ليس غريبًا أن تجد نفسك اليوم وأنت تتجول في شوارع يافا القديمة أمام لائحة مكتوب عليها: “فطور إسرائيلي… شكشوكة”، كما أنه من الطبيعي أن تعثر خلال بحثك عن شيء لذيذ في ثلاجة في حانوتٍ ألماني على علبة من “الحمص الإسرائيلي” الفاخر، وكيف نعجب بعد أن صرنا نقرأ في الصحف الأجنبية عن شيف إسرائيلي “يتفوق” على نظيره الفلسطيني في صناعة الفلافل في مُسابقة بلندن، ولكن هل الحكاية تنحصر في أكلتنا الفلسطينية؟ الحقيقة أنه حتى “الشنتسيل” و”السوفغنيوت” التي يتخيّلها بعض الفلسطينيين “إسرائيلية” هي أكلات “ألمانيّة” بحتة.
“الفلافل… ليست لنا”
قبل أيام قليلة فقط، انتصرت مصر على “إسرائيل” فيما يُسمى معركة الفلافل واحتفلت الصحف المصرية، حتى إن السفير البريطاني في القاهرة علّق على الموضوع قائلاً “والله وعملوها الرجالة” بينما كتب موقع “إسرائيل اليوم”: “هذه المرة خسرت إسرائيل” ولم ينس الكاتب أن يُذكرنا أنه وبالرغم من خسارة إسرائيل إلا أنها استطاعت أن تتفوق على فلسطين.
في العام الماضي، وخلال مشاركة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مع الجالية اليهودية في نيويورك بمناسبة ما يُسمى “عيد الاستقلال”، قُدّم له طبق من “الشكشوكة الإسرائيلي” فما كان منه بعد أن تذوقه إلا أن علّق قائلاً: “طعيم ميئود” باللغة العبرية، بمعنى “لذيذ جدًا”، فيما علق ممثل إسرائيل في الأمم المتحدة قائلاً: “إن إسرائيل مثل الشكشوكة، ساخنة وحارّة، ومتنوعة كثقافتها، وكل من يتذوقها، لا بد وأنه سيعود إليها”.
أبو حسن.. والاعترافات إسرائيلية
هل الشكشوكة والفلافل أكلات إسرائيلية حقًا؟ كعرب قد نقول بلا تفكير: “أكيد لا” ولكن المثير هو ما كتبته “تال بيحوفيتش” تحت عنوان “الفلافل ليست لنا”، حيث بدأت حديثها عن الفلافل متسائلة: “الفلافل؟ دعوكم من كل ما يقال، الفلافل ليست لنا ولا الشكشوكة، الحمص والسلطة العربية ليسوا لنا، لعلّنا نفعلها بشكل ممتاز، ولدينا أساليبنا الخاصة في إعدادها ولكنها ليست لنا، من الصعب عليّ قول ذلك، ولكنني كلما قلّبت الأمور وبحثت أكثر فإنني أصل إلى قناعة أنه ليس هناك مطبخًا إسرائيليًا”.
ولكن لماذا لا تعترف إسرائيل بهذا؟ الحقيقة أن إسرائيل لا زالت لم تعترف أنها طردت الفلسطينيين بل وتؤكد أن فلسطين كانت “أرضًا بلا شعب لشعبٍ بلا أرض” مع أنها تعلم جيدًا أن هناك شعب عاش فيها ولم يأت من الفضاء، مثل أبو حسن وهو من الأقلية الفلسطينية التي بقيت في فلسطين بعد النكبة ثم صار يبيع الحمص والفول متجولاً على عربته في حي العجمي في يافا حتى افتتح مطعمه عام 1959 والذي أصبح من أشهر مطاعم يافا لدرجة أن الكاتب الإسرائيلي “يوناتان كوهين” في مقاله بمناسبة يوم الحمص العالمي قال: “مطعم أبو حسن بنظر الكثيرين أفضل حمّص في منطقة تل أبيب – يافا، إن لم يكن في البلاد أجمع”، ولم يعد اليوم لأبو حسن مطعمًا واحدًا بل مطاعم، ورغم كل الأحداث السياسية إلا أن اليهود يقصدونه قبل العرب فهم يعلمون أنه فعلاً من “أفضل المطاعم” وفوق هذا ينتظروا في طابور قبل أن يجدوا مكانًا للجلوس فيه لتناول الحمص العربي الفلسطيني.
حتى الأطباق الألمانية سُرقت!
الحقيقة، أن الوجبات الفلسطينية والشامية أو المصرية ليست وحدها التي “سُرقت” ولكن هناك أيضًا أطباق وأطمعة ألمانية يظن الكثيرون بأنها ابتكارات “إسرائيلية”، فمثلاً لو سألت شابًا من الداخل الفلسطيني (48) عن أصل كلمة “شنتسيل”، وهي وجبة تباع بكثرة في المطاعم بإسرائيل، فسيُجيبك بلا تردد بأنها “عبريّة”، ولكن في الواقع فهذه كلمة ألمانية معناها قطعة صغيرة، وتستخدم في ألمانيا والنمسا للتعبير عن شرائح اللحم المقطعة وهي من أشهر الوجبات في هذه المناطق، إلا أن الإسرائيلي يتناسى ذلك ويعتبرها من وجبات العشاء الإسرائيلية الفاخرة، وقد قام موقع Buzzfeed بتقديمها للأطفال في مسابقة تذوق غريبة، وبنجاح هذه “الوجبة الألمانية الأصل” تم الترويج للأمر على أنه انتصار آخر لإسرائيل.
أخيرًا، النكتة أن أشهر الحلوى التي يأكلها اليهود وفي واحد من أقدس أعيادهم وهو عيد الحانوكا، تُسمى بالعبرية السُوفغنية وهي حلوى لذيذة جدًا، ولكنها كغيرها ليست “إسرائيلية” ولا علاقة لها بالتاريخ اليهودي، فهي حلوى ألمانية وتُسمى هناك “برلينية Berliner” نسبة إلى العاصمة الألمانية برلين وهناك حكايات كثيرة حولها في ألمانيا، إلا أنه ليس هناك أي حكاية تقول بأنها “يهوديّة” وهو ما يؤكده موقع صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلي نفسه، ولكن المؤسسة الصهيونية الرسمية ومن خلال مشاريعها الدعائية تنكر تاريخ الأشياء وأصلها، فأنكرت ولا زالت تُنكر طرد أكثر من 800 ألف فلسطيني من بلادهم وهدم أكثر من 500 قرية تمامًا كما أنها تُنكر أن الفلافل والحمص والشكشوكة أكلات فلسطينية شامية وعربية.