ربيع أمريكا اللاتينية على شاكلة الربيع العربي بدأ بعد النجاح الذي حققته المعارضة البرازيلية في حجب الثقة عن الرئيسة ديلما روسيف، ويبدو أن المعارضة الفنزويلية تلقفت الكرة من جارتها البرازيل ليحين الدور على نيكولاس مادورو، فهل تنجح المعارضة الفنزويلية في خضم إشارات كثيرة لانطلاق “ثورة الجياع” بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية في البلاد وانتشار الفقر ونقص الأدوية والغذاء، فضلاً عن انتشار الفساد والجريمة بشكل كبير.
لم يمض وقت كثير منذ خروج الشعب البرازيلي بمظاهرات مليونية في أكثر من 200 مدينة يهتفون “الاستقالة الآن” و”ديلما للخارج” ضد حكومة الرئيسة ديلما روسيف المتهمة بانتهاك القواعد المالية لتغطية عجز الموازنة المالية واتهامات بالتلاعب بحسابات مالية عامة وقضايا أخرى متعلقة بالفساد تقودها المعارضة اليمينية، حتى تسارعت الأحداث وقرر مجلس النواب البرازيلي حجب الثقة عن الرئيسة وتعيين نائبها ميشال تيرمر لتسيير شؤون البلاد، فهل تشابه التجربة الفنزويلية القادمة التجربة البرازيلية في الانتقال السياسي؟
فنزويلا تتلقف الكرة وتغلي على صفيح ساخن
تمر فنزويلا بوضع أكثر حدة وصعوبة من الوضع في البرازيل؛ فهي تشهد أزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية لم تر مثلها منذ زمن بعيد وتمر بأسوأ فترة لها في تاريخها، وينقسم الفنزويليون بين مؤيد لمادورو ومعارض له، وهناك مطالبات شعبية لعمل استفتاء للإطاحة بالرئيس، وعمدت المعارضة اليمنية إلى جمع مليوني صوت مطلع الشهر الجاري لبدء إجراءات تقضي باستفتاء نهاية العام الجاري لإقالة الرئيس.
وكان مادورو في يوم الجمعة 13 مايو/ أيار أعلن حالة الطوارئ في البلاد لمدة 60 يومًا، واتهم في كلمة متلفزة واشنطن أنها تتعاون مع معارضة “اليمين الفاشي” الفنزويلي ليفعلوا نفس “الانقلاب” الذي حدث في البرازيل، واتهمها بأنها تريد إنهاء التيارات التقدمية في أمريكا اللاتينية، علمًا أن البيت الأبيض عبر يوم أمس الإثنين عن قلقه إزاء الوضع السياسي في فنزويلا ودعا الرئيس إلى التحاور مع معارضيه.
وفي تصريح نُسب لمسؤولين في المخابرات الأمريكية يوم الجمعة الماضي لصحفيين؛ أبديا فيه أن الولايات المتحدة تشعر بقلق متزايد من احتمال حدوث انهيار اقتصادي وسياسي في فنزويلا، وتوقعا ألّا يكمل مادورو فترة رئاسته، والجدير بالذكر أن العلاقة بين الولايات المتحدة وفنزويلا تشهد توترًا منذ سنوات لاسيما في أعقاب دعم الولايات المتحدة لانقلاب عام 2002 ضد الرئيس تشافيز.
وبعد يوم من إعلان حالة الطوارئ أصدر مادورو أوامره بإجراء “مناورات عسكرية” لمواجهة ما أسماه بـ “التهديدات الخارجية” وأرجع سبب الأزمة الاقتصادية في البلاد إلى العدوان الأجنبي الذي تتعرض له البلاد والذي أصابها بالشلل على حد وصفه، وسيقوم البرلمان اليوم الثلاثاء بمناقشة قرار الحكومة لتعزيز صلاحياتها الأمنية وتمديد حالة الطوارئ في البلاد، وقال النائب ستالين غونزاليس من تحالف طاولة الوحدة الديمقراطية في مؤتمر صحافي “سنُبقي الضغط بشكل منظم وسلمي عبر المطالبة بما ينص عليه الدستور”.
وكان آلاف المواطنين تظاهروا في كراكاس ومدن أخرى في فنزويلا تلبية لدعوة المعارضة للمطالبة بإجراء استفتاء لإقالة مادورو وتوجهوا نحو مقرات المجلس الوطني الانتخابي، وأطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المظاهرات، وعمد المتظاهرون إلى مهاجمة المحال التجارية في العاصمة ونهب الأغذية والمشروبات بذريعة أن “أبناءهم يموتون من الجوع من انعدام الأغذية والأدوية ولا يوجد كهرباء ولا ماء في البيوت ولا يملكون المال لشراء ضرورات الحياة الأساسية”.
حالة الطوارئ الاقتصادية
الاقتصاد الفنزويلي يعتمد على الاشتراكية في إدارة موارد البلاد، رسخها الرئيس السابق هوغو تشافيز منذ 1999 وحتى 2013، ومنذ قدوم الرئيس اليساري مادورو إلى السلطة عام 2013 تعهد لشعبه بتجذير الثورة الاشتراكية التي قام بها تشافيز.
ويرى المواطنون أن بلدهم على الرغم من أنها تعوم على بحر من الثروات وهي عضو في منظمة أوبك تصدر يوميًا قرابة 3 مليون برميل يوميًا وتضاهي احتياطياتها النفطية الاحتياطيات الموجودة في السعودية، لا يزدادون إلا فقرًا وجوعًا كل عام، فضلًا أن المؤشرات الاقتصادية تتقلص لتعلن عن تراجع في معدلات النمو وانكماش في الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع كبير ومطّرد في معدل التضخم وانخفاض في قيمة العملة الوطنية البوليفار، وتحمل المعارضة اليمينية سياسات مادورو الاقتصادية وإصراره عليه السبب في حدوث كل هذا وأنها تقود البلاد نحو الهاوية.
مادورو استهتر بمؤشرات الاقتصاد المتدنية ولم يلق بالاً خلال فترة حكمه لتحرير الاقتصاد من القيود الصارمة التي تقيده ومن المرض الخطير الذي تعيشه الميزانية؛ إذ تعتمد على إيرادات النفط بمعدل 98% والكارثة حدثت بعد انهيار أسعار النفط في منتصف 2014 إلى مستويات 30 دولارًا للبرميل، إذ تأثر الاقتصاد الفنزويلي كثيرًا وباتت البلاد تعيش أزمة اقتصادية حقيقية أدت لتفشي الجوع والفقر والمرض والفساد والجريمة والحكومة تعيش حالة من الإفلاس منذ أكثر من عام وتعجز عن توفير متطلبات الحياة الضرورية؛ ما أدى لفرض حالة الطوارئ الاقتصادية في البلاد منذ منتصف كانون الثاني/ يناير وقام مادورو بتمديدها مجددًا لمدة ثلاثة أشهر إضافية بدءًا من الشهر الجاري، وأصدر أوامره للسلطات بوضع يدها على المصانع التي توقفت عن الإنتاج وسجن ملاكها، وقال”سنتخذ كل الخطوات كي يستعيد الاقتصاد عافيته بعد أن أصابه البرجوازيون بالشلل.”
وسبق هذا أيضًا مرسومًا في شهر أبريل/ نيسان باعتبار يوم الجمعة عطلة رسمية في البلاد إلى جانب السبت والأحد وبالتالي تقليص أيام العمل إلى أربعة أيام في مسعى منه لتوفير الطاقة في الدولة التي تشهد انقطاعًا متكررًا في الكهرباء وقامت الحكومة كذلك بتقديم الساعة لتوفير الطاقة الكهربائية.
وترى المعارضة سياسات مادورو وإجراءاته متهورة ولن تفيد في مواجهة الكساد الشديد، أما قانون الطوارئ الاقتصادية فهو تمهيد لعمليات تأميم جديدة للمصانع والمعامل، إذ يجيز القانون للحكومة أن تضع يدها على ممتلكات القطاع الخاص لضمان توفير المواد الأساسية للمواطنين.
الحكومة تقاوم الإفلاس والاشتراكية في فنزويلا إلى زوال
تدفع فنزويلا ثمن السياسات الاقتصادية الخاطئة التي اعتمدتها خلال السنوات الماضية، وبحسب التقارير الاقتصادية، فإن السياسة الاشتراكية شارفت على نهايتها وأن فنزويلا ستكون خلال عامين من الآن بحكم المفلسة.
إذ بدأت الحكومة الفنزويلية منذ شهر شباط/ فبراير الماضي القيام بإجراءات لتلافي الوقوع في الإفلاس أبرزها رهن كميات كبيرة من احتياطياتها الذهبية للحصول على قروض من بنوك عالمية، حيث قالت مصادر إنه تم نقل 36 طنًا من الذهب إلى سويسرا خلال شهر يناير/ كانون الثاني الماضي.
الجدير بالذكر أن احتياطيات فنزويلا من الذهب تقدر بحوالي 302 طن من الذهب حتى شهر أبريل/ نيسان من العام الماضي، علمًا أنها كانت تقدر بـ 366 طنًا من الذهب حتى فبراير/ شباط عام 2012 من بينها 316 طنًا مخزنة لدى البنك المركزي الفنزويلي في العاصمة كراكاس و50 طنًا مخزنة في لندن لدى بنك إنجلترا المركزي.
وكانت الحكومة الفنزويلية اضطرت في ديسمبر كانون الأول الماضي إلى استئجار 36 طائرة من طراز إير باص لإحضار أوراق العملة الفنزويلية البوليفار من مطابع في سويسرا وبريطانيا وفرنسا، وهي إشارة إلى تراجع قيمة البوليفار كثيرًا وأن المواطن بات يحتاج إلى حقيبة لحمل العملة لشراء حاجياته.
كما أن شركة النفط الوطنية الفنزويلية ذراع الحكومة لإنتاج وتكرير النفط في البلاد تدين بديون ضخمة تصل قيمتها إلى 46 مليار دولار فضلًا عن ديون تجارية تصل إلى 35 مليار دولار، وهذا يصعب من مهمة الحكومة لإنقاذ الشركة وخدمة ديونها في أوقاتها المستحقة في ظل ما تعانيه من شح في إيرادات النفط المورد الأساسي للحكومة، وبحسب الحكومة فإن خزانات المياه البالغ عددها 18 في البلاد تعاني من الجفاف بسبب الظواهر المناخية الحادة التي تعرضت لها البلاد في الفترة الأخيرة، بالتالي فإن توفير المتطلبات الأسياسية للشعب بالنسبة للحكومة ستكون عسيرة.
وبحسب تقرير صادر عن مصرف باركليز البريطاني في يناير/ كانون الثاني الماضي، فإن فنزويلا تخطت مرحلة الإنقاذ وأن الإفلاس بات أمرًا حتميًا، وأن البلاد لن تتمكن من خدمة ديونها خلال العام الجاري.
المؤشرات الاقتصادية تتكلم!
نشر المصرف المركزي الفنزويلي في منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي أرقامًا تفيد أن معدل التضخم بلغ 144% مقارنة بآخر أرقامه المنشورة في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2014 والتي قدر فيها حجم التضخم بحوالي 68.5%.
بينما تشير تقديرات صندوق النقد الدولي في منتصف ديسمبر/ كانون الأول أن التضخم في فنزويلا سيبلغ 750% خلال العام الجاري من مستوياته الحالية البالغة 275% أي أن الأسعار ستتضاعف بحدود 8 مرات بنهاية العام الحالي من مستوياتها الحالية.
وتعد مستويات التضخم في فنزويلا هي الأعلى في العالم، وإذا بقي الأمر على ما هو عليه فإن التضخم في المستقبل سيرتفع ليلامس مستويات غير مسبوقة تصل إلى 1500% في عام 2017 حسب بلومبيرغ.
كما أن دخل الفرد انخفض إلى أكثر من 300% بين عام 2013 وعام 2015، أي أنه انخفض من حوالى 12 ألف دولار في السنة إلى أكثر قليلاً من 4 آلاف دولار بحساب القيمة الشرائية، ويلقي المصرف المركزي الفنزويلي باللوم على تجار العملة في السوق السوداء، حيث يقول في تقريره الأخير إن 60% من الزيادة في التضخم تعود إلى تجار العملة، الذين يضاربون على العملة الفنزويلية مقابل الدولار.
وهبطت قيمة البوليفار في السوق السوداء إلى مستويات منخفضة جدًا وبحسب وكالة بلومبيرغ الاقتصادية أشارت في تقرير سابق أن البوليفار هبط بمقدار 97% منذ استلام مادورو رئاسة البلاد، حيث يتوفر في الأسواق الفنزويلية سعر الحكومة الرسمي وسعر السوق السوداء ويتضاعف سعر صرف الدولار في السوق السوداء بمعدل 150مرة عن أسعار الصرف الأخرى الموجودة في السوق.
وبحسب صندوق النقد الدولي فإن معدل الانكماش الأعلى في العالم يعود لفنزويلا إذ بلغ حوالي 10% في العام الماضي بينما بلغ أعلى معدل نمو في العالم لإثيوبيا إذ بلغ 8.7%.