محمد شفيق غربال.. رجل التاريخ

المؤرخ المصري الكبير محمد شفيق غربال(4يناير 1894-19 أكتوبر 1961م)، هو رائد الدراسات التاريخية العلمية في مصر، وأهم أعلام المدرسة التاريخية العلمية الحديثة لكتابة تاريخ مصر الحديث والمعاصر، حسب ما يشير كل تلاميذه ومتابعوه
مثلت كتاباته نموذجاً للكتابات الرائدة الموثقة التي عالجت فترة مهمة من تاريخ مصر والعالم العربي، أو كما وصفها الدكتور أحمد عبد الرحيم مصطفى” ثورة في المنهج التاريخي في المشرق العربي”. حتى أن جريدة التايمز البريطانية وصفته عند وفاته باعتباره”أفضل وأكثر رموز مؤرخي مصر في العصر الحديث الذين يحظون بالاحترام”، واعتبره أنتوني جورمان في كتابه “المؤرخون والدولة والسياسة في مصر القرن العشرين”.”أحد أهم ثلاثة مؤرخين مصريين قدموا أفكار تاريخية جديدة، وأسهموا في تشكيل سياسة التعليم العام في مصر.
نبذة عن تاريخه وتراثه
ولد محمد شفيق غربال في 4 يناير 1894م، في مدينة الاسكندرية، في الحي الذي حمل اسم عائلته”غربال”.وأتم تعليمه الابتدائي والثانوي بالاسكندرية، ثم دخل مدرسة المعلمين العليا سنة 1912، ليسافر بعدها إلى انجلترا ليحصل على البكالويوس الدرجة الممتازة في الآدابB.P، والتي عاد إليها مرة أخرى ليحصل على ماجستير في العلوم التاريخية تحت إشراف المؤرخ العالمي”توينبي”.ثم يعود ليشتغل بالتدريس في التعليم الثانوي بمدارس الاسكندرية لمدة 3 سنوات.
شغل غربال وظيفة أستاذ التاريخ في مدرسة المعلمين العليا، ثم انتقل للجامعة المصرية أستاذا مساعدا للتاريخ الحديث في كلية الآداب، ثم وكيلا للكلية وعميدا لها لعدة أشهر، ثم غادرها لتعيينه وكيلا مساعدا لوزارة المعارف سنة 1940م، ثم وكيلا لوزارة الشؤون الاجتماعية، ليرجع مرة ثانية وكيلا لوزارة المعارف حتى بلوغه سن الستين.
كتبه ودراساته وترجماته
خلف غربال دراسات وكتب عن “المسألة المصرية وظهور محمد علي” و”الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس ومشروع استقلال مصر” وتحقيق مخطوطة “ترتيب الديار المصرية في عهد الدولة العثمانية”، و”محمد علي الكبير” و”تاريخ المفاوضات المصرية”، و”تكوين مصر، و” من زاوية القاهرة”- وترجم كتاب”المدينة الفاضلة للمؤلف كارل بيكر” .هذا بالإضافة لمقدماته للكتب ومقالاته وبحوثه المتعددة والتي جمعها الدكتور حسام عبد الظاهر، ونشرها مركز تاريخ مصر المعاصر في مجلدين تحت عنوان”تراث محمد شفيق غربال”.
رسالة المؤرخ
من أهم ميزات غربال كمؤرخ أنه كان وقافاً عند حدود مهنته، محترماً لمهنيته، حريصاً عليها، وهو ماجعله يصف نفسه عندما كتب سيرته الذاتية بقوله”أنا لا أصنع التاريخ، ولكني أكتبه”.
ومن هذا المنطلق، يرى غربال أن رسالة المؤرخ هي “الدعوة إلى النظر لأحوال البشرية ممثلة في أممها وشعوبها وأقوامها واجتماعاتها نظراً يقوم على عرض تلك الأحوال عرض تطور وتعاقب في الزمان بشكل علمي منهجي منفتح على كافة وجهات النظر المفسرة للتاريخ”.
غربال يتحدث عن نفسه
يقول في معرض حديثه عن حياته: ” علمت نفسي أن أتعلم من الحياة، أنها تستحق أن أحياها..ولم أتعلم الدرس من حياتي أنا بالذات وحدها، ولا من حياة جيلي وحده..بل كان معلمي الإنسانية، كما احتوتها دنيا التاريخ وجعلتها دنياي، أعمارها عمري وأجيالها جيلي، وناسها أجمعون معاصري..ومن هذا السجل المبسوط تعلمت أن الحياة تستحق الحياة…
“درست التاريخ الحديث لطلبة الماجستير، وساعدت طلبة الدكتوراه في تحضير رسالاتهم عن فروع التاريخ المختلفة .. وأحس بطوفان من السعادة كلما صادفت في الطريق أحد تلاميذي..و”عشت 32 عاما لم تنقطع فيها صلتي بالتدريس..كنت كلما شدتني مناصب الوزارة بعيدا عن مدرجات الطلبة، أعود إليها منتدبا أو أستاذا غير متفرغ”.
من أقواله
- ليس درس التاريخ درس معلومات بل هو درس تدريب عقلي وخلقي.
- لابد لفهم التاريخ العربي من فهم التواريخ التي ألتقت به .
- مصر تسمو فوق هامات الحقب والعصور.
- الإسلام دين وجامعة وثقافة، والعروبة صورة خاصة من الجامعة الإسلامية والثقافة الإسلامية.
- كلما أطال الإنسان التفكر، كلما آمن بأن لغة العرب كانت من أعظم ما خلق العرب لماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم.
- لئن أخفق محمد علي في تحقيق مشروعه الخطير: إحياء القوة العثمانية، فقد وضع قواعد الدولة المصرية على أساس مكين.
- فلا نعرف بلدا يتأثر أهلوه بالحاكم صالحاً أو فاسداً كما يتأثر أهل مصر.ولا نعرف بلداً يسرع إليه الخراب إذا ساءت إدارته كمصر.
- لكل عصر محاسنه ومساوئه، ولا يوجد ولن يوجد عصر كامل من كل النواحي..إلا في الجنة طبعاً.
- للحضارة الغربية مآثر رائعة حقاً، ولكن ما ثمنها؟ ثمنها مسجل في صفحات سود مسطرة في كتاب الاستعمار.
تلاميذه
أعلام المدرسة التاريخية المصرية الكبار،كلهم تلاميذ في مدرسة محمد شفيق غربال ..أحمد عزت عبد الكريم وعبد العزيز الشناوي ومحمد رفعت وأحمد الحته وحسن عثمان وعلي الجريتلي ومصطفى عفيفي وأبو الفتوح رضوان وابراهيم عبده و غيرهم.
أهم مؤلفاته
سأله أحد الصحفيين يوما عن عدد مؤلفاته، فأشار إلى تلامذته، وكانوا حوله من الذين يحضرون الرسائل تحت إشرافه، وقال”هؤلاء هم أهم مؤلفاتي”.
غربال في أفق المستقبل
قراءة كتابات غربال فيها الكثير من اللمحات الذكية التي تفيد زماننا وحاضرنا ومستقبلنا، وتعيننا في فهم متعاطف عقلاني مع تاريخنا، ونظم حكمنا، ورجالنا، وتعيد للتاريخ قيمته، ووظيفته، وللمؤرخ دوره ومهمته.
فلنحي شفيق غربال، رجل التاريخ، الحي دائما في ضمير أمته، وفي قلوب وعقول المصريين من عارفي فضله إلى يوم الدين ، علما من أعلامنا الشامخين.