صحيح أنه من خلال حرق النفايات يمكننا أن نربح الطاقة الحرارية لإنتاج الكهرباء والحرارة للتدفئة في منازلنا، ولكن هل هذا هو كل شيء؟ الإجابة ببساطة: لا! من حرق النفايات يمكننا أن نحصل على “الخبث” الذي يمكن استغلاله في تعبيد الطرقات كما يمكننا أن نستخرج منه المعادن الثمينة كالنحاس والألومنيوم، حيث يصل سعر طن النحاس إلى 6000 يورو أحيانًا، هذا غير الكنوز التي يمكن جنيها من معالجة الغازات الملوثة مثل الجبس الصناعي المستخدم في ديكور المنازل و”روح الملح” الذي لا غنى عنه في الصناعات الكيميائية، سواء كنا نتحدث عن صناعة الأغذية أو الأدوية أو حتى اللدائن والمعادن!
في التقرير التالي نتعرف على هذه الكنوز التي ستكشف لنا “قيمة النفايات” حقًا.
الخبث
مع كل عملية حرق لطن واحد من النفايات ينتج حوالي 250 كيلوجرامًا من الخبث، وهي عبارة عن مواد معدنية غير عضوية أشبه بعجينة، هذه المادة وإن بدت للوهلة الأولى عديمة الفائدة إلا أنها ليست كذلك بالأخص إن لم تكن تحتوي على مواد خطرة بداخلها، حيث يمكن أن تستخدم في مجالات عدّة بعد معالجتها.
مواد بناء بديلة
يعتبر الخبث من بدائل البناء الصديقة للبيئة في تعبيد الطرقات ومد القنوات المختلفة وغير ذلك من مجالات الهندسة المدنية التي تتطلب مواد طمي، حيث يُمكن للخبث أن يكون بديلاً عن مواد البناء التقليدية والتي يسبب استخراجها من المحاجر استنزافًا للطبيعة ومواردها.
اليوم هناك شركات خاصة في معالجة الخبث لإعادة استخدامه في المجالات المختلفة، حيث يمكن أن تصل كمية الخبث الناتجة عن حرق 150 ألف طن نفايات إلى 50 ألف طن، وهي كمية ضخمة جدًا تقدر بحمولة 10 شاحنات يوميًا.
هذه الكميات الضخمة يمكن أن تستغل في تعبيد الطرقات بدلاً من أن تتحول لجبال من النفايات كما يحصل عادة في بلادنا، المهم أن وجود شركة في هذا المجال، لا يعني مجرد اهتمام بالبيئة وإنما يعني وجود ربح مادي.
معادن ثمينة
الحقيقة أن الربح المادي من بقايا الخبث الصالحة لتعبيد الطرقات لا يُقارن مع الربح الناتج عن استخراج المعادن الثمينة من “الخبث”، ولكن في الواقع فإن حوالي 90% من الخبث لا يحتوي على معادن ثمينة وبالتالي يستخدم كمادة بناء بديلة، فماذا عن الـ 10% المتبقية؟
حوالي 8% منها عبارة عن حديد الخردة، وهي ليست ذات قيمة عالية جدًا، إلا أن الـ 2% المتبقية وهي عبارة عن معادن غير حديدية مثل الألومنيوم والنحاس مُربحة جدًا، ولهذا يعمل الخبراء على تطوير تقنيات لتطوير مُعالجة الخبث وفصل هذه المعادن الثمينة بشكل يضمن أرباحًا أكثر.
حتى نُدرك قيمة هذه الـ 2% من الخبث، لا بد أن نعرف أن سعر طن النحاس يصل إلى 6000 يورو أحيانًا، أما الألومنيوم فيصل إلى 1500 يورو للطن تقريبًا.
في تقرير “كيف يسعى الباحثون لتحويل الرماد إلى مال؟” على موقع صحيفة دي فيلت الألمانية، فإن نفايات مدينة برلين وحدها تنتج 131 ألف طن من الخبث، من هذه الكمية يمكن أن يتم كسب 9600 طن من الحديد، و920 طنًا من النحاس والألومنيوم كل عام، ولكن مع تحسين تقنيات فصل المعادن الثمينة، يمكن للكمية أن تتضاعف وتحقق ربحًا حتى 3 مليون يورو سنويًا.
الجبس
الجبس من المواد المهمة جدًا في عالمنا، فهو يستخدم في معالجة الكسور، كما أنه يستخدم بشكل واسع في مجال التصميم الداخلي والديكور حيث يمكن الحصول على نقوش بديعة بجهود بسيطة نوعًا ما، والمدهش أكثر أنه بإمكاننا اليوم أن نربح “الجبس” من الغازات العادمة والملوثة التي كان بالإمكان أن تكون سببًا في دمار الطبيعة، إلا أنه وبفضل التطور العلمي بات بالإمكان استخدامها في تجميل المنازل.
عند حرق النفايات تنتج كميات من ثاني أكسيد الكبريت لا بد من التخلص منها، كونها تُساهم في ظاهرة الأمطار الحمضية، ولهذا لا بد من التخلص منها بطرق صديقة للبيئة أيضًا، وإحدى هذه الطرق المستخدمة اليوم هي طريقة “الامتصاص Absorption” حيث يتم رش الغاز الملوث بثاني أكسيد الكبريت وغازات أخرى بما يُسمى الماء الجيري (بالألمانية: حليب جيري Kalkmilch).
خلال عملية التخلص من الكبريت – Flue-gas desulfurization – يُمكننا أن نتخلص من 95% من غاز ثاني أكسيد الكبريت، وعلى الطرف الآخر نحصل على الجبس الصناعي والذي يمكن أن يباع ويستخدم في مجالات متعددة في عالم البناء والديكور، وللعلم فقط فإن هذه التقنية مطبقة في حوالي 400 وحدة حول العالم.
روح الملح
حتى لو كُنت لا تعرف حمض الهيدروكلوريك أو روح الملح كما أسماه جابر بن حيان قبل أكثر من 1000 عام، فإن هذا لا يُقلل أبدًا من شأنه لأنه يعتبر “أساس” العمليات الكيميائية في عالم الصناعة، فهو يستخدم في صناعة اللدائن (البلاستيك)، كما يستخدم في صناعة الأدوات بل وحتى في صناعة المواد الغذائية، فإن وجدت طعام يحتوي على مادة E507 لا داعي للقلق، فروح الملح هو المكون الأساسي للعصارة الهضمية في المعدة.
ولكن كيف يمكن أن ننتج روح الملح من النفايات؟ ببساطة يمكننا الرجوع إلى عملية احتراق النفايات نفسها لنجد أنه مع احتراق مواد تحتوي على كميات كبيرة من عنصر الكلور فسينتج غاز HCl، وللتخلص من هذا الغاز يُدخل في وحدة خاصه لغسله بالمياه، ولأنه ينحل بسهولة في الماء، بهذا يتكون حمض روح الملح.