لم يعد يفصل حركة النهضة التونسية عن عقد مؤتمرها العاشر، سوى يومين، مؤتمر استثنائي من المنتظر أن تطرح فيه الحركة رؤيتها المستقبلية، بعد مراجعات فكرية وسياسية وتنظيمية لمسيرتها السابقة التي استمرت لعقود.
ويؤكد قيادات الحركة أن مؤتمرهم يعقد في سياق تحديات كبرى تشهدها البلاد والمنطقة فضلاً عن التحديات التي تشهدها حركتهم، وتعد حركة النهضة القوة البرلمانية الأولى في تونس وأحد مكونات الائتلاف الحاكم.
حسمت حركة النهضة داخل مجلس شوراها الأخير جل النقاط الخلافية المتعلقة ببعض الجوانب الهيكلية والمضمونية التي ستطرحها خلال مؤتمرها العام الذي سيكون افتتاحه في القاعة المغطاة برادس، محافظة بن عروس، فيما ستكون أشغاله في الحمامات، محافظة نابل، بحضور الـ 1200 مؤتمرًا وحوالي 150 ملاحظًا، كما وقع تحديد القائمة النهائية بالضيوف وتتضمن حوالي 1000 ضيف 200 منهم من خارج تونس، فيما لم تحسم بعد بعض المسائل وبقيت محل تجاذبات من ذلك مسألة إعادة النظر في تركيبة الحزب وهياكله وكيفية اختيار أو انتخاب أعضاء المكتب التنفيذي ورئيس الحركة.
ويأتي مؤتمر النهضة التونسية العاشر في أوضاع استثنائية ليدشن مرحلة جديدة تدخلها النهضة بعد جهود طويلة من المراجعات والتقييم لتمحيص المبادئ الأساسية التي انطلقت الحركة لتحقيقها، والتثبت من حسن تقدير الموقف عند مؤسسات اتخاذ القرار فيها، وتقييم حجم النجاح والإخفاق في تحقيق أهدافها.
وقال الغنوشي في كلمة له توجه بها لقيادات الصف الأول للحركة (أعضاء الشورى والمكتب التنفيذي)، “إن إنجاز مؤتمر سياسي للحزب هو حدث استثنائي، والمؤتمر العاشر هو تتويج لمرحلة وطنية هامة في تاريخ البلاد وتاريخ الحركة”، وأضاف أن هناك انتظارات كبيرة معقودة على مخرجات ونتائج هذا المؤتمر محليًا ودوليًا للمكانة الهامة التي تحظى بها حركة النهضة لدى مختلف الأطراف.
واشتغلت لجنة إعداد المضمون لمؤتمر حركة النهضة منذ انطلاق عملها على تقييم تجربة الحركة والخروج بخلاصات ثم وضع استراتيجية الحزب والخيارات القادمة فيما يخص الهوية والقطع مع بعض الغموض الذي حصل في السنوات السابقة بخصوص الحزب.
انطلق مسار إنجاز المؤتمر العام في ديسمبر 2015 بتنظيم 279 مؤتمرًا محليًا و24 مؤتمرًا جهويًا و8 مؤتمرات قطاعية داخل البلاد وخارجها تمّ خلالها مناقشة مشاريع اللوائح وانتخاب نواب المؤتمر العام.
وتحاول الحركة أن تؤكد خلال مؤتمرها العاشر على أنها حزب وطني منفتح يشتغل على القضايا الكبرى لتونس، بقدر اشتغالها على قضاياها الداخلية.
وتتّجه حركة النهضة، في مؤتمرها القادم، إلى التخلّي عن العمل الدعوي والتفرّغ لمزاولة الشأن السياسي كما أقره مجلس الشورى مؤخرًا.
ويأتي هذا الفصل في سياق التطور الفكري والسياسي الذي تمر به الحركة، منذ بداية الربيع العربي، والذي ترك أثرًا واضحًا على قيادات الحركة وطريقة تفكيرهم، وتناولهم الشأنين السياسي والديني.
وسبق لرئيس الحركة راشد الغنوشي أن قال: “نحن بصدد التحول إلى حزب سياسي، يتفرغ للعمل السياسي، ويتخصص في الإصلاح، انطلاقًا من الدولة، ويترك بقية المجالات للمجتمع المدني ليعالجها، ويتعامل معها من خلال جمعياته ومنظومة الجمعيات المستقلة عن الأحزاب، بما في ذلك النهضة”.
وتسعى حركة النهضة من خلال اللائحة الاقتصادية والاجتماعية لمؤتمرها العاشر إلى أن تكون أداة من أدوات تحقيق الانتقال الاقتصادي والاجتماعي في تونس، وتحويل البلاد إلى نموذج للازدهار الاقتصادي في المنطقة.
وتتلخص اللائحة الاقتصادية والاجتماعية لحركة النهضة خلال مؤتمرها القادم في جعل تونس كنموذج للتنمية والعدالة والديمقراطية، والتزام الحركة بتحسين مستوى عيش التونسيين، ومقاومة الإرهاب والفساد والتهريب، فضلاً عن دعم التمييز الإيجابي بين الجهات، من خلال طرح مشروع وطني في المجالين الاقتصادي والاجتماعي بمشاركة كفاءات وخبراء من خارج الحركة.
وفي هذا الإطار تهدف اللائحة بحسب ما جاء في نصها إلى رسم الخيارات والتوجهات في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، ثم رسم الخطوط الكبرى للسياسات العامة والأولويات المطلوبة التي يبنى على أساسها لاحقًا البرنامج التفصيلي لمختلف القطاعات والمجالات.
وسيكون هذا المؤتمر الاستثنائي للحركة، مناسبة لامتحان جدي لقدرتها على المحافظة على وحدتها التنظيمية وإمكانية انسحاب بعض القيادات منها نتيجة التجاذبات في بعض المسائل على رأسها “هوية” الحركة” بين تيارين، واحد يتمسك بخطاب وأدبيات البدايات، وهو تيار أقرب الى نهج “الإخوان المسلمين ” ويرى أنه لا يمكن التفريط في البُعد “الدعوي”، باعتباره عنوان تجذرها، وتيار ثانٍ يقوده رئيس الحركة ومؤسسها راشد الغنوشي، يسعى للفصل والتخصص الوظيفي.
وشهدت حركة النهضة منذ تأسيسها 9 مؤتمرات، منها ثمانية كانت في السر قبل الثورة التونسية، بينما كان المؤتمر التاسع في يوليو 2012، أول مؤتمرًا علنيًا للحركة.