ترجمة وتحرير نون بوست
في خضم مفاوضات السلام بين الحكومة السورية لبشار الأسد، والمعارضة المسلحة التي تسعى للإطاحة به وبحزبه، حزب البعث العربي الإشتراكي، ترأس الوفد المعارض للحكومة المدعو محمد علوش، وهو قيادي في الفصيل المعارض الذي تدعمه السعودية المسمى بـ”جيش الإسلام”.
أبدت روسيا والحكومة السورية اعتراضهما على تمثيل فصيل علوش في محادثات جنيف، لأنها تنظر إلى الفصيل باعتباره أحد الفصائل الجهادية السلفية، أو نسخة مخففة من تنظيم القاعدة، وتعتبر أعضاءه إرهابيين أكثر من كونهم ثورًا، ولكن الولايات المتحدة وحلفائها، وخاصة المملكة العربية السعودية، أصرّوا على بقاء علوش، ليس كعضو ضمن الوفد المعارض فقط، بل كرئيس له أيضًا.
انخرط جيش الإسلام خلال الشهر الماضي بمعارك شرسة، ولكن سلاحه لم يكن موجهًا ضد قوات الحكومة السورية التابعة للأسد، بل بدلًا من ذلك، حاربت قوات علوش ضمن الضاحية الشرقية لدمشق، المعروفة باسم الغوطة الشرقية، جماعة مسلحة معارضة أخرى، كانت من حلفاء جيش الإسلام السابقين ولكنها تحالفت اليوم مع ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، جبهة النصرة، وأسفرت هذه المعارك حتى الآن عن مقتل نحو 300 شخصًا، والجدير بالذكر بأن أحدًا من طرفي حرب الغوطة المصغرة لا يسعى أو يؤمن بإحلال الديمقراطية أو إتاحة الحقوق المتساوية أمام جميع المواطنين، وهنا يتبادر السؤال إلى أذهاننا، لماذا تصطف إدارة أوباما مع المملكة العربية السعودية في شرعنة جيش الإسلام؟
ما تبقى من الجيش السوري الحر، الذي كان ناشطًا في السابق ضمن المنطقة، هو بضع مجموعات مسلحة من الأصوليين، بعض عناصر الإخوان المسلمين الأكثر اعتدالًا، وبعض المجموعات الأخرى التي تحمل مخططات لنظام سلفي متزمت لا مجال ضمنه للعلمانيين وللأقليات الدينية أو للديمقراطية .
ينتمي نحو 35% إلى 40% من السوريين إلى الأقليات العرقية أو الدينية، وأغلبية السكان السنية المتبقين يمكن تقسيمهم ما بين مجموعة علمانية صغيرة وأخرى متدينة، ومن هذا المنطلق، فإن تنفيذ حلم الرياض بتطبيق الإسلام السعودي الوهابي في دمشق لا يمكن تحقيقه بالتأكيد ضمن سوريا.
طرفا حرب الغوطة المصغرة، جيش الإسلام وفيلق الرحمن، لا يسعيان أو يؤمنان بإحلال الديمقراطية أو إتاحة الحقوق المتساوية أمام جميع المواطنين، فلماذا تصطف إدارة أوباما مع المملكة العربية السعودية في شرعنة جيش الإسلام؟
في الوقت عينه، تم استبعاد الأكراد اليساريين الذين ينشطون في مناطق الشمال الشرقي السوري، ويعتبرون من أكثر القوات القتالية قوة وكفاءة بمواجهة تنظيم داعش، من مفاوضات جنيف، وذلك امتثالًا لإصرار تركيا على استبعادهم.
تمتع جيش الإسلام التابع لعلوش مسبقًا بتحالف مع جماعة أحرار الشام، وهي جماعة جهادية سلفية قوية ناشطة في شمال البلاد، وبالمقابل، تتمتع جماعة أحرار الشام بتحالف مع جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة السوري.
انفصل العديد من عناصر الجيش السوري الحر السابقين لينضموا إما لتنظيم القاعدة أو لتنظيم داعش، ومع ذلك كانت الولايات المتحدة مصرّة على الاستمرار في دعم ما تبقى من عناصر الجيش السوري الحر، على الرغم من أن العديد من فصائله تخلت عن مطلب الديمقراطية، تعهدت بالانتقام من الشيعة وغيرهم من الأقليات في سوريا، أو أصرّت على تخطيطها لفرض رؤية أصولية للشريعة الإسلامية على المكوّن الشعبي برمته، وبالمقابل تقول وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) بأنها “دققت” أكثر من 30 فصيلًا من هذه الجماعات المسلحة لتتأكد من عدم تمتعها بأي علاقات مع تنظيم القاعدة، لتعمل بعد ذلك إلى تمرير الأسلحة إلى أولئك المقاتلين، من خلال المملكة العربية السعودية، بما في ذلك صواريخ التاو المضادة للدبابات.
تكمن المشكلة هنا بأن هذه المجموعات التي تم “فحصها” أو “تدقيقها” تظهر في كل مرة ضمن ساحة المعركة كحليف على الأرض لتنظيم القاعدة في سوريا؛ فمثلًا إحدى المجموعات التي دققتها وكالة المخابرات الأمريكية، واستعملت مسبقًا ضمن حروبها صواريخ التاو الأمريكية، هي فيلق الرحمن، الذي يتمتع بمركز قوي في شرقي الغوطة، وفي العام الماضي، كان يتشارك غرفة عمليات مع جيش الإسلام، ولكن في الشهر الماضي، انقلب فيلق الرحمن، وأعلن انضمامه لتنظيم القاعدة، وبدأ بمهاجمة جيش الإسلام التابع لعلوش.
إذن الموقف الآن كالتالي: الفصيل التابع لرئيس الوفد المعارض المفاوض في جنيف محاصر اليوم من قِبل أحد الفصائل الذي كان يتبع له، والمدعوم من الولايات المتحدة، ومن المرجح بأن هذا الفصيل الأخير استخدام الأسلحة المقدمة من وكالة المخابرات المركزية ضد جيش علوش، وذلك رغم تحالف فيلق الرحمن بالمعركة مع تنظيم القاعدة.
ضمن الغوطة الشرقية، يحارب فيلق الرحمن، حليف جبهة النصرة، وغرفة عمليات جيش الفسطاط، التي يقودها تنظيم القاعدة، ضد جيش الإسلام، حيث ازدادت وتيرة المعارك ما بين الفصيلين الأصوليين ليلة السبت، ولكن المعركة كانت بالأساس مستعرة على مدار العشرين يومًا السابقة، حيث أسفرت عن مقتل 300 شخصًا معظمهم من عناصر جيش الإسلام والقاعدة، والعشرات منهم تابعين لفيلق الرحمن، كما وردت أنباء عن أن دعاة جبهة النصرة يحرّضون اليوم على قتل أفراد جيش الإسلام.
تم ابتدار المعركة ما بين فيلق الرحمن وجيش الإسلام في أواخر أبريل المنصرم، عندما هاجم الأخير مواقع جيش الإسلام في المناطق الوسطى من الغوطة، واقتاد 400 عنصرًا منهم إلى الأسر، ونزع سلاحهم، حيث زعم أحد الصحفيين المستقلين في سوريا بأن الهجوم حينها على مواقع جيش الإسلام كانت منسقًا ما بين فيلق الرحمن وجبهة النصرة.
جيش الإسلام لا يجب أن يمثّل وفد المعارضة كمفاوض رئيسي في جنيف، كما يجب إدخال الأكراد اليساريين في نطاق المفاوضات إذا كنا نرغب حقًا بأن يبقى الشمال الشرقي جزءًا من سوريا في المستقبل
عمدت جبهة النصرة، جنبًا إلى جنب مع حليفها الآخر، فصيل أحرار الشام، إلى مهاجمة جزء آخر في سوريا يوم الخميس المنصرم، حيث وقع الهجوم على قرية الزارة الشيعية العلوية في جنوب حماة، وتم اتهام عناصر المعارضة هناك بارتكاب مذبحة بـ19 مدنيًا على الأقل والتمثيل بجثث قتلى العلويين الذين يدعم معظمهم حكومة الأسد.
زعم سكان قرية الزارة بأن عناصر المعارضة قاموا بغزو وذبح ضحاياهم ضمن منازلهم، وأن من بين القتلى أطفال ونساء ومسنين، ولكن بالمقابل، نفى أحرار سوريا استهداف المدنيين في الزارة، وادعوا بأن جميع من تم قتلهم كانوا يحملون السلاح ويقاتلون عناصرهم.
الجدير بالذكر هنا بأن العلويين يشكلون حوالي 10% إلى 14% من سكان سوريا، كما أن جيش الإسلام التابع لمحمد علوش، كبير المفاوضين في جنيف، متحالف مع أحرار الشام، فضلًا عن أن عائلة علوش مشهورة بنقدها اللاذع ضد المكون الشيعي في سوريا، وهو ما يطرح التساؤلات حقًا حول توجهات أمريكا في دعم فصيل جيش الإسلام.
أخيرًا، لا يمكننا أن ننكر بأن نظام الأسد مذنب بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وبأن العديد من المجموعات التي حملت السلاح ضده أطلقت النار بدافع رغبتها بتأسيس مجتمع أكثر عدلًا، ولكن العديد من الأصدقاء المفترضين للولايات المتحدة في صفوف المعارضة السورية يمتلكون أيديولوجيات بغيضة، حلفاء مجرمين، أو هم أنفسهم متهمين بارتكاب جرائم حرب؛ لذا ينبغي على واشنطن وقف تسليح هذه المجموعات إذا كان ترغب بالوصول في أي وقت لتحقيق السلام في سوريا، فضلًا عن حاجتها للضغط على السعودية لوقف محاولة دفع سوريا إلى أقصى اليمين؛ فالأسلحة المرسلة عبر السعودية نيابة عن واشنطن غالبًا ما تشق طريقها لتقع في أيدي تنظيم القاعدة أو تنظيم داعش.
جيش الإسلام لا يجب أن يمثّل وفد المعارضة كمفاوض رئيسي في جنيف، كما يجب إدخال الأكراد اليساريين في نطاق المفاوضات إذا كنا نرغب حقًا بأن يبقى الشمال الشرقي جزءًا من سوريا في المستقبل.
المصدر: ذا نيشين