تعد الألعاب الأولمبية أو الأولمبياد حدثًا رياضيًا مهمًا على مستوى العالم يشمل الألعاب الصيفية والشتوية يشارك فيه الرياضيون من 250 بلدًا في منافسات مختلفة، يُنظم عمليًا بشكل دوري كل سنتين للألعاب الصيفية وسنتين للألعاب الشتوية وتعمل على تنظيم البطولة اللجنة الأولمبية الدولية، الألعاب الأولمبية الشتوية السابقة كانت في عام 2014 في مدينة سوتشي الروسية التي تطل على البحر الأسود، إذ فازت في الانتخابات عام 2007 أثناء الدورة الـ 119 للجنة الدولية الأولمبية حيث قامت روسيا بتغييرات جذرية وضخمة قدرت بـ 14 مليار يورو لعمل 98 حدثًا رياضيًا لـ 15 لعبة شتوية.
أما دورة الألعاب الصيفية لهذا العام فستقوم في ريو دي جانيرو في البرازيل من 5 إلى 21 أغسطس/ آب، أي بعد ثلاثة أشهر من الآن، ويستعد أكثر من 10 آلاف رياضي ليشارك في البطولة التي ستجري في 33 مكانًا في مدينة ريو و5 أماكن في مدينة ساو باولو أكبر مدن البرازيل، وتعتبر مدينة ريو أول مدينة في أمريكا اللاتينية تستضيف دورة الألعاب الأولمبية الصيفية علمًا أنها فازت في انتخابات عام 2009 على مدن مرشحة أخرى كمدريد وشيكاغو وطوكيو.
الجدير بالذكر أن تنظيم البطولة هذا العام في البرازيل يمر بظرف سياسي واقتصادي حانق في البلاد بعد خروج الملايين إلى الشوارع تلبية لدعوة المعارضة لحجب الثقة عن رئيسة البلاد، والتي حُجبت الثقة عنها من قِبل البرلمان بعد تحصيل المعارضة لأغلبية الأصوات وتم تعيين نائبها ميشال تامر الذي قال إن دورة الألعاب الأولمبية التي تستضيفها ريو دي جانيرو في أغسطس/ آب ستمنح البرازيل فرصة نادرة لتكشف للعالم وضعها السياسي والاقتصادي، وحث المواطنين على دعم حكومته كي تخرج البلاد من الأزمة السياسية الأخيرة.
فهل تحقق دورة الألعاب القادمة قفزة نهضوية للاقتصاد البرازيلي يستعيد بها بعضًا من قوته أم أن الألعاب بحد ذاتها لا تدعم الاقتصاد ولن تحقق شيئًا للبرازيل؟!
الألعاب تدعم الاقتصاد!
على الحكومات في هذه الأوقات العصيبة التي يمر بها الاقتصاد العالمي أن يخبروا شعوبهم بحقيقة استضافة البطولات الرياضية الكبيرة بدلًا من تقديم الوعود بتحقيق منافع اقتصادية من وراء بطولات مثل كأس العالم وبطولة الألعاب الأولمبية بشقيها الشتوي والصيفي، فالحقيقة المغيبة التي لا تعرفها الشعوب أن هذه البطولات تشبه “استضافة حفلة” كما يقول سايمون كوبر في مقال له في الفاينناشال تايمز، والشخص لا يقيم حفلة من أجل جني المال بقدر ما يقيمها من أجل الحصول على المرح والمتعة، وأغلب الناس يشاهدون الألعاب الأولمبية لأسباب رياضية وليس بسبب ما يصاحبها من مرافق.
هناك من أثبت هذه النظرية من كلية لندن للاقتصاد هما زيمانسكي وجورجيو عندما قدما دراسة حول المضيفين الأوربيين لمباريات كرة القدم، وجدا أن التعبير الذاتي عن الشعور بالسعادة بين السكان ارتفع بعد انتهاء الألعاب، وكذلك ارتفعت سعادة البريطانيين بعد الألعاب الأولمبية التي جرت في لندن على الرغم من الأزمة الاقتصادية، لذا إذا ساقت الحكومات حجة “السعادة” لاستضافة الألعاب خصوصًا في البلدان المتقدمة فإنها ستكون حجة جيدة ومقبولة، أما التذرع بـ “الازدهار الاقتصادي” والنمو والنهضة العمرانية وغيرها من الحجج الواهية فإنها لا تعتبر حجة جيدة اقتصاديًا وفيها من التضليل للشعوب ما يكفي لمعرفتها بعد انتهاء الألعاب وبقاء الأبنية والمرافق الرياضية الضخمة كـ “الفيلة” خاوية لا أحد يستخدمها.
تعتبر دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في مدينة سوتشي في روسيا 2014 الأكبر تكلفة في تاريخ اللعبة إذ بلغت تكلفتها الإجمالية نحو 50 مليار دولار
في البرازيل خرجت مظاهرات كبيرة للتنديد باستضافة بلادهم كأس العالم لكرة القدم في العام 2014 والألعاب الأولمبية التي ستقام في العام الجاري 2016 في ريو دي جانيرو، احتجاجًا على النفقات التي ستتحملها الحكومة في ظل وضع اقتصادي متردٍ للغاية يعاني منه اقتصاد البلاد، وعجز حقيقي من قِبل الحكومة لحل هذه الأزمة.
في الماضي لم تكن استضافة البطولات تحصل على كل هذه الضجة الكبيرة التي تحصل الآن، ففي العام 1984 كانت لوس أنجلوس المتقدم الوحيد لاستضافة الألعاب الأولمبية ومول القطاع الخاص كل الألعاب تقريبًا، كذلك في العام 1996 أجريت أغلب مباريات كأس العالم في ملاعب بالكاد تم تجديدها.
إلا أن الحداثة والتطور وحقوق المشاهدة غير من قواعد اللعبة كثيرًا فصار لزامًا على المضيف أن يزيد من تجهيز مرافق رياضية جديدة من ملاعب ومدرجات ومرافق مختلفة لإقامة الألعاب المتعددة الكثيرة، هذا غير السكك والقطارات والطرقات والحدائق والفنادق والمنتجعات وغيرها من مشاريع البنية التحتية في البلد المضيف من أجل تجهيزها لاستضافة عدد كبير من الجماهير في فترة زمنية محددة.
عادة يتذرع السياسيون لتبرير ارتفاع تكاليف التشييد والاستضافة أن الألعاب تدعم الاقتصاد من خلال جماهير الزوار الذين يأتون للتشجيع والتسوق والإقامة بالإضافة للدعاية السياحية للمدن والبلد بشكل عام والفوائد التي يمكن تحقيقها من الطرق والبنية التحتية والملاعب على المدة البعيد.
اليابان مثلًا تعاني منذ سنوات من ركود حاد تحاول التخلص منه من خلال استضافة الألعاب الرياضية، إذ وقع الاختيار على مدينة طوكيو لاستضافة الألعاب الأولمبية في عام 2020 وقال شينزو آبي رئيس وزراء اليابان عندما وقع الاختيار على طوكيو “أريد أن أجعل من الألعاب الأولمبية إشارة البدء في اكتساح 15 عامًا من الانكماش والتراجع الاقتصادي”.
إلا أن تلك الادعاءات والتبريرات التي يتذرع بها السياسيون لا حقيقة لها، فكل المرافق والملاعب والأبنية الفارهة والمكلفة تصبح لا فائدة منها بعد انتهاء المنافسات الرياضية، وهذا ما حصل في جنوب إفريقيا بعد استضافتها للبطولة في العام 2010 وحذر منه رئيس بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 قطر من “الفيلة البيض” في كأس العالم في إشارة إلى الملاعب الضخمة التي تبقى مهجورة وخالية ولا فائدة منها بعد إقامة البطولة.
كما أن الأشخاص الذين يأتون بهدف مشاهدة الألعاب يندر ما يأتوا بهدف السياحة ويتجنبون الأسعار العالية، وحصل أن انخفضت السياحة في أثينا في اليونان بنسبة 10% أثناء الألعاب الأولمبية 2004 لأن بعض الزوار اختاروا قضاء عطلتهم الصيفية في أماكن أخرى، أضف لذلك أن دخل المباريات الناتج أغلبه من حقوق البث التلفزيوني ورعاية الألعاب يذهب معظمه إلى اللجنة الأولمبية الدولية والفيفا.
وأكبر دليل على هذا هو ما قاله لويس سيلفا رئيس جمهورية البرازيل عندما فازت ريو دي جانيرو بتنظيم الألعاب الأولمبية عام 2016 ، “إن هذا النصر يبين أن البرازيل أصبحت دولة من الدرجة الأولى بين دول العالم”، ولكن ما حدث ويحدث في البرازيل لا يشي بذلك أبدًا فالبرازيل تعاني من أزمة اقتصادية حادة نجم عنها انكماش في الناتج الإجمالي المحلي، ولم تؤد أعمال البنى التحتية وغيرها من تحقيق نمو في الاقتصاد، كما أن الفساد المالي على عدة مستويات في الدولة أدى للإطاحة بالرئيسة، فضلًا عن خروج مظاهرات تندد باستضافة البلاد للألعاب في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، فبدلاً من إقامة الملاعب والمرافق يقول المواطنون لماذا لا تبني الحكومة المشافي والمدارس والمرافق الصحية بنفس الجودة التي تريدها الفيفا واللجنة الأولمبية التي تصب في نهاية المطاف لمصلحة البلد والمواطن.