الفانتازيا العربية: الغول الأحمر الأخير نموذجًا

wdf_1010749

مع انتشار وشهرة أدب الفانتازيا، كان من الطبيعي أن نرى العديد من المحاولات لكتابة الفانتازيا العربية، ولا أعني هنا أخذ العناصر الغربية وكتابتها باللغة العربية، بل الاستلهام من التراث العربي والملاحم العربية القديمة والغزل على منوالها.

ومن هذه المحاولات الناضجة رواية “الغول الأحمر الأخير” للكاتب محمد الدواخلي، وهي رواية ملحمية فانتازيا تاريخية تستلهم الشكل البنائي القديم للسيرة العربية للحديث عن بلد تمزقه الصراعات والخرافات يجد فيه بطل الرواية الرئيسي عبد الشهيد ابن سمعان نفسه متورطًا في معركة سياسية تفوق قدراته وتخيله وسط دسائس المماليك وغدر القراصنة وتجبر قبائل بني الأسود والتاريخ السري للجماعة المكروهة المسماة بالغيلان الحمر.

الحبكة والشخصيات

الحبكة هي العنصر الأهم في الرواية فهي منسوجة بمهارة، بوتيرة متصاعدة، فتبدأ بأحداث متفرقة تلتقي خيوطها بمرور الوقت، حتى تنتهي إلى حرب طاحنة وبها العديد من المشاهد الملحمية التي تثير القشعريرة في مشاعر القارئ.

تبدأ الحكاية بأسرة وسائق ودليل تائهين في وادي الموت، ولتزجية الوقت حتى يصلوا إلى المدينة، يقرر السائق أن يحكي لهم الحكاية الحقيقية لهذا الوادي وحكاية بطلنا عبد الشهيد بن سمعان.

لتبدأ ملحمة الغول الأحمر الأخير براوٍ عليم “السائق” يتنقل بين رواة متعددين “عبد الشهيد بن سمعان، الشيخ وهدان والعديد من الشخصيات لتعرض لنا الحكاية من كامل الزوايا حتى تصل بنا إلى النهاية، فكل الحكايات هنا مترابطة وتصل بعضها ببعض لتتبع أثر عبد الشهيد بن سمعان والقائد الأسود حتى تصل بنا إلى نقطة البداية “وادي الموت”، فعبد الشهيد مجرد فلاح بسيط، يتورط في حضور اجتماع خاص بالمماليك والامراء والنبلاء، ويجعل من نفسه الغول الأحمر الأخير من قبيلة الغيلان الحمر، ليبدأ رحلته المحتومة للبحث عن وريث الملك الشرعي الذي سيوحد المملكة لمواجهة الفرنجة والأهبال والمماليك والقائد الذي لا يرحم، القائد الأسود، في أحداث مشوقة وممتعة من بدايتها إلى نهايتها.

عالم الرواية

عالم الرواية عربي فانتازي يتشابه مع الواقع ولكن بشكل خيالي سحري، فالكاتب يبني القصة على بناء تاريخي حقيقي مثل صراعات المماليك وحروب التتار والصليبيين ثم يضفي عليها صراعات أخرى مثل قبائل بني الأسود والقراصنة والغيلان الحمر بالطبع، وأجاد الكاتب وصف الأماكن والمدن من واحة ساوة إلى العاصمة إلى الزرقاء إلى طرابل إلى غيرها من الأماكن التي يشعر القارئ من وصفها أنه يراها أمامه حية تنبض.

 وبالرغم من أن الكتاب فانتازيا إلا أن العناصر الخيالية والأسطورية قليلة، فلا يوجد أعاجيب سحر مثل البساط الطائر، أو الجان، أو العفاريت وما إلى ذلك، بل العالم أقرب إلى الواقع ولكن مع لمسة خيالية واسطورية من الكاتب أضفت على العالم هذا الإحساس المميز للملاحم الفانتازية.

واتبع الكاتب أسلوب ألف ليلة وليلة في الحكايات المتداخلة والحكاية داخل الحكاية وأضفى على الرواية حكايتها الشعبية والأسطورية الخاصة مثل: الفتانة وجبل الصاعدين وجبل الهالكين والحداد أغاغول وثعبان السموم وهذه الحكايات المتعددة تعد نقطة قوة وضعف في الرواية، فمن ناحية أضفت هذه الحكايات جوًا أسطوريًا وبعدًا فانتازيًا للرواية، وقامت بتوطيد العلاقة بين القارئ وبين هذا العالم الفانتاز، ولكن على الناحية الأخرى فالحكايات بالرغم من أن العديد منها جميل ومشوق إلا أن بعضها جاء مملًا ولا يضيف شيئًا الى الرواية، بل على العكس قد يقوم بفصل القارئ عن جو الرواية، مثل حكاية المقسمين الثلاثة التي لم تكن مسلية ولم تفيد شيئًا، أو حكاية أخو المجذوب، وغيرها، ولعله كان من الأفضل أن يقوم الكاتب بالتركيز على الحكاية الأصلية والاهتمام بتفاصيلها بدلاً من هذه الحكايات، ولكن قد يختلف آخر أنها محاكاة لألف ليلة وليلة وسيف بن ذي يزن وغيرها، وهي محاولة محمودة من الكاتب على كل حال.

الإله من الآلة

وهو عيب يقع فيه العديد من كتاب الفانتازيا ويعج به كتاب ألف ليلة وليلة وسيف بن ذي يزن، ومثل ما كان يحدث في المسرحيات الإغريقية حين يتعقد الموقف، فيتم إنزال أحد الممثلين بآلة رافعة ليقوم بدور إله من آلهة الإغريق يحل الأمر حل سحري بدون تدخل من الأبطال لإنقاذهم من المأزق.

فقد أكثر الكاتب من استخدام تيمة الإله من الآلة فكلما أوشك البطل على الهلاك او أحدق به خطرا مميتا ظهر من اللا مكان شخصًا لينقذه، ولعل هذا يعود لتأثر الكاتب بالملاحم القديمة ومحاولة محاكاتها، ولكن بعيدًا عن هذه العيوب فإن الكاتب أبلى بلاءً حسنًا في كتابة هذه الرواية، ويشفع له أنه قام بكتابة فانتازيا عربية تبتعد عن الابتذال وعن الأجواء الغربية المستهلكة.