ترجمة وتحرير نون بوست
تعد جزر القمر، وهي جزيرة في المحيط الهندي، إحدى أصغر الدول في أفريقيا؛ فباستثناء جزيرة مايوت المتنازع عليها، يمتد أرخبيل جزر القمر ليغطي نحو 640 ميلًا مربعًا فقط، ويعيش ضمن هذه الجزر أقل من مليون شخص متنوعين بأعراقهم ومشاربهم، مما يعكس طبيعة موقع البلاد الواقعة على مفترق طرق تاريخي.
ولكن الوضع الراهن في هذه الجزر الهادئة سيتغير كلية في حال تم تنفيذ الخطة الجديدة، فقد تكتسب جزر القمر آلافًا من المواطنين، إن لم يكن أكثر، من السكان عديمي الجنسية في الكويت، في خطوة يشكك العديد من الخبراء بأنها ستحمل عواقبًا وخيمة.
سكان من عديمي الجنسية البدون يحملون لافتات تطالب بالجنسية الكويتية خلال مظاهرة في الجهراء في عام 2013.
عديمو الجنسية في الكويت هم في أغلبهم من السكان “البدون”، والذين يصل عددهم إلى حوالي 100,000 شخصًا، حيث تم نحت اسمهم من صفة “بدون جنسية”.
لا يتمع السكان البدون بحق المواطنة في دولة الكويت، ويعتبرون مهاجرين غير شرعيين؛ البعض منهم ينحدر من قبائل البدو الرحل الذين لم يطالبوا بالجنسية عندما حصلت الكويت على استقلالها في عام 1961، والبعض الآخر هم من العرب الذين انضموا إلى الجيش الكويتي في سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم ولكن لم يحصلوا على جنسية الدولة، وما تبقى منهم حُرموا من حق المواطنة لأسباب سياسية.
يشكل البدون أقلية كبيرة في الكويت، حيث يبلغ عدد السكان الأصلي حوالي 1.5 مليون نسمة، ويعدون من السكان المحرومين من حقوقهم، حيث لا تشملهم المزايا السخية التي تقدمها دولة الكويت لمواطنيها.
عمدت الحكومة الكويتية سابقًا، ربما بدافع الخوف من غضب أقلية البدون، إلى تطبيق بعض الإصلاحات المحدودة على أوضاع هؤلاء السكان؛ ففي عام 2011، تم السماح للبدون بالمطالبة بحقوق الرعاية الصحية والتعليم، وتسجيل الولادات والزيجات والوفيات، ولكن مؤسسة هيومن رايتس ووتش لاحظت في ذلك الوقت شكوى العديد من البدون من أن العمليات البيروقراطية التي تستلزمها تلك الخطوات صعّبت للغاية من جني فوائدها، فضلًا عن أن تلك الإصلاحات لم تعمل على فتح أي طريق للحصول على جنسية الدولة التي تطالب بها هذه الفئة منذ عقود.
أعلنت الحكومة الكويتية بأنها ستعمل على تغيير هذا الواقع في عام 2014، ولكن ليس بالطريقة المتوقعة، فالمواطنة التي عرضتها الحكومة الكويتية لم تكن جنسية دولة الكويت، بل بدلًا من ذلك، كشف اللواء الشيخ مازن الجراح الصباح، وكيل وزارة الداخلية الكويتية المساعد لشؤون الجنسية والجوازات، في مقابلة له بأن الحكومة تتفاوض مع دولة أجنبية عرضت استعدادها لتقديم جنسيتها للبدون مقابل الحصول على مزايا اقتصادية، وفي وقت لاحق من ذاك العام، أكدت الحكومة الكويتية بأن جزر القمر هي البلد المعني بالموضوع، ولكن المسؤولين في جزر القمر حينها لم يطلقوا أي تعليقات على الموضوع.
في هذا الأسبوع فقط وضعت جزر القمر حدًا للتكهنات حول الموضوع، وأكدت بأنها مستعدة لقبول الاتفاق، “نعم، إنه أمر مستعدون للقيام به إذا طلبته رسميًا الحكومة الكويتية”، قال وزير الشؤون الخارجية لجزر القمر، عبد الكريم محمد، لصحيفة سياسة كويتية خلال زيارة له إلى الدولة، وعلى الرغم من عدم تصريحه بأي تفاصيل إضافية، إلا أنه يبدو من الواضح بأن الخطة تكتسب الزخم وتجري على قدم وساق.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا قد يرغب شخص يعيش في الكويت بجنسية جزيرة أفريقية صغيرة تقع قبالة ساحل موزمبيق؟ لا يمكن إنكار وجود بعض الروابط الثقافية ما بين جزر القمر والكويت، فأغلبية سكان الجزر هم من المسلمين السنة، كما اكتسبت الدولة عضويتها في جامعة الدول العربية في عام 1993، ولكن هذه الصفقة تبدو مريبة إلى حد كبير نتيجة للعوامل الاقتصادية التي تكتنفها؛ حيث تتمتع الكويت، بفضل صناعتها النفطية المزدهرة، بمعدل دخل فردي سنوي يبلغ 43,500 دولار، بينما وفي جزر القمر، وعلى الرغم من جمالها الطبيعي، لا يتجاوز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الـ810 دولار، حيث يعيش نحو 18% من السكان على دخل يقل عن 1,90 دولار في اليوم؛ فضلًا عن تهاوي اقتصاد البلاد الصغير بشدة جرّاء حالة عدم الاستقرار السياسي التي تشهدها؛ فمنذ حصولها على الاستقلال عن فرنسا في عام 1975، شهدت جزر القمر أكثر من 20 انقلابًا ومحاولة للانفصال، مما أكسبها اللقب المؤسف “جزر انقلاب الانقلاب”.
لا تعد جزر القمر أول دولة تعرض بيع جنسيتها بمقابل مادي من الدول التي تتمتع بثراء فاحش، ولكن تفرّد هذه القضية يكمن بالطريقة التي تتودد فيها الكويت والإمارات العربية المتحدة، التي تمتلك أيضًا أقلية من البدون، لجزر القمر.
أوردت صحيفة الجارديان في تقرير لها العام الماضي بأن المحاولات الكويتية والإمارتية لاستمالة جزر القمر تعود إلى عام 2008، حيث رفضت الأخيرة في البداية قبول الصفقة، ولكن بعد سلسلة معقدة من المفاوضات، تهاونت جزر القمر في موقفها، وقامت بتغيير قوانينها لتسمح بشراء جنسياتها، وذلك بعد أن تم وعدها من قِبل دول الخليج بمساعدتها لتصبح دبي الجديدة، ولكن بعض السياسيين في جزر القمر يتطلعون إلى الصفقة بآمال أكثر تواضعًا من ذلك، فهم يأملون ببساطة درء الكارثة الاقتصادية التي تلوح في الأفق.
من غير المعروف بالضبط مقدار الأموال التي قد تتضمنها صفقة الكويت مع جزر القمر، ولكن الاتفاق الأصغر نطاقًا الذي جرى ما بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجزر القمر بلغت قيمته، وفق التقارير الواردة، نحو 200 مليون، وذلك مقابل بضعة آلاف من المواطنين، علمًا بأن هذه المبلغ يشكّل نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي لجزر القمر، ويمكننا أن نكون على ثقة بأن الاتفاق مع الكويت سيكون ربما أكثر إغراءًا.
بالمقابل، ما زالت الآثار التي قد تعكسها هذه الصفقة على السكان البدون غير واضحة على حد سواء، حيث أعربت جماعات حقوق الإنسان عن قلقها المطرّد من خطورة الأمر؛ ففي إحدى السوابق المثيرة للقلق في دولة الإمارات، اعتقلت الحكومة الإماراتية في عام 2012 الناشط أحمد عبد الخالق، وهو أحد البدون المدافعين عن حقوق هذه المجموعة، بعد أن حمل جنسية جزر القمر؛ ووفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، عُرض على عبد الخالق خياران، إما الانتقال إلى جزر القمر أو مواجهة اعتقال إلى أجل غير مسمى في الإمارات، وفي نهاية المطاف، رضخت السلطات الإماراتية، وأرسلت عبد الخالق إلى تايلاند، الذي انتقل للعيش في كندا في وقت لاحق.
من هذا المنطلق، قد يواجه السكان البدون خيارات مماثلة في المستقبل؛ إما الانتقال إلى ذاك البلد الفقير البعيد، أو قبول الانتقاص من حقوقهم في وطنهم بسبب حصولهم على الجنسية الجديدة.
قد يرضخ العديد من البدون إلى هذه الصفقة، إما بدافع رؤيتها كطريق للحصول على الجنسية الكويتية في نهاية المطاف أو طمعًا بالمزايا التي تقدمها الدولة، ولكن الأمر المؤكد في هذا النطاق هو أن الكويت تتمتع بسوابق استخدمت فيها جنسيتها كأداة للضغط السياسي، وذلك من خلال تجريد معارضيها من جنسية البلاد.
المصدر: واشنطن بوست