“الفقر هو أسوأ أشكال العنف”، هكذا قال غاندي، وهكذا تبدو الصورة في العالم الحديث، فدائرة العنف دائمًا تنمو وتترعرع في أوساط الفقراء، بل والتطرف أيضًا يجد الفقر مناخًا مناسبًا ليختبئ خلفه، ومنذ مطلع العام الجاري تتبع الإدارة الاقتصادية في مصر أسلوبًا عجيبًا في القرارات، وتتجاهل كل الأحداث التي يمكن أن تعمق جراح الفقراء.
ومع تكرار القرارات التي تزيد الفقراء فقرًا وترك الحكومة الغلابة فريسة سهلة للمحتكرين والتجار، أجد نفسي مجبرًا على الظن بأن الحكومة تحاول القضاء على الفقر عن طريق طحن الفقراء، وتحاول دعمهم عن طريق حرق مصادر دخلهم، فهل تدعو الحكومة الفقراء للعنف أم أنها تضع ضوابطًا جديدة للفقر في مصر؟!
لا شك أن الفقر هو من أخطر الآفات التي يمكن أن تقضي على المجتمعات، فالفقر يلازمه الجهل، والجهل عدو الاقتصاد، ومن أبجديات التنمية الاقتصادية محاربة الفقر، إنها فعلاً دائرة مغلقه، فلا سبيل للتنمية بدون القضاء على الفقر، ولا سبيل للنجاح في ظل الفقر.
عمومًا المجتمع المصري يتكون من أغلبية فقيرة بالإضافة إلى جزء صغير يسمى بالطبقة المتوسطة، وهي تسمية لا أظنها صائبة، فيمكن أن نسميها فقراء من الدرجة الثانية، هذا بالإضافة إلى أقلية غنية لا تتعدى نسبة الـ 5%، لكن هذه الأقلية تمتلك تقريبًا 90% من الثروة، فيما توزع الـ 10% المتبقية على فقراء الدرجة الأولى والثانية.
والطبيعي أن دور الحكومة أنها تنظم توزيع الثروة ما بين الأغنياء والفقراء، وبالفعل هي تفعل ذلك ولكن للأسف بشكل عكسي، وهذا الأمر ظهر بشكل جلي منذ مطلع هذا العام، فالحكومة قررت رفع التعريفة الجمركية على أغلب السلع بنسبة 40%، والفقراء هم الضحية، وخفضت دعم الطاقة بنسبة وصلت لنحو 60%، والفقراء هم الضحية، وتركت سعر الأرز يرتفع بنسبة 100% خلال أسابيع قليلة، وأيضًا الفقراء هم الضحية.
كما أنها قررت رفع أسعار الأدوية التي يقل سعره عن 30 جنيهًا بنسبة 20% – وهي أدوية الفقراء -، بالإضافة إلى أسلوب جلد الغلابة بداية من معاملة مزارعي القمح الغريبة، مرورًا بالبرود المبالغ فيه في التعامل مع حريق مصدر دخل مئات الفقراء في العتبة، هذا ناهيك عن زيادة فواتير المياه والكهرباء والغاز ورفع رسوم الأوراق الحكومية، والسماح لمصانع الحديد بزيادة سعر الطن بأكثر من 1000 جنيه خلال يوم واحد فقط.
مسلسل الطحن لم ينته بعد؛ فالحكومة أقرت قانون ضريبة القيمة المضافة الذي من شأنه دفع الأسعار للصعود بنسبة لا تقل عن 15% وذلك بداية من تطبيق الموازنة الجديدة 2016/ 2017، كما يتوقع أن تكون موازنة تقشفية تنال أيضًا من الفقراء.
عمومًا، كل هذه القرارات والممارسات تقول إن الحكومة تتبع سياسة طحن الفقراء، لا أعرف ما السبب أو الهدف ولكن هذا ما يحدث الآن على أرض الواقع، لكن على الحكومة أن تعرف أن هذه الفقاعة لو انفجرت ستأكل الأخضر واليابس، فالبطون الجائعة لا تنام والفقر كالسرطان كلما أهملته زاد انتشاره.
ولعل ما يحدث في فنزويلا يكون عبرة للحكومة المصرية، فالأزمات المالية الطاحنة أشعلت شرارة ثورة الجياع بالبلاد وسادت الفوضى وتفشت الجريمة وانهالت أعمال النهب والسلب على الشوارع، وبالطبع حال مصر حتى الآن بعيد عما يحدث في فنزويلا، لكن استمرار سياسة الحكومة الحالية سيدفعنا إلى هذه الحالة لا محالة.
فعلى الحكومة تعلم الدرس فقد انقلبت الموازين في فنزويلا خلال عام فقط، والخطر ليس بعيدًا عنا، فمن يضغط الفقراء لا يلومن إلا نفسه، فالفقر أسوأ أشكال العنف، وهو قنبلة موقوتة فاحذروا.