عـلى هامش المؤتمر العام لحزب النهضة الذي سيناقش فيه تحول الحركة إلى حزب سياسي وتخليها عن الدور الدعوي والاجتماعي، وهو القرار الذي يعتبره البعض قرارًا “فارقًا” في تاريخ الحركة، فإن هناك من يدعو إلى أن تنتهج جماعه الإخوان المسلمين في مصر نفس القرار، باعتبار أن هذا هو القرار الأقرب إلى الصواب، مع إضافتهم إلى أن تجربة حركة النهضة في تونس هي الأكثر نضجًا وبالتالي الأحق بالاقتداء.
وإذا تجاوزنا تقييم تجربة حركة النهضة التونسية خلال الـ 5 سنوات الماضية، وتجاوزنا أيضًا حالة الخلافات الداخلية داخل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فإنني أزعم أن الأقرب للصواب لجماعة الإخوان المسلمين في مصر لا أن تقتدى بحركة النهضة في تونس بأن تتحول إلى حزب سياسي، بل العكس وهو أن تتحول إلى حركة اجتماعية دعوية إصلاحية ولا تشارك في العمل الحزبي.
في البداية، لا يجب إغفال عدد من الفوارق الهامة بين حركة النهضة في تونس وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، منها أن الجماعه الأم في مصر لديها رصيد كبير من العمل المجتمعي من خلال النقابات، والعمل الخدمي من خلال الجمعيات الخيرية المختلفة، والدعوي من خلال الأنشطة والبرامج الإسلامية، هذه الأعمال استمرت لمده 4 عقود منذ التأسيس الثاني للجماعة في بداية السبعينات بلا انقطاع تقريبًا وقد أوجد لديها رصيدًا مجتمعيًا وبنيات وروابط اجتماعية لا يجب التفريط بها بسهولة، ورغم أن تقييم تجربة العمل السياسي للإخوان المسلمين في مصر – خاصة في مرحلة ما بعد الثورة – يشوبها كثير من الاختلافات والمواقف المتباينة.
لكن التجربة المجتمعية والدعوية بصفه عامة تلقى قبولاً من قطاع كبير حتى من المختلفين مع الجماعة، والجماعة ساهمت بأدوار جيدة طوال هذا التاريخ شهد بها شخصيات ورموز عامة كثيرة، في حين أن التجربة المجتمعية في تونس تعرضت للتوقف بسبب خروج قيادات الحركة من البلاد وقت حكم بن علي، مما أدى إلى ضعف النشاط المجتمعي والدعوي في تونس طوال فترة التسعينات وبداية الألفية، عامل أخير لا يجب إغفاله هنا في هذا السياق هو أن حجم الدور الدعوي والمجتمعي المتاح للإخوان المسلمين في مصر ونوعيته أكبر من حجمه ونوعه في تونس.
فرغم أن لتونس جامعه الزيتونة التاريخية التى تهتم بالعلوم الشرعية، لكن مصر بها الجامع الأزهر وجامعته، ولا يزال لهما دور مؤثر خارج مصر خاصة في البلاد الإفريقية والأسيوية – رغم ضعف هذا الدور عبر السنيين – بالمقارنة بدور جامعة الزيتونة، بل إن البعض يفسر صعود الإخوان المسلمين في مصر منذ منتصف القرن الماضي على أن الجماعة كانت تحاول أن تملأ المساحات التي فقدها الجامع الأزهر في المجتمع وأن تقوم بأدوار بديلة، فحجم المساحة المتاحة للإخوان المسلمين بمصر في المجال الدعوي/ الشرعي أكبر بكثير من حجمها في تونس، ونوعية هذا العمل ومدى تأثيره الواسع سواء داخل مصر أوخارجها لا يمكن إغفاله، والتخلي عن هذه الأدوار الدعوية/ المجتمعية سوف يكون بالتأكيد خسارة كبيرة في مجالات العمل الدعوي والمجتمعي.
الأمر الآخر، أنه رغـم أهـمية العمل الحزبي والوصول إلى السلطة التنفيذية وتحويل الشعارات والبرامج الانتخابية إلى برامج تنفيذية وأن هذا هو السبيل الحديث لإثبات جدارة الإسلاميين بالحكم، بل إنه هو السبيل الأهم لإحداث أي تغيرات حقيقية في بنية الأنظمة السياسية والاقتصادية والمجتمعية في أي دولة إلا أن الأهم للحركات الإسلامية – والذي يجب أن يكون له الأولوية عندها – هو أن تكون لديها دائمًا القواعد الاجتماعية والدعوية الثابتة والقوية.
فرهان الحركات الإسلامية دائمًا يجب أن يكون على المجتمع وليس على الدولة، فالمجتمع هو الذي يبقى حتى لو تغيرت النظم السياسية، ويمكن للمجتمع القوي أن ينتج نظامه السياسي الجيد حتى من دون وجود الإسلامين في السلطة بشكل مباشر، لكن المجتمع الضعيف لا يمكنه ذلك ويمكن أن تتلاعب الدولة بالمجتمع كيفما شاءت وفي المسار الذي تريد إذا أحست بضعفه، ثم إن البقاء في الحكم هو أمر مؤقت حتى لو طال، لكن البقاء بين الناس وفي وسط المجتمع هو الأمر الذي يجب أن يظل دائمًا ولا ينقطع وهو التحدي الأصعب في الحقيقية، لذلك فإن الخيار الاستراتيجي للحركات الإسلامية يجب أن يكون دائما المجتمع وليس الدولة.
في نفس هذا السياق وفي الحالة المصرية تحديدًا، فإن عمرو دراج – أمين حزب الحرية والعدالة في محافظة الجيزة – كان أكثر وضوحًا في طرحه بخصوص هذا الموضوع، فدعا في أحد مقالاته بتاريخ 12 مارس 2016 “مراجعات سياسية: بين الدعوي والحزبي” إلى حوار حول أن الحزب الإسلامي ذا المرجعية الإسلامية لا ينبغى أن يرتبط تنظيمًا بالجماعة، وأنه لا مانع مـن نشوء أكـثر مـن حـزب لـهم نفس المرجعية لكن ببرامج مختلفة تتنافس فيما بينها في الانتخابات دون أن يكون لأي منها ارتباط بجماعة الإخوان المسلمين، وأنه لا ينبغى لأعضاء الجماعة أن ينضموا لحزب محدد مسبقًا بل لا يشترط أن ينضموا إلى أي حزب على الإطلاق إذا أرادوا ذلك.
أما يحيى حامد – وزير الاستثمار الأسبق في حكومة هشام قنديل – فطرح مباشرة ضرورة فصل الحزبي عن الدعوي في جماعة الإخوان المسلمين في حواره المنشور في جريده الشرق القطرية يوم 8 مايو 2016 دون أن يدخل في التفاصيل، وكلاهما محسوب على التيار الذي يحاول الإصلاح من داخل التنظيم حاليًا.
اختصارًا، إذا كانت حركة النهضة في تونس قد اختارت أن تتحول إلى حزب سياسي طبقًا لقراءتهم للظروف السياسية والأوضاع المحلية وظروف الحركة في تونس، فإن الأقرب إلى الصواب لجماعة الإخوان المسلمين في مصر أن تبقى جماعه دعوية إصلاحية دون أن تنخرط في العمل الحزبي التنافسي، وسيكون السؤال الأكثر أهمية وقتها:
هل تنتظر الجماعة أن يحدث تغير في المشهد السياسي الداخلي في مصر الملئ بالقمع والاستبداد في ظل الحكم العسكري حتى تعلن ذلك أم تكون هي المبادرة باتخاذ هذه الخطوة – رغم الظروف الداخلية الحالية الصعبة – حتى تتيح لنفسها وللفاعلين السياسين المعارضين للانقلاب العسكري حولها حرية حركة أكبر؟