لا زلت أذكر الأيام الأولى من الثورة كما لو أنها البارحة، متظاهرو دمشق ومعتصمو العمريّ و مجنزرات الأسد فوق قمح حوران الذي اعتاد أن يسدّ رمق الشام بأسرها لأعوام، وهتاف “حرية .. حرية” الذي كان لا يلمس السقف العالي خشية على الثورة أن توأد في اولى أيامها فساهم النظام في اشعالها بمجزرة درعا حتى ارتفع السقف مباشرة الى “الشعب يريد اسقاط النظام”.
1000 يوم .. على الحلم المنشود بالحرية والكرامة وحق العيش تحت مسمّى “انسان” لكل مواطن سوريّ ، الحلم المختزل من أجندات العالم والتصريحات الصحفية بأن “على الأسد التنحي” و “الاستجابة لرغبات الشعب السوري”، والمتنازع عليه محليّاً بين الدولة المدنية والاسلامية ، و المتجاذب عالمياً ما بين المعسكر الأمريكي والروسي ، واقليمياً ما بين اللدودين السعودية وايران ، حتى خليجياً ما بين قطر والسعودية.
1000 يوم بلا مدرسة .. والعمر المتراكم ينخر بأطفالنا دون أن يعرف بعضهم الكتابة والقراءة وقد بلغ التاسعة أو العاشرة، ومدارس تجاوزت الـ 2500 مدرسة في عموم سوريا سوّاها النظام بالأرض بفعل القذائف والصواريخ والبراميل المتفجرة ، وأقل منها أصبحت ملاذاً للنازحين الذين فقدوا منازلهم فاستعاضوا بالمدراس عنها، واستخدموا خشب المقاعد للتدفئة والطبخ، والطبشور ليسجلوا على الحيطان ما بقي من الحلم.
1000 يوم من المجازر المتواصلة التي نصحو عليها أو نسهر حتى صباح اليوم التالي وأعيننا تفيض من دمع الشاشات المشبعة بالأحمر القاني، أنت تسأل نفسك أي قلب ارتكب هكذا مجزرة .. وكأن هناك فرقاً بين الذي يقتل بالسكين وبين الذي يضع الصاروخ في بيت النار في طريقه الى النائمنين الآمنين!
1000 يوم .. من تجميد العضوية والاستقالات السياسيّة للمعارضة على نمط “يا لعّيبة يا خرّيبة” ، و رئيس وزراء حكومة “مؤقتة” لم يعجب دولة مجاورة فاستبدلناه ، وتنافس “خليجي” على مقعد رئاسة الائتلاف، وأموال وُعد بها الشعب السوري أمام كاميرات الاعلام من الدول الصديقة حتى اذا اختفت اضاءة الكاميرا اختفت معها الأموال.
1000 يوم .. توّجها الحاضر الأخير الملثم بالسواد كل الوقت لا تعرفه ، ويدلك على نفسه كلامه بالفصحى وآيات وأحاديث حفظها ليقيم بها “دولة الاسلام” ، فلا هو معك ولا أنت منه .. وان كنت ضد بعضه فأنت ضده .. عندها يصبح ثمنك رصاصة وحسب، وعمل ممنهج مدروس يستهدف كل الاعلاميين والناشطين وأصحاب الحراك الميدانيّ اما بالاعتقال المباشر او الخطف .. أو بالقتل “بالكواتم” ان لم تطالهم يداك، وعزل لكافة الأئمة والمنابر وسيطرة على المساجد التي يقدرون عليها ، فأيّ أحد قادر على الحشد وتأليب الناس يعني أنه مستهدف كونه “منافق” يقف في وجه “دولة الاسلام”.
1000 يوم .. وتفتح بلاد “الكفر” أبوابها لمن يصلها وتؤمنه بالمسكن والغذاء والدواء ومرتبّ شهري، بينما تغلق دول “أصدقاء سوريا” العربية منها و”الاسلامية” أبوابها الا من رحمة الله والتأشيرة، ثم تصبح مهدداً في مأكلك و مشربك وعملك الذي قد لا تستطيع استخراج اذن له، أو يطاردك شبح “البقاء للأقوى” في بيئة كالتي اختير لها أن تكون في الذي يسمّى جدلاً ” مخيم الزعتري “.
1000 يوم والحلم مستمر ولو أنّي أشك أن كثيراً منه قد سرق في التجاذبات السابقة .. الا أن الأمل معقود بالسماء التي رفعها خالقها لتشخص الأبصار اليها كل ما هم القلب المكسور بالدعاء، والذي يسيء ظننا به كثيراً لو ظننا يوماً أن الباطل ينتصر على الحق .. ولو بعد حين.