وافق مجلس الشيوخ الأمريكي، أمس الثلاثاء، على مشروع قانون أثار جدلًا واسعًا يقضي بالسماح لذوي ضحايا هجمات الـ11 من سبتمبر 2001 بمقاضاة المملكة العربية السعودية لدورها المزعوم في تلك الأحداث.
وقد هددت السعودية في وقت سابق الحكومة الأمريكية حسبما كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” ببيع سندات خزانة وأصول أخرى بالولايات المتحدة قيمتها 750 مليار دولار، في حال إقرار الكونجرس لمشروع قانون يحمل المملكة مسؤولية معينة في اعتداءات 11 سبتمبر.
وقالت الصحيفة في تقرير لها إن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أبلغ مشرعين أمريكيين في مارس الماضي، أن “السعودية ستجد نفسها مضطرة لبيع سندات خزانة وأصول أخرى بالولايات المتحدة قيمتها 750 مليار دولار خشية أن تتعرض للتجميد بأوامر قضائية أمريكية.”
حيث مشروع القانون، الذي مررته اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ في وقت سابق من العام الجاري، ووافق عليه المجلس بالأمس ويقضي بحرمان الحكومات الأجنبية من الحصانة في القضايا “الناجمة عن هجوم إرهابي يقتل فيه أمريكيون على أراض أمريكية.”
وكانت التهديدات السعودية محور نقاش محتدم في الأسابيع الأخيرة بين مشرعين ومسؤولين بالخارجية والبنتاجون، في ظل محاولات من البيت الأبيض لمنع تمرير القانون نهائيًا، حيث لا يزال مشروع القانون بانتظار تمريره من قبل مجلس النواب، في الوقت الذي يؤكد فيه البيت الأبيض على معارضته التامة لهذا القانون.
أحد أسباب الشروع في إصدار مثل هذا القانون كان رفض القضاء الأمريكي لدعاوى ضد السعودية أقامتها أسر ضحايا الهجمات، بسبب تمتع السعودية بحصانة سيادية من مطالبات بالتعويض من الأسر، وشركات التأمين التي غطت الخسائر التي مني بها مالكو المبنى والشركات في أحداث سبتمبر.
ومشروع القانون هذا الذي يُطلق عليه “العدالة ضد راعي الإرهاب،” إذا مرر نهائيًا سيمنع السعودية ودول أخرى ممن يشتبه بارتباطها بالإرهاب بالاحتماء بالحصانة الأجنبية في المحاكم الفيدرالية الأمريكية.
أوباما يلوح باستخدام الفيتو
عقب إقرار القانون من قبل مجلس الشيوخ خرج المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست ليؤكد أن: “هذا التشريع سيغير قانونًا دوليًا قائمًا منذ أمد بعيد فيما يتعلق بالحصانة السيادية”.
وأضاف: “لا يزال رئيس الولايات المتحدة يشعر بمخاوف جدية من أن هذا التشريع من شأنه أن يجعل الولايات المتحدة عرضة للخطر في نظام المحاكم الأخرى في مختلف أنحاء العالم”.
وقد سبق أن أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عشية زيارته الأخيرة إلى السعودية، معارضته لمشروع هذا القانون. وأكد البيت الأبيض أن أوباما لن يتوانى عن استخدام الفيتو ضد مشروع القانون إذا ما أقره الكونجرس.
وأوضح إيرنست في حديثه أن الولايات المتحدة لديها التزامات في الخارج “أكثر من أي دولة أخرى في العالم” خصوصًا عبر عمليات حفظ سلام أو عمليات إنسانية، وتعتبر أن إعادة النظر في مبدأ الحصانة يمكن أن يتسبب بمخاطر للعديد من الأمريكيين ولدول حليفة.
بداية القصة
القصة بدأت من عند زكريا الموسوي الفرنسي المدان بعلاقته باعتداءات الحادي عشر من سبتمبر والذي يعرف باسم “قرصان الجو الـ20″، الذي أكد لمحامين أمريكيين في فبراير الماضي أن أفرادًا من العائلة المالكة السعودية دفعوا ملايين الدولارات للقاعدة في التسعينات.
ورغم أن السفارة السعودية نفت على الفور صحة هذه المعلومات، إلا أن السناتور الديمقراطي شاك شومر ونظيره الجمهوري جون كورنين تعاونا في تقديم مشروع القانون ضد المملكة العربية السعودية، ومنذ ذلك الوقت تفجرت الأزمة.
وقد ظهرت تصريحات لكبير مراسلي شؤون الأمن القومي الأمريكي، جيم سكيوتو، أكد فيها أن الصفحات المحجوبة من تقرير لجنة التحقيق حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد تحمل أدلة حول معرفة مسؤول سعودي واحد على الأقل لمنفذي الهجمات، ولكن القضية تتعلق بمدى التأكد من تصرفه بشكل منفرد، محذرًا من أن التوتر بين واشنطن والرياض قد يهدد علاقات تحالف طويلة الأمد بينهما.
بينما يتساءل البعض هل هناك دليل قاطع يشير إلى معرفة أو تمويل أو دعم الحكومة السعودية لمختطفي هجمات الحادي عشر من سبتمبر؟ أم أنها تشير إلى أن أثرياء سعوديين دعموا تلك الهجمات، في حين أن الأمر ليس واضحًا تمامًا.
السعودية في مأزق: هل تنتفض؟
تعيش السعودية حاليًا في مأزق يتعلق علاقتها بالحليفة الاستراتيجية أمريكا، والموقف السعودي من هذا القانون غير واضح حتى اللحظة، فبينما تتعامل الولايات المتحدة بجدية مع تهديدات السعودية بسحب استثماراتها من الأصول الأمريكية، وقد كشفت مصادر في القطاع المصرفي أن السعودية تمتلك أصولًا وسندات في الولايات المتحدة الأمريكية تزيد قيمتها على 633 مليار دولارتتوزع ما بين أصول ملموسة وغير ملموسة.
ورغم ذلك خرج وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لينفي تهديده الولايات المتحدة الأمريكية بسحب استثمارات المملكة في حال أقر مشروع القانون الذي يسمح لذوي ضحايا الهجمات الإرهابية بمقاضاة حكومات أجنبية.
ولكنه انتقد مشروع القانون حينها قائلًا: “مشروع القانون الأمريكي ينزع الحصانات السيادية، وهو ما سيحول القانون الدولي إلى قانون الغاب، والإدارة الأمريكية عارضت مشروع القانون، وسيعارضه كل بلد في العالم” .
ولفت وزير الخارجية السعودي وقتها إلى أن بلاده “لا تستخدم السياسات النقدية والخاصة بالطاقة لأغراض سياسية، وحين نستثمر نقوم بذلك كمستثمرين، وحين نبيع النفط نبيعه كتجار.”
إلا أن القانون مر في مرحتله الأولى ولا زالت ردود السعودية باهتة على هذا الأمر، ربما مرتهنة إلى تعهدات أوباما بمنع تطبيق القانون باستخدام حق الفيتو، لكن الأمر قد يكون متعديًا لأوباما الذي انتهت ولايته، لتتوجه الأنظار إلى موقف المرشحين الأمريكيين الحاليين للرئاسة ولا سيما الديمقراطيين منهم المؤيدين للقانون، حيث تؤيد القانون هيلاري كلينتون الأقرب لتمثيل الديمقراطيين في مارثون الرئاسة، وكذلك منافسها بيرني ساندرز، وليست السعودية في حاجة لمعرفة رأي ترامب في هذا المشروع.
وهذا ما يعني أن السعودية ربما تواجه معاناة من هذا المشروع الذي يراه بعض السعوديون ابتزازًا للمملكة، ويؤكد محللون أن القانون بلا شك مهدد لعلاقة السعودية بالولايات المتحدة في هذه الفترة، وربما من المنتظر هبة سعودية في مواجهة هذه التوجهات الأمريكية، لكن ثمة وجهة نظر أخرى تقول إن المملكة ستتعامل بعقلانية شديدة مع الأمر، وقد ظهر ذلك واضحًا في تراجع الجبير عن تصريحاته المهددة للولايات المتحدة والعودة إلى مربع الدبلوماسية التي يعتقد أنها التي ستنهي هذا المشروع.