الشهر ذاته من العام الماضي حيث بلغت 411.8 مليون دولار مقابل 434.8 مليون دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، أي بتراجع نحو 23 مليون دولار. كما تراجعت رسوم السفن عبر قناة السويس بحسب تقرير البنك المركزي في شهر ماري آذار الماضي بما يقارب 210 مليون دولار خلال النصف الأل من العام المالي الجاري 2015-2016.
وقد حصل خطأ في تحقيق مفهوم التنمية عند الحكومة المصرية من خلال حفر تفريعة جديدة للقناة دون الإكتراث لمشروع تنمية القناة بشكل كامل تشمل إلى جانب الخدمات اللوجستية وخدمات النقل البحري وخدمات الموانئ، الشروع بالصناعات التصديرية، فتنمية منطقة القناة تعني تعظيم العائد ممن التجارة المارة في قناة السويس مما يعود بزيادة في الدخل القومي وتوفير فرص العمل وجلب التقنيات الحديثة وزيادة العمران، ويتم هذا من خلال تحسين الخدمات البحرية وخدمات الموانئ والخدمات اللوجستية والصناعات التصديرية.
جبل علي وسنغافورة وهونج كونج في منطقة واحدة
مجال الخدمات البحرية وخدمات الموانئ واللوجستيات تقوم بها منطقة جبل علي في دبي، والصناعات التصديرية تشبه ما يقوم به كل من سنغافوة وماليزيا وهونج كونج، ومن حيث البلدان الأجنبية فهو أمر مستبعد أن تضع عراقيل على عدم تنفيذ مشروع القناة بسبب البعد الجغرافي، فالقناة وتنمية المنطقة تفيد بشكل أساسي الدول التي حول القناة والقريبة منها وتأثر بالضرورة على الموانئ القريبة منها.
وإذ صدّرت منطقة جبل علي موانئها إلى العالمية فهي تعد المنافس الوحيد للسويس والتي تعمل في مجال الخدمات البحرية وخدمات الموانئ واللوجستيات، على أن منطقة السويس لموقعها الجغرافي الواصل بين القارات والدول في حال العمل على تنميتها تنمية شاملة ستكون منطقة استراتيجية تغطي على منطقة جبل علي المنزوية في الخليج والتي لا تتمتع بميزات تنافسية بقدر ما ستتمتع منطقة السويس في حال قيامها بالدور الذي تقوم به منطقة جبل علي.
منطقة حبل علي تتوسع والسويس تتقلص
ميناء جبل علي في الإمارات العربية المتحدة بات يعتبر أكبر ميناء في المنطقة العربية يقع في إمارة دبي يؤمن نفاذًا إلى أسواق فيها أكثر من ملياري شخص، ويلعب الميناء المتعدد وساط النقل البحري والبري والجوي مدعم بمنشآت لوجستية واسعة دورًا محوريًا في اقتصاد إمارة دبي بشكل خاص واقتصاد الإمارات العربية المتحدة بشكل عام، ويعتبر محوريًا كذلك لأكثر من 90 خدمة ملاحية أسبوعية تربط أكثر من 140 ميناء في أنحاء العالم ومن المتوقع أن ترتفع الطاقة الإستيعابية في الميناء إلى 22.1 مليون حاوية نمطية مع إنجاز مشاريع التوسع عام 2018. كما يؤدي الميناء دورًا حيويًا في خدمة الأسواق العالمية عبر أكثر من 180 خط للشحن البحري، ويحتوي 90 خدمة أسبوعية إضافية تربط ميناء جبل علي بما يزيد على 140 ميناء حول العالم.
الميناء أختير بالتصويت كأفضل ميناء في منطقة الشرق الأوسط على مدى عشرين عامًا متتالية وتم تصنيفه كتاسع أكبر ميناء للحاويات في العالم فضلًا أنه يضم أكبر حوض من صنع الإنسان في العالم.
الإمارات تدافع عن منطقة جبل علي
حزمة الإجراءات الاقتصادية التي وعد بها الرئيس مرسي والتي كانت ستخفف من الاعتمادية على الخارج في سبيل استغلال الموارد الوطنية وتأسيس اقتصاد خدمي يعتمد على السياحة ولوجستيات الموانئ البحرية، بالإضافة إلى الاقتصاد الإنتاجي كإنتاج الإلكترونيات والسيارات والمعدات وغيرها، كان من بين تلك الحزمة مشروع تطوير قناة السويس، مما جعل الإمارات تتخوف ممّا سيشكله هكذا مشروع في هذا الموقع الجيبولتيكي المميز على المدى المنظور على منطقة جبل علي في إمارة دبي، وما سيحمله من بيئة جاذبة للرأسمال العربي والإقليمي والدولي تنهي تربع الإمارات على صدارة الاقتصاد الإقليمي على المدى البعيد، وهذا ما تعتبره حكومة دبي تهديدًا لهويتها الاقتصادية التي تتميز بها حاليًا، وهذا سيغير خارطة الطرق التجارية التي عملت الإمارات على تشكيلها منذ فترة وتعيد مصر إلى الواجهة من جديد.
وتبعًا للسياسة الخارجية الإماراتية فإن الإمارات تعتبر أن ما جرى في مصر من تسلم الإخوان المسلمين للسلطة خطر يهدد المنطقة برمتها؛ فعملت على دعم الثورة المضادة من أجل إسقاط حكم الإخوان المسلمين، وسعت وحلفائها السعودية والكويت إلى تعبئة الفراغ السياسي والأمني العربي من خلال القيام بمسؤولياتها القومية بعد غياب دور مصر المؤقت بعد ثورة 25 يناير.
وقد ظهرت تسريبات كثيرة تبرز دور دولة الإمارات في تمويل الإنقلاب على الرئيس السابق محمد مرسي عن طريق أذرع موالية للجيش والمخابرات العامة أبرزها كانت حملة تمرد والتي قادت حملة توقيعات ضد الرئيس السابق محمد مرسي ودعت لانتخابات رئاسية مبكرة؛ وهو ما استغله وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي لتسهيل مهمة الانقلاب.
وبرز الدور المالي للإمارات فيما بعد الانقلاب عن طريق دعم قادة الجيش ماليًا، حيث دعمت الإمارات مصر بودائع مالية وضعت في البنك المركزي لتمويل مشروعات للجيش، ولا تكاد خزينة الدولة المصرية تنخفض بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية وهروب الاستثمارات وعدم الاستقرار السياسي حتى يأتي المال من الإمارات لإعانة نظام السيسي وضخ المال في مؤسسات الدولة التابعة لمؤسسة الجيش التي ترعى الإنقلاب وتحميه.
كل ما قامت به الإمارات في مصر هو حماية طرقها التجارية التي عملت عيها خلال السنوات الماضية خوفا من عودة طريق السويس، فبذلت المال السياسي بشكل كثيف ودعمت القوى الليبرالية واليسارية لإعادة الدولة العميقة إلى السلطة واسترجاع حقبة ما قبل الثورة، لضمان بقاء منطقة السويس مغيبة عن المشهد.