ترجمة وتحرير نون بوست
بائعات شقروات يبتسمن في وجهك وهن يعرضن عليك أحدث القذائف الصاروخية، أمريكيون يرتدون بزات منمقة يقدمون الدروس لمدة 30 دقيقة حول الأسلحة المضادة للدبابات، وأوكرانيون يعرضون دبابات من إنتاجهم على بعد لا يتجاوز الـ50 مترًا من مكان بيع الرؤوس الحربية الروسية المخصصة لتدمير تلك الدبابات ذاتها.
قضاء يوم في معرض للأسلحة بالنسبة لأي شخص ليس عضوًا ضمن قطاع صناعة الدفاع، سيكون ربما أكثر تجربة سريالية يمكن أن يمر بها ضمن تجارب حياته؛ فهناك يصطدم الاعتيادي باللاعتيادي، فضمن فسحة البيع الكبيرة والودية ينتهي وقوفك أمام أحد الأجنحة بعبارة “يمكنك أن تجد جميع القنابل على موقعنا في شبكة الإنترنت”، أو قد تزور أجنحة جميلة تقدم لك الحلويات ودرسًا تعليميًا سريعًا عن الرؤوس الحرارية الفعالة للغاية ضد كل من التحصينات والقوى العاملة البشرية!
ستطوف ضمن جناح روسيا لبيع أحدث ترسانات الأسلحة، ومن ثم وعلى بعد بضع عشرات الخطوات ستلتقي بالجناح الأوكراني، كما ستشاهد الجناح التركي أيضًا على مسافة قريبة من النموذج اللامع لطائرة السوخوي SU-32 الروسية.
ولكن لا تستغرب، فلسان حال الجميع هناك يقول “ملعونة هي السياسة، الأموال فقط من تتكلم هنا”!
الجناح الأوكراني في معرض سوفكس على بعد “قنبلة يدوية” من جناح روسيا.
الحق يقال، هناك فعلًا الكثير من المال ضمن المعرض والمؤتمر الـ11 لقوات العمليات الخاصة، اختصارًا سوفكس، والذي عقد في عمان الأسبوع الماضي تحت شعار “الشبكات للأمن العالمي”، حيث تضمن المعرض وفودًا رسمية، ضيوفًا، وعارضين من جميع أنحاء العالم بلغ عددهم 380 شركة من 37 دولة، كما اشترك أكثر من 750 مندوبًا في مؤتمر لقادة العمليات الخاصة.
الجدير بالذكر بأن اللاعبين الإقليميين الذين لم تتم دعوتهم إلى المؤتمر هم إيران وإسرائيل، ولأول مرة، سوريا، وذلك تماشيًا مع المناورات الدبلوماسية الحساسة التي تنتهجها الأردن من الأزمة السورية، ولكن في حين لم تُدعى حكومة الرئيس السوري بشار الأسد إلى المؤتمر، حضر بعض من مقدمي الأسلحة الأساسيين للمعارضة السورية، كالولايات المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية، كما كانت صواريخ التاو المضادة للدبابات، السلاح الأكثر فعالية الممنوح لقوات المعارضة السورية، حاضرًا بقوة في المعرض.
أكبر البائعين
“صاروخ التاو هو أكبر لاعب في السوق الدولية، صاروخ أرض أرض، يمكنه استهداف أي شيء على أرض المعركة”، قال أحد الأميركيين الوسيمين الذي يحرسون السلاح المعروض، والذي لا يتمتع، مثله كمعظم الأشخاص العاملين في سوفكس، بالإذن للتحدث بشكل رسمي.
نظام صاروخ التاو هو صاروخ ينطلق من حامل إسطواني، موجه سلكيًا، ويتضمن نظام تعقب بصري، وعن قرب، يبدو النظام وحشًا حقيقيًا، حيث يزن حوالي 190كغ بعتاده الكامل، وأثقل وحدة ضمنه يبلغ وزنها 22.5 كغ بشكل منفرد.
الإصدار الأخير من نظام الصواريخ، والذي لم يدخل بعد إلى ميادين القتال السورية، مزود بنظام رؤية ليلية، وقدرات على العمل في جميع الأحوال الجوية، فضلًا عن تحسينات على نظام التوجيه الإلكتروني، وبميزاته الرائعة، استقطب نظام صاروخ التاو إعجاب أغلب الضيوف والمختصين في معرض سوفكس.
“إذا كان هنالك سيارة تتحرك، فكيف يقوم الصاروخ باستهدافها؟”، سأل أحد المارة بجناح صاروخ التاو، “يمكن تعقبها حتى الاستهداف”، قال البائع المتمترس وراء نظام التاو، والذي أوضح بأن هذا السلاح استخدم في سوريا لتحقيق إصابات مثيرة للإعجاب على أهداف أرضية، معظمها داخل حدود الـ1 كم من إطلاقه، على الرغم من أن الأسلاك التي تأتي ملحقة بالصواريخ الأكثر انتشارًا في سوريا يبلغ طولها حوالي 3750 مترًا.
“عليك أن تشاهد مقاطع الفيديو التي تظهر عمل الصاروخ على موقع اليوتيوب”، قال البائع، وأضاف: “يقومون بإعداد نظام الأسلحة ويطلقونه على طائرة هليكوبتر، ويستطيعون إصابتها بشكل مباشر، إنهم أعضاء من المعارضة، كما أعتقد”.
يعترف الرجال الذين يتواجدون في مكان عرض صواريخ التاو ضمن المعرض بشكل صريح بعدم تأكدهم بالضبط من الجهة المسؤولة عن إرسال نظام الصورايخ إلى سوريا، ولكنهم يوضحون بأن العدد الهائل من هذه الصواريخ الموجودة ضمن مستودعات الولايات المتحدة يوحي بأن المنتج مهيأ للتصدير من خلال برنامج المبيعات العسكرية الخارجية، حيث عادة ما يتم إقران النظام بالصواريخ التي يتم تصنيعها من قبل شركة رايثيون الأمريكية.
https://youtu.be/SafbHPQqL6Y
رايثيون هي الشركة المسؤولة عن بناء غالبية تحصينات الحدود البالغة طولها 287 ميلًا ما بين الأردن وحدود سوريا والعراق؛ ففي أكتوبر من عام 2015، مُنحت الشركة عقدًا تبلغ قيمته 18.6 مليون دولار لتوسيع عملها على الحدود الأردنية السورية، كما وقعت وزارة الدفاع الأردنية في الأسبوع الماضي اتفاقًا مع وزارة الدفاع الأمريكية للحصول على صواريخ تاو رايثيون.
يمكن رؤية هذه العلاقات المنبثقة في جميع أنحاء معرض سوفكس، حيث يوفر المعرض طريقة لعرض الصورة الأكبر لإبرام الصفقات اللازمة لنقل نظم الأسلحة، الطائرات الحربية، أو قطع المجموعات العسكرية إلى الموقع الذي سيتم ضمنه استخدامها.
استطاعت السيارة أمريكية الصنع التي تُسمى الشاحنة المشتركة التكتيكية الخفيفة، اختصارًا (JLTV)، وهي شاحنة ضخمة يبلغ وزنها 6400 كغ، إكساب الشركة المصنعة لها، أوشكوش، عقدًا مع الجيش الأمريكي في أغسطس عام 2015، حيث يتم اختبار الشاحنة اليوم ومن المقرر أن يبدأ إنتاجها الكامل في وقت قريب.
تطلق أوشكوش على نفسها اسم “محرك منصات وفق الطلب”، وكلمة منصة تعني أنظمة أسلحة كـ هيمراس (HIMARS)، ثاد (THAAD)، تاو (TOW)، أو ميلان (Milan)، وجميعها أنظمة مستخدمة من قبل الولايات المتحدة أو حلفائها.
جزء من الخدمة التي تقدمها أوشكوش هي إعداد شاحنة JLTV لنظام أسلحة محدد يتم تركيبها عليه، ولكنها تشترط القيام بذلك فقط لصالح الأنظمة الصديقة، حيث تقول لورا كريسويل من شركة أوشكوش: “على سبيل المثال، لا يمكننا أن نعد شاحنة معدة للدمج مع الأنظمة الروسية”، ولكنها أوضحت بأن الشركة تبيع شاحنات الـ JLTV للمشترين حتى لو كانت تعلم بأنهم سيستعملونها لتثبيت أسلحة روسية عليها، بمعنى أنها تمتنع عن تخصيص شاحناتها بشكل مباشر فقط للأنظمة غير الصديقة.
قاذفات آر بي جي روسية في معرض سوفكس.
الغزو الروسي
يقدم جناح شركة (Rosboronexport) الروسية ضمن سوفكس نافذة أخرى على السياسة الواقعية للمال والحرب؛ فشركة (Rosboronexport) هي إحدى شركات تصدير السلاح التي تديرها الدولة الروسية، والتي كانت حاضرة ضمن المعرض جنبًا إلى جنب مع عدة منتجي أسلحة روسيين آخرين بما في ذلك شركة (Bazalt)، التي كانت تروّج لقذائف الآر بي جي 7 (RPG-7) والآر بي جي 30 (RPG-30).
“نعمل على توريد الأسلحة إلى العديد من البلدان، ولكننا بالطبع لا يمكننا الكشف عن هويتهم” قالت غالينا فيشنياكوفا، المرأة التي تدير جناح شركة (Bazalt).
تعد روسيا ثاني أكبر مصدّر للسلاح في العالم بعد الولايات المتحدة، ووفقًا لممثلي شركة (Rosboronexport)، تتعاون روسيا عسكريًا مع أكثر من 70 دولة.
من الجدير بالذكر هنا بأن العملية العسكرية الروسية في سوريا وضعت القدرات الإنتاجية الروسية في مرحلة متقدمة، وإذا حكمنا على الأمر وفقًا لحركة المرور والاجتماعات شبه الخاصة التي جرت ضمن القسم الروسي من سوفكس، يمكننا القول بأن الحملة العسكرية الروسية في سوريا انعكست إلى فرص تجارية كبيرة لترويج منتجاتها العسكرية.
تضمنت الأدوات العسكرية المعروضة في معرض سوفكس روبوت (URAN-6) الذي يعمل على إزالة الألغام، والذي ظهر لأول مرة في تدمر بسوريا، فضلًا عن نظام إطلاق صواريخ الهاون منعدم الضجيج، وبالإضافة إلى ذلك كانت طائرة السوخوي 32 (SU-32)، وهي النسخة المعدة للتصدير من المقاتلة الجوية الروسية سوخوي 34 (SU-34)، النجم البازغ في قسم شركة (Rosboronexport).
“هناك اهتمام متزايد بطائرة SU-32 منذ أن بدأنا عملياتنا في سوريا” قال البائع، وأضاف: “لهذا السبب تم عرضها هنا”.
نماذج الطائرات المقاتلة الروسية لم تكن وحدها التي استقطبت الاهتمام في سوفكس، بل صعد أيضًا نجم طائرات الهليكوبتر الروسية، التي أصبحت الآن مثبتة الفعالية من خلال تجربتها على أرض المعركة في سوريا، “يمكننا فعل أي شيء بطائرات الهليكوبتر الروسية، نحن نعتقد بأنها من بين الأفضل في العالم”، قال البائع.
بالإضافة للترويج للطائرات، المروحيات، قذائف الهاون، وقذائف الآر بي جي، تسعى الشركات الروسية لترويج أنظمة التدريب على جهاز المحاكاة، مما يدل على أنهم يتوقعون زيادة في شهية الطيارين لاستخدام الطائرات الروسية، طائرات الهليكوبتر، والعربات المدرعة.
ومن خلال معاينة قائمة المنتظرين لمشاهدة الجناح الروسي في سوفكس، تبزغ أمامنا حقيقة سريالية أخرى: الحرب هي عمل جيد، ومتابعة شن الحروب هي جزء من نموذج العمل في صناعة الدفاع.
الحرب التالية وما بعدها
نموذج الأعمال في صفقات بيع الأسلحة يتضمن عملية طويلة المدى، كما يوضح لنا جورج، أحد الباعة في قسم صواريخ التاو؛ فإتمام صفقة قد يستغرق نحو ثلاث سنوات.
“في البداية تكون مرحلة العرض، تمامًا كما هو الأمر عليه ضمن هذا المعرض، ومن ثم مرحلة التجريب داخل البلاد، ومن ثم إذا قرروا بأنهم يريدون السلعة، فيجب عليهم طلب المال من الحكومة من ميزانية السنة التالية، لذلك فإن العملية تستغرق حوالي ثلاث سنوات، هذا ما لم يحصل أي تغيير في الحكومة”.
في معرض سوفكس، وفي ظل مواجهة البلد المضيف، الأردن، وبقية بلدان المنقطة للحروب في سوريا والعراق واليمن، تتسابق الأموال لتكتسب الأولوية على السياسة؛ فالباعة والمشترون هنا يتسلحون تجهيزًا للصراعات القادمة، فالحرب تعمل على استدامة صنعتهم، حتى لو منعتهم في بعض الأحيان من البيع المباشر لأطراف معينة، فضلًا عن أنها تفتح أبواب العمل للمواطنين ضمن بلدان المصدر، حيث تقول لورا كريسويل من شركة أوشكوش: “نحن نوظف الأميركيين في أوشكوش بولاية ويسكونسن، حيث يصعب العثور على العمل، وهذه نقطة فخر حاسمة”.
لشرح ذلك، يكفينا أن نعلم بأن إنتاج مركبات (JLTV ) ساعد على توظيف أكثر من 600 عامل إضافي ضمن مصانع العمل، ويتوقع أن توظف الشركة المزيد من العمل في المستقبل، وذات الأمر ينطبق على شركة (Rosboronexport)، حيث ساعدت طفرة صناعة الدفاع الروسية على توظيف المزيد من العمال الروسيين ضمن هذا القطاع.
إذن، هذا ما تبدو عليه السياسة الواقعية للحرب؛ فالحروب ستُخاض وتُبتدر بجميع الأحوال، لأن الأموال على المحك ضمن هذه العملية، أما الأشخاص الذين قتلوا، شوهوا، الحقول المحروقة، والمدن المدمرة، جميع ذلك لا يبدو أمرًا ذو صلة بمعرض سوفكس، بل قضية منفصلة تمامًا.
المصدر: ميدل إيست آي