تجري في هذه الأيام فعاليات مهرجان كان الدولي للسينما، وهو مهرجان عريق تعود بداياته لأربعينات القرن الماضي، ويمثل محطة بارزة ونقطة تحول في مسيرة الكثير من السينمائيين في العالم، لقد ساهم المهرجان في نشر ثقافة سينمائية كونية يمتزج فيها بطل الساموراي الذي يقدمه كوروساوا، ببطل الغرب الأمريكي الذي يقدمه الإيطالي سيرجيو ليوني.
ولذلك فإن جائزة السعفة الذهبية، كبرى جوائز المهرجان، تملك خصوصية تتفوق فيها على جائزة الأوسكار، فالثانية لم تمنح إلا للأفلام الناطقة بالإنجليزية، ولم يرشح لها في تاريخها سوى 9 أفلام غير ناطقة بالإنجليزية، بل لم يفز بالجائزة سوى إثني عشر فيلما مُوِل من خارج الولايات المتحدة (أحد عشر من إنجلترا وفيلم الفنان the artist الممول من فرنسا)، الحائزون على سعفة كان آتون من كل بقاع الأرض، ويمثلون عين الإنسان ورؤاه وأفكاره بشكل أكثر صدقًا، ومن الأكيد أن بعض اختيارات لجان التحكيم لم ترق للناس ومن الأكيد أيضًا أنها في كثير من الأحيان خضعت لحسابات سياسية أو لوقائع تاريخية، لكن الأكيد أن كثيرًا منها كان له تأثير على السينما، فيما يلي قائمة اخترتُها لكم من أجمل الأفلام الحائزة على السعفة الذهبية.
10 – الرجل الثالث The third man سنة 1949
لا يزال الجدل قائمًا بين المدارس النقدية حول تصنيف جدي ودقيق للسينما النوار Noir، ولكن لا أعتقد أن هناك من يختلف في اعتبار فيلم الرجل الثالث للبريطاني كارول ريد Carol Reed فيلم نوار، إنه النموذج الأفضل لتمثيل هذا النوع السينمائي الذي اشتهرت به فترة الأربعينات والخمسينات.
أخرج العمل سنة 1949، واستطاع بفضل الخصائص البصرية لسينما النوار (زوايا الصورة التي توحي بالغموض، استعمال اللون الأسود بكثافة، الإنارة الخافتة، والمراوحة بين الضوء والظلمة، الأزياء الخاصة وحضور الطربوش أساسا) والأدبية (غموض يكتنف الشخصية، جريمة، تشويق…) أن يعكس ببساطة مدهشة أوروبا ما بعد الحرب.
في فيينا سنة 1949، كان الكاتب هولي مارتن Holly Martin في زيارة إلى صديقه هاري لايم Harry Lime، كانت بانتظاره مفاجأة غير لطيفة بالمرة، غيرت رحلته إلى بحث عن الرجل الثالث، أصدقاء لايم كثيرون في فيينا، وقصصهم عنه تختلف، وتتضارب، في مدينة تتضارب فيها مصالح الحلفاء الذين فازوا بالحرب، أين لايم وسط كل هذا وماذا حدث له؟ قد تجيبك عن السؤال، الموسيقى الخالدة لليوناني أنطون كاراس Anton Karas.
يعتبر فيلم الرجل الثالث كلاسيكيًا، ويصنفه معهد السينما البريطاني كأعظم فيلم بريطاني، ولا أعتقد أن أحدًا ناقش كثيرًا فوزه المستحق بالجائزة الكبرى لمهرجان كان سنة 1949.
9 – راقصة في الظلام Dancer in the dark سنة 2000
تقترن الأفلام الموسيقية عادة بالترفيه والمرح، لكن المخرج الدنماركي الشهير لارس فون ترييه Lars Von Trier “يعاني” من نظرة مختلفة جدًا للأمور، أو قد تكون فكرته عن الترفيه مختلفة بعض الشيء، المؤكد هنا أن فيلمه الموسيقي “راقصة في الظلام” لا يملك الكثير من المشاهد السعيدة، لقد قلب فون ترييه فكرتنا عن الأفلام الموسيقية، وجعلنا نرقص في ظلمات النفس البشرية رفقة سلمى (المغنية الاسلندية بيورك Björk) خلال رحلتها البائسة نحو غرفة الإعدام.
كانت سلمى مهاجرة تشيكوسلوفاكية، تكافح في مصنع كئيب في أمريكا لتظل حية ويظل ابنها حيًا، تتسلى بالذهاب رفقة صديقتها إلى السينما لمشاهدة نجوم هوليود وتحلم بحياتهم، الأقرب أنها كانت تفتعل المشاهدة، فعيناها لم تعودا تسمحان لها بتمييز الأشياء، أخبرها الطبيب أنها ستفقد بصرها قريبًا، ولذلك هي تجتهد في العمل لتوفر ما يكفي لإنقاذ عيني ابنها من مرضها الوراثي.
لكن عالمها لا يخلو من المرح الساذج الجميل، إنها قادرة على انتشال نفسها من واقعها بطرطقة الأنامل، صوت الأشياء في المطبخ يطربها، صوت الآلات المعدنية في المصنع، ووقع أحذية العمال الثقيلة يصنعان في قلبها وخيالها قطعًا موسيقية جميلة، ومثيرة.
يعتبر راقصة في الظلام ثالث ثلاثية لارس فون ترييه “القلب الذهبي”، وذلك بعد Breaking the waves وخصوصًا البلهاء Idioterne، حيث حاول في كل مرة أن يقتفي أثر فتاة طيبة آثرت الحفاظ على نقاء سريرتها رغم ما مرت به من محن، ولقد افتتح الفيلم مهرجان كان سنة 2000، وحظي بتصفيق حار من المشاهدين، قبل أن يعلن في الاختتام عن فوزه بالسعفة الذهبية.
8 – القيامة الآن Apocalypse Now سنة 1979
لستُ من أنصار هذا الفيلم الشهير لفرانسس فورد كوبولا Francis Ford Coppola وربما كنت أجده مجرد فيلم آخر عن حرب فييتنام، لكن يجب أن نقر له بأشياء كثيرة، فقد كان دور الأسطورة مارلون براندو Marlon Brando في هذا الفيلم جديرًا باسمه، وجعل حضوره المدهش والمروع في آنٍ من الفيلم علامةً فارقة في السينما، لقد نجح كوبولا في تصوير لحظات من الجحيم الفيتنامي، ونقل إلينا ببراعة هول المشهد؛ حرائق، قتلى، جرائم حرب، توحش يتسلل إلى أكثر النفوس نقاءً وبؤسٌ لا حدود له يعلق بالإنسان إلى الأبد.
لقد اختصر كل ذلك في مشهد بسيط وخالد، حين وقف الكولونيل بيل كيلغور (روبرت دوفال Robert Duvall) على ربوة يتأمل الخراب ويقول بنَفَس نيروني: “النَابَلْم يا بني، لا عطر في الدنيا يعادل رائحة النابَلْم… أحب رائحة النابلم في الصباح الباكر، أتعلم؟ ذات مرة نسفنا ربوة بالقنابل لإثنتي عشرة ساعة، حينما انتهى كل شيء استيقظت، لم نجد أحدًا منهم، لم نجد جثة نتنة من جثثهم، إنها الرائحة يا بني، تلك الرائحة التي تميز الغازولين، أتعرفها؟ ملأت كامل الربوة، رائحة بنكهة الانتصار، هو ذاك، يومًا ما سينتهي كل شيء!”
7 – ضارب الطبل Die Blechtrummel سنة 1979
في سنة 1979 لم يكن اختيار السعفة الذهبية بسيطًا، ويبدو أن لجنة التحكيم تعرضت إلى ضغوط لترشيح فيلم كوبولا، القيامة الآن، ولكن اللجنة التي قد تكون رضخت للضغوط، لم تتخل عن تتويج الفيلم الألماني “ضارب الطبل” مناصفة. والحمد لله أنهم لم يفعلوا!
إن ضارب الطبل تجربة سينمائية فريدة، أعادت تشكيل مشاهد الحقبة النازية بطريقة فذة وعميقة لا تنجم إلا عن كوميديا سوداء سريالية ألمانية، هنا أرض غدانسك Danzig، حيث يقف التاريخُ محتارًا حول الهوية والتراث، بين القوة العاتية الألمانية والتراث البولسكي، وُلد ضارب الطبل، الطفل الصغير أوسكار لأب فيما يبدو ألمانيًا وفيما يخفى بولسكيًا (بولنديًا)، وقرر أن لا يكبر أبدًا.
بطبله الذي لا يتخلى عنه، وقدرته الغريبة على الصراخ بقوة لا تحتمل، يواجه عالم الكبار المتوحش والبائس والملتبس المفاهيم، ويحاول أن يفهم، أو يقاوم على طريقته، وفي مشهد خالد، يضرب أوسكار على طبله ليغير الإيقاعات الحماسية التي تعزفها الجوقة النازية بمدينته، إلى إيقاع الدانوب الأزرق، ويجبر الضباط المحافظون على تحيتهم النازية الصارمة على التمايل طربًا بمقطوعة الفالس العظيمة.
اقتبست قصة الفيلم من رواية بالعنوان ذاته للكاتب غونتر غراس، وقد فاز بأوسكار الفيلم الأجنبي سنة 1980 أي بعد فوزه بسعفة كان الذهبية.
6 – فيل Elephant سنة 2003
يمكن تصنيف تحفة المخرج الأمريكي غوس فان سانت كأحد أفضل أفلام العقد الأول من القرن الجديد، ولقد استطاع في أقل من ساعة ونص، أن يجعلنا نعيش إحدى جرائم العصر الأكثر بؤسًا وإثارة للخوف والحيرة، لقد أصبح مشهد الأطفال الذين يهاجمون مدارسهم بأسلحة نارية أمرًا مألوفًا في صفحات الحوادث في أمريكا، وباتت القضية أخطر من حكاية استثنائية لتروى، لذلك كان تعامل فان سانت مع المسألة أعمق من التحليلات السوسيولوجية.
إن السينما تقدم أدوات أكثر بلاغة من الكلام أحيانًا، ولقد كان المشهد هو سيد البلاغة هنا، ليس هناك الكثير مما يقال، فقط حبكة سينماتوغرافية نادرة، تجعل الفيلم كله كأنما التقط في مرة واحدة، مع الكثير من أجهزة الكاميرا المنتشرة في كل مكان لتلتقط نفس القصة ولكن من زاوية مختلفة.
يجعلنا غوس فان سانت نعيش الحادثة من زوايا نظر مختلفة، ومتداخلة ومتواصلة، ببساطة وعبقرية محيرتين، ويجعلنا نلتقي بأبطال الفيلم إما من خلال زاوية نظرهم وإما من خلال زاوية نظر الآخرين لهم، لقد منحنا كل ذلك القدرة كمشاهدين على الاقتراب بشكل كبير من الحادثة، وهذه القدرة بنظر فان سانت تمنح إدراكًا أكبر لما حدث من التحليلات والحوارات العميقة، وأعتقد أنكم ستشاطرونه الرأي لو شاهدتم الفيلم.
5 – طعم الكَرَز طعم گيلاس سنة 1997
يعتبر البعض عباس كيارستمي أهم تجربة سينمائية إيرانية، ومن المؤكد أنه ترك آثاره في دورات كثيرة في مهرجان كان، فبعد ترشيحه للجائزة سنة 1994 عن فيلمه الرائع “بين شجر الزيتون”، عاد المخرج الإيراني الفذ عباس كيارستمي سنة 1997 ليظفر بالسعفة الذهبية عن فيلمه المتميز طعم الكَرَز.
لا يمكنك أن تفهم قصة الفيلم منذ البداية، لكن المشاهد بسيطة وممتعة، تدور كلها داخل سيارة يجوب صاحبها أماكن مختلفة من المدينة بحثًا عن شخص مناسب يؤدي له مهمة غريبة، وفي كل مرة يُقلُ شخصًا يرى فيه القدرة على مساعدته، نتعرف على جوانب من الصورة الوجودية العميقة التي يشكلها كيارستمي رويدا رويدا، لا غرو أن أعتبر هذا الفيلم من أهم الأعمال الحاصلة على السعفة الذهبية، فلقد جمع بشكل مدهشة بين عمق الفكرة وبساطة المشهد، إن الفيلم أشبه بقصص الصوفيين التي تجدها في كتب فريد الدين العطار، أو في الميثولوجيا العراقية القديمة، حكاية بسطية وطريفة ولكنها تختزل محنة الوجود، وتختصر فكرة الحياة.
4 – سائق تاكسي Taxi driver سنة 1976
من بين الأفلام الفائزة بالسعفة الذهبية، قد يكون هذا الفيلم هو الأكثر شهرة وشعبية، نتحدث هنا عن بدايات الممثل الكبير روبرت دي نيرو Robert De Nero وعن المخرج الغني عن التعريف مارتن سكورسيزي Martin Scorcese.
الوحدة تتجول في شوارع نيويورك المكتضة بالبشر، الوحدة تراقب فتاة جميلة في صمت، الوحدة تحدث نفسها، الوحدة وحيدة، الوحدة قاتلة.
في فيلم العراب ظهر روبرت دي نيرو كأحد أكبر مواهب هوليود، لكن مع هذا الفيلم، صار الرجل أيقونة سينمائية، وأصبحت لقطته أمام المرآة وهو يخاطب نفسه، رمزًا سينمائيًا كثيرًا ما يقلد في الأعمال الفنية، وإلى جانب دي نيرو، فقد شهد الفيلم ميلاد النجمة جودي فوستر Jodie Foster صاحبة السنوات الـ 12 آنذاك، ولقد أثار دورها في الفيلم جدلاً كبيرًا.
يعتبر فيلم سائق التاكسي أحد أهم الأعمال في تاريخ السينما، وأحد رموز موجة النيونوارNeo-Noirالتي بدأت مع السبعينات، ويحظى بإجماع كبير من النقاد على قيمته الفنية العالية، قد لا يعكس وجوده في المرتبة الرابعة في هذه القائمة قيمته الحقيقية ولكن الترتيب هنا أيضًا يخضع لبعض الذاتية التي لا مناص منها!
3 – تحت الأرض Underground سنة 1994
رغم نجاح فيلم “وقت الغجر” Time of the gypsies إلا أن فيلم تحت الأرض كان الإعلان الحقيقي لميلاد تجربة سينمائية فريدة في العالم اسمها أمير كوستوريتشا Emir Kusturica.
نقل كوستوريتشا في أعماله بيئته البلقانية الفريدة، التي تتميز بتنوع عرقي غريب ومدهش، وأفرد للغجر في هذه الأعمال مكانة خاصة لا تعادلها سوى الفولكلور الموسيقي البلقاني، فحضر في أعماله من خلال فرقته الموسيقية ذات الاسم الغريب No Smoking Orchestra (الأوركسترا بلا ملابس السهرة)، يحاول كوستوريشا أن يستعيد في أعماله وطنه المشتت يوغوسلافيا، حيث لا يخفي انتماءاته القومية، ورفضه للانقسام الحاصل فيها.
ولقد عبر عن هذا الرفض بشكل مباشر في فيلم “تحت الأرض” الذي يحاكي فيه قصة أهل الكهف بشكل عبقري، تحت الأرض وفي مكان ما من بلغراد، يقع مخبأ من مخابئ المقاومة اليوغسلافية الشيوعية للغزو النازي، يسرق بلاكي وماركو أسلحة النازيين لمنحها للمقاومين اليوغسلاف، ويتحول المخبأ إلى ما يشبه مصنعًا للسلاح، أو ربما مجتمعًا يوغسلافيًا بأسره، لكن الحرب انتهت، والمصالح بقيت، لماذا على ماركو أن يخبر الباقين الذين لا يخرجون من المخبأ أن الحرب قد انتهت؟
كل شيء معبر جدًا في الفيلم، الصور، الموسيقى، الحوارات، السخرية، المأساة، السريالية، الدراما، الموسيقى، زد على ذلك ما كانت تشهده المنطقة من توترات معروفة، ما جعل الفيلم محور جدل كبير، فالولايات المتحدة لم تحتف كثيرًا به وتم إلغاء ترشيحه لأوسكار أفضل فيلم أجنبي أما في فرنسا فقد حظي بترحيب منحه السعفة الذهبية.
قد تكون مناوئًا للقومية اليوغسلافية، وقد ترفض حكم الجنرال تيتو، وقد تعتبر أن الدولة مارست قمعا استدعى استقلال مختلف العرقيات عنها، ولكن يصعب أن تنكر عبقرية هذا العمل.
2 – كلّ ذاك الجاز All that Jazz سنة 1980
تعاني الغنائيات والأفلام ذات الطابع الموسيقي من نوع من الإجحاف في حقها، فكرتنا عنها أنها أشبه بمنوعات الفوازير ذات القصص السطحية، الحقيقة أنها ليست كذلك أبدًا، وفي حالة “كل هذا الجاز” يصبح الحكم مشطًا بل لغوًا.
يحاول المخرج والمسرحي بوب فوسي Bob Fosse أن ينقل إلينا تجربته مع الموت، بغنائية راقصة مرحة، يصور لنا مراحل استقباله للموت كما لو أنها حدثت بالفعل، لقد استوحى فكرة الفيلم من النوبة القلبية التي داهمته أثناء إعداد عمله المسرحي الشهير شيكاغو Chicago، لذلك سُمي الفيلم بتسم أشهر أغنيات المسرحية المذكورة.
في “كل هذا الجاز” يمر بطل الفيلم دجو Joe بتلك التحولات النفسية التي شخصتها كيوبلر روس في أولئك الذين يستقبلون خبر موت شخص عزيز، وتعرف بمراحل العزاء الخمسة DABDA وهي الإنكار، الغضب، المساومة، الاكتئاب والتقبل. الاستثنائيُ هنا، هو أن المعني بالموت، ليس إلا دجو نفسه!
إنه فيلم عن الموت والحياة، وعن الوجود وعن الإنسان، في قالب غنائي جميل، وساخر، ولا عجب أن ستانلي كيوبرك المخرج الأمريكي الكبير، استقبل الفيلم بقوله إنه أفضل فيلم شاهده في حياته!
1 – قصّة من الصنف الرديء Pulp fiction سنة 1994
من الصعب ترجمة العبارة الأمريكية، بعضهم يكتفي بـ”خيال رديء” وهو وإن كان قريبًا وأنيقًا، إلا أنه مغالط، نحن دوما نتحدث عن قصة هنا، وهي حتمًا ليست رديئة أبدًا، ولكنها من ذلك النوع الذي يعتبر رديئًا في تصنيفات الأدب، إنه ذلك النوع من القصص ذات الأوراق الصفراء، والأغلفة الكئيبة، والأحداث المليئة بالكليشيهات والعنف والمخدرات والفساد.
هل هو التباس العنوان ما أدى بالمخرج الأمريكي كوينتن تارانتينو إلى تعريف العبارة بحسب معجم التراث الأمريكي كمشهد أول في الفيلم؟ أم هو تأكيده منذ البداية، على أن الفيلم له علاقة وطيدة بفكرة التصنيف الفني أساسًا؟
هذه قصة من عالم الPulp، حيث لا بد من زعيم لعصابة ما، لا بد من وجود رجال خطرين، أو يوحون بالخطر، لا بد من عملية سطو، ومن عمليات قتل، وانتقام، ومطاردة، ومخدرات، وشخص يشبه الأبطال، وفتاة رقيقة جديرة بقلوب الأبطال، وفتاة ليست رقيقة أبدًا، هذا الفيلم يجعل من القص الخطي أمرًا مبتذلاً تمامًا، سيجعلك أيضًا تعرف لماذا Samuel Jackson هو مَعْلَم من معالِم هوليود، ولماذا أحيانًا قليلاً، يتحول الحوار إلى جزء من العمل السينمائي، كعنصر سينيماتغرافي، لا كعنصر مسرحي، لا كعنصر مهم لفهم الأحداث، وإنما مهم بذاته، الحوار هنا، لا يقل فرادة وروعة عن المشاهد، ولا عن الشخصيات ولا عن الموسيقى.
في قصص الشخصيات الثلاثة، فينسنت (جون ترافولتا) وجولز (صاموائيل جاكسن) وبوتش (بروس ويلِس) تلعب الصدفة دورًا محوريًا في صنع الأحداث، فتنقذ جولز من الموت بالرصاص، وتلقي فينسنت تحت رحمة بوتش، وتضع بوتش أيضًا في متجر للقتلة… أقدار الشخصيات دومًا تحت وقع الصدفة، لكن رؤية الشخصيات لذلك الأمر يختلف، فجولز يؤمن أنه القدر الإلهي، وفينسنت يرفض ذلك تمامًا، أما بوتش فلا يهتم، إنها المواقف الثلاثة الرئيسية للإنسان تجاه الغيب، ولقد كان جولز الأكثر تعبيرًا عن موقفه حينما استهل الفيلم بالقتل، ثم أنهاه بترك سبيل ضحيته، وإنقاذ حياة الآخرين.
Pulp Fiction من إنتاج شركة Band Apart التي أسسها تارنتينو ويعتبر ثورة في عالم السينما المستقلة، فاز بجائزة أوسكار أفضل نص مكتوب للسينما Best original script، ونافس بقوة على بقية الجوائز التي نالتها الأفلام المدعومة من شركات إنتاج ضخمة، وفي 2013، قررت مكتبة الكونغرس الأمريكي، ضمه على اعتباره تراثًا وطنيًا ذي معان ثقافة وجمالية وتاريخية معتبرة، لكن حصوله على السعفة الذهبية لم يكن بسيطًا، ولاقى استهجانًا من قبل الكثيرين حتى داخل المسرح حين إعلان النتيجة، ما جعل المخرج تارنتينو، يجيب المحتجين بحركة لا أخلاقية ظلت في ذاكرة المهرجان.
هذه قائمتي للأفلام المتوجة بالسعفة الذهبية، لكن مهرجان كان كان حافلاً بالأعمال الرائعة، ويمكن أن نذكر فيلم كوروساوا Kagemusha والفيلم البولندي رجل من حديد، ورائعة الإيطالي فيليني La dolce vita أو الحياة المترفة، وأعمالاً أخرى كثيرة.
هل أعجبتكم القائمة؟ ماذا كنتم لتضعوا فيها؟