لطالما تخيلنا أن “حرق النفايات” لا يُمكن أن يكون صديقًا للبيئة، ولكن هل هذا صحيح فعلاً؟ بل هل يمكن أن يكون حرق النفايات أفضل من إعادة التدوير Recycling؟ بعض العلماء يؤكدون أن النفايات يمكن أن تكون أفضل من بعض أنواع الفحم، هذا غير أن عملية حرق النفايات إذا ما تمت وفق التقنيات المعاصرة فإن النفايات يمكن أن تكون مصدرًا للجبس ولمادة روح الملح HCL ولاستخراج المعادن الكامنة فيها، والتي لم يكن بالإمكان الوصول إليها لولا حرق النفايات.
في التقرير التالي نكشف لكم حقائق مدهشة حول حرق النفايات في المنشآت المخصصة لذلك.
وداعًا لجبال النفايات
إن كنت لا تدرك حجم الإشكاليات التي قد تسببها النفايات، فلا بد أن تقرأ عن موت أكثر من 8000 ألماني في مدينة هامبورغ الألمانية في آواخر القرن التاسع عشر بسبب داء الكوليرا وأكوام النفايات، بل وحتى لا نبعد كثيرًا يمكنك أن تقرأ عن أزمة النفايات في لبنان التي لم تعد مشكلة محلية فقط، فقد وصلت إلى الصحافة العالمية.
فقد قامت قناة CNN مؤخرًا بعرض صور لنهر من النفايات في لبنان تكشف فيه حجم الكارثة هناك، هذا غير صحيفة “ذا ويك” التي جعلت عنوانها “هل تغرق لبنان؟” والقصد إن كانت لبنان ستغرق تحت أكوام النفايات، فيما راحت صحف أخرى تتساءل: هل ستسقط الحكومة تحت أكوام النفايات؟ بعد كُل هذه الضجة، كان جُلّ ما صدر عن الحكومة من قرارات يدور عن إقامة مطمر جديد للنفايات، فهل الطمر هو الحل؟
بلا شك إن طمر النفايات ليس حلاً، فلكل مطمر نفايات سعة لا يحتمل أكثر منها، ومهما كان الطمر ناجعًا على المدى البعيد، فإنه يحتاج إلى مساحات واسعة، وبالتالي لا بد إما من إعادة تدوير النفايات من خلال عمليات Recycling أو حتى حرق النفايات أو ما يُسمى بلغة مهندسي البيئة “المعالجة الحرارية للنفايات”، والتي تساهم في تقليل حجمها ووزنها والاستفادة من المواد الناجمة عنها والطاقة، نعم الطاقة.
النفايات أفضل من الفحم البُنّي
عندما يدور الحديث عن إنتاج الطاقة من النفايات فإننا لا نتحدث عن “اختراع”، لأنك إن سألت أي عجوز في بلادنا عن الوقود المستخدم في مخابز الطابون فستجدها تحدثك عن “روث البقر” باعتباره وقودًا مميزًا.
مع تطور العلم والحاجة المُلحة للطاقة وصل الإنسان إلى الفحم الحجري في باطن الأرض كما وصل إلى ما يسمى الفحم البني Lignite، وهو ليس بجودة الفحم الحجري الصلب ولكنه يبقى أفضل من الخث (فحم المستنقعات)، ولكن لماذا نتحدث عن الفحم البني؟ لأن هناك بديل أفضل منه وهو “النفايات”.
في دولة مثل ألمانيا، والتي تعتبر الأولى في استخراج الفحم البني Lignite حيث بلغ نسبة الكهرباء المُنتجة بواسطة الفحم البُني 27%، إلا أن العلماء في نفس هذا البلد يؤكدون أنه إذا ما تمت معالجة النفايات بشكل صحيح فإن قيمتها الحرارية يمكن أن تصل إلى 13000 كيلوجول للكيلوغرام بينما القيمة الحرارية للفحم البني تقدر بحوالي 8600 كيلوجول لكل كغم.
بحسب قانون “النفايات” الألماني الجديد (2012) المعروف بـ KrWG فإن النفايات التي تصل قيمتها الحرارية إلى 11000 كيلوجول للكغم على الأقل، فإنه بالإمكان النظر إلى حرقها باعتباره عملية مكافئة بيئيًا لعملية إعادة تدويرها، ويتم حرقها فعلاً، دون أن تكون هناك ضجة حول الموضوع، خاصة أن القانون الألماني لا يتكلم كثيرًا عن حرق النفايات، بل يعتبر الأمر “مُعالجة حرارية”.
معالجة حرارية وليس “حرقًا”
لا شك بأنه لا يوجد أي مهندس بيئي يمكن أن ينصحك بأن تخرج نفاياتك إلى ساحة المنزل لتشعل فيها النيران بعد أن قرأت في “مجلة نقطة العلمية” بأن حرق النفايات ليس سيئًا، فالأمر أعقد من هذا بكثير بالأخص لأن هناك قوانين كيميائية تحكم كل عملية احتراق مفادها أن احتراق أي مادة “كربونية” يصدر عنه غازات ضارة جدًا، مثل ثاني أكسيد الكربون المُسبب للاحتباس الحراري، ولكن بالطبع هناك غازات أخرى أكثر ضررًا مثل ثاني أكسيد الكبريت وأكسيد النيتروجين وهما المسبب الأساسي للأمطار الحامضية.
إذًا ففي الواقع إن حرق النفايات وحده مضر جدًا بالبيئة إذا لم تصحب عملية الحرق عملية أخرى لمعالجة المواد الناجمة عن عملية الحرق، والواقع أن هذه العمليات تحتاج إلى تقنيات متطورة جدًا كي تتم بنجاح وبشكل “صديق للبيئة”، ولا بد أن تشتمل هذه التقنيات على معالجة كل الغازات والغبار وكذلك السوائل والمواد الصلبة مثل “الخبث”.
بالنسبة للغازات الحامضية مثلاً فيتم استخدام الفحم المنشط للتخلص منها عادة، ولكن هناك ما هو أكثر إثارة من ذلك، فهناك إمكانية للتخلص من هذه الغازات باستخدام مسحوق الخبيز أو البكنج بَوْدَر Baking powder، فهذا المسحوق هو عبارة عن مادة كيميائية تدعى “كربونات الصوديوم الهيدروجينية NaHCO3″، ولهذا نجد البعض يستخدمه في إزالة الروائح الكريهة من الاحذية مثلاً إذا وضعت منه كمية يسيره داخل الحذاء.
ماذا يُمكن أن “نربح” من الاحتراق؟
لعلك ستجيب: “الطاقة”، وهذا صحيح ولكن في الواقع فإنه بإمكاننا أن نربح من النفايات أكثر من الطاقة، وهذا بفضل التقنيات المتقدمة التي وصل إليها العلم، ولا عجب، فالدراسات العلمية في مجال الاستفادة من النفايات حتى لحظة مطالعتك لهذا التقرير.
كمثال فقط، فإن حرق طن واحد من النفايات يُمكن أن نربح منه 25 كغم من حديد “الخردة”، و4 كغم من المعادن غير الحديدية Non-ferrous metal مثل الألومنيوم والنحاس، ومثلها من الجبس وكذلك 12 كغم من حمض الهيدروكلوريك الذي سماه جابر بن حيان “روح الملح” والمستخدم بشكل واسع في عالم الصناعة، وهذا بالطبع غير 1900 كيلوواط ساعي من الحرارة و215 كيلوواط ساعي للكهرباء.
وللتقريب أكثر، فقد نشر أحد معامل حرق النفايات في مدينة هامبورغ الألمانية أنه تمكن من “ربح” 8000 طن من حديد الخردة من النفايات التي تم حرقها في عام 2014، وحوالي 2600 طن من معادن غير حديدية و4000 طن من روح الملح و860 طن من الجبس، خلال عام واحد فقط، ومن النفايات.