انخفضت أسعار الأسهم في بورصة وول ستريت وتلونت البورصات العربية بالأحمر لهذا اليوم؛ بسبب انخفاض حاد في أسعار الأسهم القيادية في السوق، وتأثر المستثمرون العرب بموجة هبوط البورصات الغربية فأثرت على أداء البورصات العربية.
تكاد نشرات الأخبار الاقتصادية لا تخلو من هذا المفهوم الذي قد يصعب فهمه على العامة علمًا أن البورصة أصبحت تعد مرآة الاقتصاد لما تؤثره على الحالة الاقتصادية للبلد، فما هي البورصة؟ وما هي إيجابياتها وسلبياتها؟
ما هي البورصة؟
أصل استخدام الكلمة يعود إلى القرن الـ15 في بلجيكا مع عائلة “فان در بورصن” البلجيكية التي تعمل في مجال البنوك، إذ اتفق التجار على أن يكون الفندق الذي تملكه العائلة في مدينة بروج مكانًا لالتقاء التجار المحليين يتبادلون فيه السلع المختلفة بين بعضهم البعض ويتفاوضون على الأسعار، ومع مرور الوقت أصبح هذا المكان رمزًا بين التجار لتبادل السلع وأُطلق عليه البورصة نسبة لأصحاب الفندق.
لا زالت البورصة تؤدي دورها الرئيسي وهو تحديد الأسعار بين الناس الذين يرغبون بالشراء وآخرين ممن يودون البيع، إلا أنها توسعت كثيرًا في تقديم خدمات أخرى عبر الهندسة المالية التي جاء بها رواد الاقتصاد في كل وقت وحين.
التعريف الأقرب واقعية للبورصة اليوم هو أنها سوق لا يتم فيها تبادل السلع والبضائع على اختلافها بشكل حقيقي، بمعنى أن الذي يتم تداوله في السوق ليس أصولًا حقيقية بل هي أوراق مالية أو أصول مالية عبارة عن أسهم وسندات تعود لحصص في الشركات، المصانع، البنوك، والحكومات، ويقوم المستثمرون بشراء وبيع تلك الأسهم والسندات بأسعار معينة وفق توقعات وتحليلات استند إليها المستثمر.
والبورصة سوق لها قواعد قانونية وفنية تحكم أدائها منذ اختيار الشركة التي تريد طرح أسهمها للبيع في البورصة إلى تنظيم عمليات التداول من الشراء والبيع بين المستثمرين، وقد يتعرض المستثمر لخسارة كبيرة إذا استند على بيانات وتوقعات خاطئة أو غير دقيقة أو إذا أساء تحليل تلك البيانات.
وتعمد هيئة البورصة إلى تصنيف الشركات في البورصة من الشركات المالية والبنوك إلى شركات صناعية وشركات تقنية واتصالات وشركات زراعية وغذائية وغيرها، وقد تفرد الهيئة مؤشرًا لأكبر الشركات في البلد أو حسب التخصص؛ فيضم مؤشر داو جونز مثلًا أكبر 30 شركة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويمثل المؤشر أهم الشركات مثل ماكدونالدز وكوكاكولا ويتم قياسه عن طريق حساب المتوسط الحسابي البسيط لأسعار أسهم الشركات الداخلة فيه.
في حين أن مؤشر ستاندرد آند بورز يضم 500 شركة أمريكية ولا يشمل قطاعات معينة بل يضم مختلف الشركات التي تدرج أسهمها في البورصات الأمريكية مثل بورصة نيويورك وبورصة ناسداك، ويفرض المؤشر شرطًا على الشركات التي تود الانضمام للمؤشر من أهمها أن تكون القيمة السوقية للشركات أكثر من 5 مليارات دولار.
بينما يشير مؤشر ناسداك المركب إلى جميع الشركات المدرجة في بورصة نيويورك والتي تبلغ 3000 شركة ويضم معظم شركات التقنية والتكنولوجيا مثل غوغل وأبل.
ما أهمية البورصة؟
تناولت مدارس الاقتصاد على مختلف مذاهبها وأفكارها دور البورصة وأهميتها في بناء المجتمع والاقتصاد القومي ويرى الليبراليون أن سوق البورصة له دور أساسي في تأمين السيولة اللازمة لتبادل الأسهم المطروحة في السوق الأولية، إذ يستطيع مالك السهم أن يبيع سهمه متى شاء في سوق البروصة عبر السماسرة العاملين في هذا المجال، ويتحدد سعر السهم بحسب العرض والطلب على السهم.
ومن الفوائد المهمة للبورصة جمع السيولة النقدية اللازمة لنمو الشركات، حيث تمول الشركات نشاطاتها التوسعية من خطوط الإنتاج وزيادة الحصة السوقية والاندماجات والاستحواذات وغيرها عبر سحب سيولة من سوق البورصة، وفي نفس السياق أيضًا تستفيد الحكومات من البورصات لجمع أموال تلزمها لسد العجز في الموازنة عبر طرح سندات وبيعها للمستثمرين لقاء فائدة محددة.
بالإضافة إلى هذا تُستخدم لتحفيز المدخرات على الاستثمار فبدلًا من وضع الأموال في المصارف وأخذ فائدة عليها نهاية كل مدة معينة، يتوفر خيار استثمار تلك الأموال في سوق البورصة من خلال شراء الأسهم والسندات في مختلف القطاعات الاقتصادية المختلفة، وبهذا يساهم بنفسه في نمو اقتصاد البلد وتنمية المجتمع من خلال استثمار أمواله عوضًا عن إيداع أمواله في البنك وانتظار الفائدة المستحقة عليها.
كما أن هناك مميزات وسمات يتميز بها سوق البورصة منها أن الأسعار تعكس كافة المعلومات المتاحة في السوق وبالتالي فإن عملية التسعير تجري بشكل كفء، كما أن استمرارية السوق وعمقها ووجود عدد كبير من المتداولين الذين يرغبون دائمًا إما بالشراء أو البيع يتيح سيولة متوفرة دائمًا للمستثمر.
مساوئ وسلبيات البورصة
يقول الاقتصادي جون ماينارد كينز في وصف البورصة إنها أشبه بمسابقة الجمال أي أن الربح في البورصة يقتضي ألا تشتري أسهم الشركة الأكثر ربحًا بل أسهم الشركة التي يظن الجميع أنها تحقق ربحًا أكثر، وبالتالي فإن الشركة لا تحتاج أن تكون رابحة بل قد توهم المستثمرين من خلال الدعاية والإعلان أنها جيدة، ويعتقد الأكثرية أنها رابحة ما يزيد من ثقة المساهمين بأسهمها علمًا أنها على أسس وهمية وليست واقعية، لذا توصف البورصة أنها منقطعة عن الواقع.
إحدى السلبيات التي يتصف بها سوق البورصة أنها تسحب السيولة المتوفرة عن الاقتصاد الحقيقي فيظهر تباطؤ في الاقتصاد مقابل صعود مؤشر سوق البورصة بسبب توجه مدخرات الأفراد للاستثمار في البورصة.
وقد يؤدي الدخول الخاطئ وغير المرتكز على علم في البورصة إلى ضياع مدخرات ورأس مال الفرد بسبب استثمار خاطئ أو الدخول في مضاربة تودي به إلى الإفلاس، فضلًا أن البورصة تبعث عند الشخص شعورًا بالخمول والكسل والتراخي؛ فالاستثمار في البورصة لا يحتاج أي جهد أو فتح شركة وتوظيف موظفين ورواتب وتراخيص وأشياء مشابهة.
علاوة على ما سبق فإن أخطر شيء في سوق البورصة هو تحول المستثمرين من الاستثمار إلى المضاربة بهدف الحصول على الفارق بين سعر الشراء وسعر البيع فلا يساهم هذا في نشاط الشركة ولا نشاط الاقتصاد لذا لا يعد الاستثمار في سوق البورصة منتجًا للثروة كما التجارة والزراعة والصناعة.