جاء مصطلح “السياسيين السنّة” مع الواقع الجديد الذي فُرض على العراق مع مجيء الاحتلال الأمريكي سنة 2003، ومعه تمايزت الطبقات السياسية العراقية إلى سياسيين ينتمون لمرجعياتهم الطائفية أو القومية أو غيرها من الانتماءات التي تشكل تركيبة المجتمع العراقي، وعلى هذا فقد تصدّرت بعض الأحزاب والشخصيات السياسية، للمشهد السياسي الجديد كممثلين للمكون السنّي.
وحديثنا عن هؤلاء للفترة ما بعد سنة 2003 وحتى الآن؛ كيف اشتركوا بالعملية السياسية الجديدة؟ وماذا قدموا خلال الدورات الثلاث الانتخابية التي شهدتها السنوات الثلاث عشرة الأخيرة؟ وما هو مستقبلهم في ظل حكومة مُسيطر عليها بإحكام من قبل مكون واحد؟
تم إدارة العراق في بداية احتلاله وحتى كتابة الدستور، من قبل بول برايمر رئيس الإدارة الأمريكية في العراق، وأشرف هذا الرجل على إعادة تعريف مصطلحات مهمة تخص الشعب العراقي، فقام بتحديد نسب الطوائف والقوميات فيه، وأعاد تركيب الدولة العراقية من جديد، على أُسس طائفية وعرقية، بعد أن حلَّ معظم المؤسسات الفاعلة في الدولة العراقية وأهم ما فيها مؤسسة الجيش.
ودعا السياسيين العراقيين والذين كانوا معارضين للحكم السابق، بعقد جلساتهم لتشكيل مجلس حكم مؤلف من جميع مكونات العراق، وبالنسب التي وضعتها لهم الإدارة الأمريكية، كان عدد الأعضاء العرب السنّة في هذا المجلس، هو خمسة أعضاء تماشيًا مع النسب التي أعطتها أمريكا لهم والمتمثلة بـ 20% من الشعب العراقي.
كان من أهم التنازلات التي قدمها السنّة في بداية طريقهم للانخراط بالعملية السياسية، هي الرضا بهذه النسبة المجحفة في هذا النظام الطائفي الجديد، على الرغم من اعتراضنا أصلاً على تقسيم الشعب العراقي إلى طوائف وأقليات عرقية ودينية بغض النظر عن نسبتها بالمجتمع العراقي
كان من أبرز الكيانات السياسية السنيّة التي شاركت بالعملية السياسية الجديدة، هو الحزب الإسلامي العراقي بالإضافة إلى شخصيات سنية أخرى ليس لها تنظيمات حزبية، بل هي شخصيات سنية إما عشائرية مثل غازي عجيل الياور، أو شخصيات كان لها دور في العمل السياسي في عهد الملكية العراقية مثل نصير الجادرجي، عدنان الباجه جي، أو بعض رجال الأعمال مثل سمير شاكر الصميدعي.
وبالتالي فإن القوة السياسية الوحيدة التي كانت منظمة تنظيمًا جيدًا قادر على تعبئة الجماهير هو الحزب الإسلامي العراقي، وهو حزب اعتمد في أيدولوجيته في العمل، على المنهج الوسطي لفكر الإخوان المسلمين بالرغم من أن هذا الحزب لا تربطه بجماعة الإخوان المسلمين رابطة تنظيمية واضحة.
مثَّل هذا الحزب في مجلس الحكم المفكر الإسلامي الدكتور محسن عبد الحميد والذي لم يستطيع أن يفعل شيئًا وهو محاط بحيتان جاءت مع الاحتلال وتربت في دهاليزه المظلمة، الأمر الذي جعل الحزب الإسلامي يغيره بشخصية أقوى وقادرة على التنافس مع مثل هؤلاء، ويحاول الحفاظ على حقوق أهل السنّة، فتم استبداله في خضم تحضيراتهم لانتخابات سنة 2005، بشخصية طارق الهاشمي، وهو شخصية عسكرية سابقة، تمتاز ببعض الكاريزمية التي مكنت الحزب أن يحصد أصواتًا لا بأس بها في تلك الانتخابات، على الرغم من امتناع كثير من الجهات السياسية السنيّة المشاركة أو الدعوة للمشاركة في العملية السياسية، مثل هيئة علماء المسلمين، وفصائل المقاومة التي كانت تقارع المحتل الأمريكي، والتي كان لها رأي رافض للعملية السياسية برمتها تحت راية المحتل، الأمر الذي جعل شرائح واسعة من السنّة تقاطع الانتخابات وتقلل بذلك نسبة تمثيل السنة في البرلمان والحكومة.
اضطر الحزب الإسلامي للتحالف مع شخصيات سنية عديدة لتوحيد صف السنّة بمواجهة التنافس الشرس الذي قامت به الأحزاب والتيارات الشيعية للاستئثار بالمناصب العليا في الدولة العراقية الجديدة، مما جعل كثير من الشخصيات السنيّة الانتهازية، والتي ليس لها رصيد شعبي، ترتقي في العملية السياسية على أكتاف الحزب الإسلامي.
لم يستطع الحزب الإسلامي طيلة فترة اشتراكه في العملية السياسية، أن يقدم خدمات حقيقية للسنّة بسبب التهميش الذي مورس عليه، في الوقت الذي بدأت الأحزاب الشيعية ممارسة سياسة التميز الطائفي بحق السنّة وتهميشهم، مستفيدةً من مؤسسة الجيش وقوى الأمن الداخلي اللتان أُعيد تشكيلهما من جديد من خلال ضم المليشيات الشيعة إليهما والتي كانت في إيران، لتكون عماد هذا الجيش.
هذا الأمر قلل من شعبية الحزب الإسلامي كثيرًا، أضافة إلى أن بعض الشخصيات التي مارست العمل السياسي من أفراد الحزب الإسلامي وغير الحزب الإسلامي، بالإضافة إلى شبهات الفساد التي طالت بعضهم والتي لم تكن معهودة بالمجتمع العراقي بهذه الدرجة السيئة من قبل، ودخلوا في عملية منافسة مع الأحزاب الشيعية في الاستحواذ على الأموال العامة التي تخص الشعب العراقي.
فقلل هذا كثيرًا من شعبيتهم لصالح أطراف سنية أخرى بل وحتى أطراف شيعية، مثل أياد علاوي الذي كان يدعي أنه رجل فوق الطائفية، هذا الأمر جعل أصوات السنّة تتشتت بين الفئات السياسية المختلفة، وافتقروا لوجود تمثيل سياسي قوي يدافع عن مصالحهم، على عكس الأحزاب الشيعية التي على الرغم من الفساد المستشري بينها والذي فاق كل تصور، إلا إنها كانت تجيد عملية التحشيد الطائفي في كل عملية انتخابية، وتقوم بتخويف ناخبيهم من الخطر السني عليهم، وفي كل مرة كان فقراء وبسطاء الشيعة يعطون أصواتهم لتلك الأحزاب.
وصل الحال بالشخصيات السنيّة من غير الحزب الإسلامي أن ترتمي بأحضان الأحزاب الشيعية، بسبب فقدانها كل رصيد شعبي من داخل مكونها السنّي، واستفادت الأحزاب الشيعية من هؤلاء، لإظهارهم كواجهة تمثل السنّة بالعراق، وردًا على اتهامهم بالاستئثار بحكم بالعراق وحدهم.
أما الحزب الإسلامي فلم يبق له بالعملية السياسية ممثلين له جديرين بالذكر سوى شخصية الجبوري والذي تم ترشيحه لمنصب رئيس البرلمان لأن الأطراف الشيعية لم تجد من السياسين السنّة أفضل منه للتعامل معه بشكل سلس، وهو بذلك يتوجب عليه تقديم المزيد والمزيد من التنازلات لصالح تلك الأحزاب.
والآن نتساءل، ماذا قدم الساسة السنّة للذين أعطوهم أصواتهم؟ وما القيمة التي ترجى من بقائهم داخل هذه العملية السياسية والتي توشك أن تنهار؟
لقد أعطوا الشرعية لهذه الحكومة بانخراطهم داخل هذه العملية السياسية وبنفس الوقت لم يحظ السنّة بأي فائدة منها، سوى عمليات التطهير الديمغرافي التي تمارس ضدهم، ولو أنهم تركوا العمل السياسي مبكرًا، وبالوقت الذي وجدوا أنفسهم مهمشين ويتم استغلال تواجدهم بالعملية السياسية للحصول على الشرعية، لكان بإمكانهم أن يسقطوا العمل السياسي بالعراق وإعادته مرة أخرى وفق أسس وطنية.
إن مستقبل السياسيين السنّة في الدولة العراقية إذا ما أصروا على البقاء فيها، سوف لا يكون أكثر من تمثيل شكلي للسنّة بالعراق، ليس لديهم دور حقيقي بإدارة دفة السياسة العراقية، وينفذون ما يؤمرون به.