يعتبر فصل الصيف من الفصول المرتقبة لدى شريحة كبيرة من الناس، وهو من الفصول التي تتوالد فيه الأفكار والمخططات لأجل قضاء أجمل الأوقات والتمتع بالذهاب للأماكن الترفيهية التي توفر لزوارها الراحة والهدوء والاستجمام؛ ولكن هذا الحال مغاير تماماً بالنسبة لأهالي قطاع غزة، وبالتحديد ممن يسكنون فيما يعرف ب “الكرفانات” الكائنة في بلدة “خزاعة” شرق محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، فهي بمثابة المأوى الذي يحميهم من حرارة الصيف وبرد الشتاء، فمعاناتهم متجددة وأحلامهم بسيطة، وأمنياتهم تتلخص في البحث عن حياة كريمة، فحياتهم أصبحت تزداد سوءا بعد استقبالهم ضيفاً لا يرغبون بقدومه، إنه فصل الصيف الذي يقسوا عليهم بحرارته التي لا تطاق، بحيث حوّل حياتهم اليومية إلى ما يعرف بالعيش داخل الجحيم.
نظرة عن كثب
وخلال التجول في تلك البلدة والنظر إلى الأهالي ممن يسكنون تلك “الكرفانات” فإنك تقرأ على وجوهم قصصاً إنسانية فحواها “نحن نتألم”، صراحة لم أجد الكلمات التي تُعّبر عن الحالة التي يعيشها الأهالي هناك، يعيشون في أشباه بيوت تفتقر إلى متطلبات الحياة الإنسانية، وحول ذلك تروي أم محمد (47) عاماً “إننا في اليوم الواحد نعاني ويلات عديدة تتمثل في اشتداد الحر بحيث يتحول بيتي في النهار إلى “فرن” بحيث يصعب علينا عمل أي شيء داخل بيوتنا الضيقة”، وتستطرد قائلة “يصعب علينا الطبخ أو الشطف أو الغسيل إضافة إلى الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي لساعات طويلة، أضف إلى ذلك كثرة الجرذان التي تخرج علينا حينما يحل المساء،” وتُكمل قائلة “نضطر خلال الليل للخروج من بيوتنا “الكرفانات” حتى نستبرد قليلاً ليسهل علينا النوم.”
حالة مشابهة
وتعتبر معاناة الحاج محمود (64) غير مختلفة عما ذُكر سابقاً، بحيث يضيف “أننا بحاجة ماسة للنظر في أوضاعنا الصعبة، فبيوتنا لا تصلح للعيش الآدمي وينقصها كثير من المستلزمات الأساسية، “ولو وضعت الموز داخلها لنضج”، لأجل ذلك أصبحت لا أدخل بيتي إلا للضرورة، وأبقى طيلة وقتي في “عريشتي” المصنوعة من جريد النخل، كل ما نريده هو إيجاد حل سريع وفوري لمعانتنا التي طالت مدتها يوما بعد يوم”، بهذا الرجاء ختم الحاج محمود كلماته التي تعتبر بمثابة رسالة قام بتوجيهها للجميع، أي إلى الكل الفلسطيني، وذلك لتحّمل مسؤولياتهم والنظر في أمورهم بشكل سريع وعاجل.
سؤال حائر
ولعلنا نتساءل ما الذي دفع أهالي شرق خانيونس للعيش بهذه “الكرفانات” في مثل هكذا ظروف؟ ونُجيب على هذا السؤال مستذكرين العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة عام 2014م الذي كان بمثابة السبب الرئيسي حول معانتهم، بحيث تسبب العدوان بتشريدهم من بيوتهم قصراً ومن ثم الإقدام على قصفها بالطائرات الحربية وقذائف الدبابات الملتهبة، والسبب الآخر يكمن في تأخر عمليات البناء والإعمار لقطاع غزة نتيجة الإعاقات المتكررة من الجانب الإسرائيلي، بحيث كل فترة وأخرى يقوموا بمنع إدخال “الإسمنت” الذي يعتبر بمثابة العجلة المحركة للإعمار، ومما لا يخفى على أحد وجود الحصار المطبق على غزة منذ حوالي 10 سنوات، جميع الأسباب السابقة كانت حاضرة وفرضت نفسها جلية لتكشف عن واقع مرير يعيشه أهالي “الكرفانات”.
والحل يكمن
إذن نحن نتحدث عن معاناة ساهمت حرارة الصيف بتعريتها وكشفها وإظهارها لجميع الأطراف والفصائل الفلسطينية؛ لكي تبادر في حلها والحل يكمن بضرورة إنهاء الخلافات بين جميع الأطراف الفلسطينية أي إنهاء الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، وهذا يساهم في القضاء على حالة تبادل الاتهامات فيما بينهم، ويجعلهم يفكرون في إيجاد حلول جذرية لمثل تلك المعاناة وغيرها، مما يدفع نحو الاستقرار وذلك من خلال تكاثف الجهود والمساعي المشتركة التي تهدف بشكل أساسي إلى توفير حياة كريمة تليق بالمواطن الفلسطيني في قطاع غزة.