أعلن حزب العدالة والتنمية ظهر اليوم ترشيحه لوزير المواصلات والاتصالات والبحرية بن علي يلدرم كرئيس للحزب والحكومة خلفًا لأحمد داوود أوغلو، وذلك بعد انتهاء الجمعية العمومية التي عُقدت صباح اليوم لاختيار رئيس الحزب الجديد من بين عدة مرشحين كان أبرزهم وزير العدل بكير بوزضاغ والمتحدث باسم الحكومة نُعمان قورتولموش ووزير الدفاع عصمت يلماز.
كان اسم يلدرم قد تصدّر استطلاعًا للرأي داخل الحزب قبل أيام وفقما صرح نائب رئيس الحزب للشؤون التنظيمية مصطفى أطاش، حيث قامت الهيئة العُليا للحزب بسؤال أعضاء الحزب من أصحاب المناصب التنفيذية وعُمَد الولايات المختلفة ونوابهم ورؤساء الأقاليم، عن المرشح الذي يودون رؤيته كرئيس بعد داوود أوغلو، ليخرج بن علي يلدرم في المركز الأول بحصوله على 329 صوتًا، بينما حل نُعمان قورتولموش ثانيًا وبكير بوزضاغ ثالثًا.
من هو بن علي يلدرم؟
وُلِد بن علي في مدينة رِفاهية بولاية أرزينجان لعائلة تركية وتلقى تعليمه في الكلية البحرية التابعة لجامعة إسطنبول التقنية ليتخصص في مجال الهندسة والعلوم البحرية، قبل أن يحصل على شهادة الماجستير من الجامعة البحرية الدولية في مدينة مالمو بالسويد في مجال السلامة البحرية وحماية البيئة عام 1991، والتي درس خلالها إدارة المجال البحري في مختلف الدول الأوروبية على مدار ستة أشهر.
شغل يلدرم خلال تلك الفترة الطويلة بين عامي 1978 و1993 مناصب مختلفة في الإدارة العامة لصناعة السفن، قبل أن ينتقل للعمل مع رجب طيب أردوغان، عُمدة إسطنبول الجديد أنذاك، كمدير عام لشركة السفن السريعة التابعة لولاية إسطنبول (IDO) بين عامي 1994 و2000، وهي الفترة التي شكلت العلاقة بينهما لتستمر بينهما على رُغم بقاء يلدرم في منصبه بالشركة بعد خروج أردوغان من عُمودية إسطنبول عام 1998 وحل حزب الرفاه إثر تدخل عسكري ناعم ضد حكومة أربكان.
ثلاث سنوات فقط فصلت بين ذلك التدخل العسكري وتأسيس حزب العدالة والتنمية بقيادة عبد الله غُل ورجب طيب أردوغان، وهو تأسيس شارك فيه بن علي يلدرم باعتباره عضو سابق بحزب الرفاه، ليتبعه انتصار الحزب في انتخابات عام 2002، والذي بدأ معه عهد الحكم الطويل والمستمر حتى الآن للحزب، وهي سنوات ظل بن علي يلدرم فيها راسخًا في منصبه كوزير للمواصلات والاتصالات، بداية من حكومة عبد الله غُل القصيرة في نوفمبر 2002، والتي باشرت أعمالها حتى خروج أردوغان من سجنه في مارس 2003.
كنائب برلماني عن مدينة إسطنبول بين عامي 2002 و2007، وعن مسقط رأسه أرزينجان بين عامي 2007 و2011، وعن مدينة إزمير بين عامي 2011 و2015، وأخيرًا عن إزمير مرة أخرى في الانتخابات الأخيرة، باشر بن علي يلدرم مهامه كمهندس العصر الذهبي للبنية التحتية التركية كوزير للاتصالات والمواصلات، باستثناء الفترة بين عامي 2013 و2015 والتي قرر فيها ترك الحكومة بالنظر لعدم إمكانية ترشحه لمرة ثالثة على التوالي بالبرلمان (وفق اللائحة القديمة لحزب العدالة والتنمية) وخوض انتخابات عمودية مدينة إزمير عام 2014، وهي المعقل الأول لحزب الشعب الجمهوري العلماني، ليخسر أمام خصمه عزيز قوجه أوغلو، ثم يعود لمنصبه في حكومة داوود أوغلو بعد انتخابات نوفمبر.
مهندس البنية التحتية التركية
يلدرم إلى جانب أردوغان وداوود أوغلو أثناء تدشين الجزء الأخير من جسر البوسفور الثالث
خلال سنوات وزارته الطويلة، علاوة على سنواته كمدير عام شركة السفن بإسطنبول، حققت تركيا ومدينة إسطنبول بالتحديد قفزات كبرى في مجال البنية التحتية بتدشين مجموعة كبيرة من المشاريع، منها توسيع أسطول شركة سفن إسطنبول وموانئها لتصبح شركة النقل البحري الأكبر في العالم من حيث عدد سفنها وأعداد ركابها سنويًا، ومنها بالطبع مشروع مرمراي الأبرز في إسطنبول، وهو خط مترو الأنفاق العابر تحت مياه البوسفور ليصل بين جزئيها الأوروبي والآسيوي، ومشروع القطارات السريعة الثلاثة إسطنبول-أنقرة وأنقرة-قونيا وأنقرة-إسكي شهير، وبناء الجسر المعلّق عبر خليج إزميت الممتد لأكثر من 2 كيلومتر ليصل بشكل أقصر بين إسطنبول وإزمير والذي سيتم افتتاحه هذا العام ليصبح رابع أطول كبري معلق في العالم.
علاوة على ذلك أشرف يلدرم على بناء أكثر من 17 ألف كيلومتر من الطرق الجديدة، وزيادة عدد المطارات في تركيا من 26 إلى 55، وتحويل خطوط الطيران التركية لأفضل شركة طيران في أوروبا والشركة صاحبة أكثر عدد من الوجهات عالميًا، وتوسيع خطوط المترو والترام بمدينة إسطنبول من ثلاثة عام 2004 إلى 12 بحلول 2020، وهي قائمة ستُضاف لها قريبًا إنجازات المطار الأكبر في العالم الذي يُنتظر الانتهاء منه عام 2018 بشمالي غربي إسطنبول والذي سيسع لمائة وخمسين مليون مسافر سنويًا، وجسر السلطان سليم المعلّق وهو الجسر الثالث العابر للبوسفور، ونفق أوراسيا للسيارات المار تحت البوسفور أيضًا لتخفيف الاختناق المروري في المدينة.
في مجال الاتصالات شهدت تركيا في عهد يلدرم توسع القطاع ونموه بشكل سريع وغير مسبوق، حيث زاد في عهده مستخدمو المحمول من 23 مليون إلى 72 مليون، ومستخدمو الإنترنت اللاسلكي من بضعة آلاف إلى أكثر من أربعين مليون، كما تضاعفت قيمة التجارة الإلكترونية من 900 مليون ليرة تركية إلى 18.9 مليار ليرة تركية.
الراية تنتقل من أوغلو إلى يلدرم
“أود أن أوجه جزيل الشكر إلى رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو، والذي تسلم منصبه من مؤسس الحزب، على جهوده،” هكذا تحدث يلدرم اليوم بعد إعلان اسمه مباشرة في حديث بمقر الحزب الرسمي في أنقرة، وهو حديث تطرق فيه بشكل مباشر لملف محاربة الإرهاب في جنوبي شرقي البلاد باعتباره أولوية الحكومة حاليًا، حيث يقوم الجيش التركي بمواجهة حزب العمال الكردستاني منذ عام تقريبًا، “إننا عازمون على استئصال لعنة الإرهاب من تركيا،” كذلك تعهّد يلدرم.
هي كلمات ستتبعها مباشرة أفعال واضحة كما انتشرت الأنباء في الصحف التركية إبان إعلان اسم يلدرم كرئيس للحزب، بل وقبل الإعلان في الحقيقة، حيث أفادت مصادر مختلفة بأن بن علي يلدرم يستعد للتوجه إلى مدينة ديار بكر الأهم في المناطق الكردية بالجنوب الشرقي في أول تحرك سياسي له كقائد فعلي للحزب، وذلك لزيارة عوائل الشهداء الذين قتلوا على يد حزب العمال الكردستاني مؤخرًا، في إشارة واضحة لعدم إبداء الحكومة أي تراجع بخصوص الحرب على الحزب الكردي، وعدم وجود أية نية حاليًا لفتح باب الحوار ووقف القتال كما ألمح داوود أوغلو سابقًا قبل أشهر في واحدة من النقاط التي أدت لاختلافه مع أردوغان.
بإعلان اسمه اليوم، تنتقل رئاسة الحزب بشكل فعلي إلى بن علي يلدرم، بينما يُنتظر من أحمد داوود أوغلو تقديم استقالته لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، ليقوم الأخير بدعوة رئيس الحزب الجديد لتشكيل حكومة جديدة وفق ما ينص عليه الدستور التركي، والتي ستكون الحكومة الخامسة والستين في تاريخ الجمهورية، وهي حكومة يتوقع أن تكون أكثر تناغمًا في العمل مع رئاسة الجمهورية بالنظر للعلاقة الوطيدة والطويلة بين يلدرم وأردوغان، وكذلك بالنظر لكون يلدرم شخص تنفيذي إداري بالدرجة الأولى لا سياسي مثل عبد الله غُل وداوود أوغلو، وهو ما يرجح المحللون اعتباره خطوة أخرى في الطريق نحو النظام الرئاسي بوجود القيادة الفعلية سياسيًا في الرئاسة في حين تنتقل رئاسة الحكومة لشخص إداري كفء.