افتتحت حركة النهضة التونسية، مساء أمس الجمعة، مؤتمرها العاشر بملعب رادس الأولمبي (محافظة بن عروس)، بحضور رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي، ورئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي، وأمينها العام علي العريض، ورئيس البرلمان التونسي محمد الناصر، ونواب الشعب، وعدد من الوزراء وسفراء الدول ورؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدة في تونس، إلى جانب عدد من الأمناء العامين لأحزاب تونسية وعربية وغربية ومئات من الشخصيات السياسية.
وشارك في حفل الافتتاح الآلاف من أنصار الحركة، وسيواصل نحو 1000 من المؤتمرين أعمالهم السبت والأحد في الحمامات ( 60كيلومترًا جنوب العاصمة)، وينتظر أن يعاد انتخاب الشيخ راشد الغنوشي (74عامًا) رئيسًا للنهضة لولاية أخيرة، وكان الغنوشي مؤسس النهضة، قد انتخب رئيسًا للحركة في مؤتمرها الأخير سنة.2012
الغنوشي يشدد على النأي بالدين عن المعارك السياسية
قال رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، في كلمته الافتتاحية، إن حزبه حريص على “النأي بالدين عن المعارك السياسية وندعو إلى التحييد الكامل للمساجد عن الخصومات السياسة وعن التوظيف الحزبي حتى تكون المساجد مجمعة لا مفرقة ،وفي الوقت نفسه نستغرب إصرار البعض على إقصاء الدين من الحياة العامة.”
وأضاف أن” التخصص الوظيفي – في إشارة للفصل بين الجانب السياسي والدعوي للحزب – ليس قرارًا بل جاء تتويجًا للمسار السياسي والتطور وبحكم الدستور ،حركة النهضة تكرس بذلك التمايز الواضح بين المسلمين الديمقراطيين الذين هم نحن وبين تيارات التشدد والعنف التي تنسب نفسها ظلمًا وزورًا إلى الإسلام”.
وأوضح الغنوشي أن حركة النهضة “تطورت من السبعينات إلى اليوم من حركة عقدية تخوض معركة من أجل الهوية عندما كانت الهوية مهددة، إلى حركة احتجاجية شاملة تدعو إلى الديمقراطية في مواجهة نظام شمولي، إلى حزب ديمقراطي وطني مسلم متفرغ للعمل السياسي بمرجعية وطنية تنهل من قيم الإسلام، ملتزمة بمقتضيات الدستور وروح العصر”.
وشدد الغنوشي على أهمية التوافق والحوار وقال في هذا الصدد: “نقول لمن يظهر العداوة للنهضة، إن التوافق يتسع للجميع ونعترف بأخطائنا، وننظر لتاريخنا، نحن حركة تتطور، وحزب ديمقراطي سياسي”.
وعن عمل حكومة رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد، جدد الغنوشي دعم حزبه للحكومة، في حربها ضد الإرهاب، قائلاً “النهضة تساند الدولة في حربها ضد الدواعش والتكفيريين، وتونس ستهزمهم، تونس عصية على الإرهاب”.
وشدد، أن نجاح الربيع العربي في تونس، دليل على أن العالم العربي مهيأ للديمقراطية، وقال إن “حركة النهضة ملتزمة بمحاربة الفساد، ودعوتنا للمصالحة ليست تبييضًا للفساد، ونحن نلح على التمييز بين رجال الأعمال الفاسدين والشرفاء، كما جدد دعوة حزبه لمصالحة وطنية شاملة، قائلاً: “هي مشروع وطني يرنو للمستقبل، والمصالحة ليست صفقة تحت الطاولة بل هي رؤية شاملة للتوحيد، وليس للتقسيم”.
وانطلق مسار إنجاز المؤتمر العام في ديسمبر 2015 بتنظيم 279 مؤتمرًا محليًا و24 مؤتمرًا جهويًا و8 مؤتمرات قطاعية داخل البلاد وخارجها، تم خلالها مناقشة مشاريع اللوائح وانتخاب نواب المؤتمر العام.
السبسي ضيف شرف
من جانبه، ألقى رئيس جمهورية تونس الباجي قائد السبسي كلمة في افتتاح المؤتمر العاشر لحزب حركة النهضة أشاد فيها بدور الحزب في إحراز توافق وطني جنب البلاد الانزلاق إلى المجهول، لكنه دعا في الوقت ذاته قادة الحزب إلى إثبات مراجعاته الفكرية والسياسية على أرض الواقع.
ونوه الباجي قائد السبسي في خطابه “بالتطور الذي عرفته حركة النهضة، والذي تجلى في الإقرار بضرورة العمل على التحول لحزب سياسي وطني ومدني يقطع مع الشمولية العقائدية واحتكار النطق باسم الدين وهو مشاع بين كل التونسيين”.
وأكد الرئيس السبسي أن مشاركته في انطلاق المؤتمر العاشر للنهضة تأتي كتقدير منه لجهود الحركة في المصالحة الوطنية، حيث قال “أريد أن أصارحكم، ترددت قبل المجيء لأنه من موقعي كرئيس دولة يجب أن أبقى على نفس المسافة من كل الأحزاب وتونس بها 204 حزب، ولكن بالرغم من ذلك أتيت لمؤتمر حركة النهضة تقديرًا مني لجهود الحزب في دعم المصالحة الوطنية ومشاركته في الحكومة”، وتابع السبسي “أحيي راشد الغنوشي على المسار الذي اتخذناه لتشريك كل التونسيين دون إقصاء من أجل تونس”، مضيفًا “حضوري يدل على أن التونسيين يستطيعون حسن إدارة الاختلافات بينهم وفق دستور لدولة مدنية ولشعب مسلم وليس من خيار سوى ذلك”.
ودعا السبسي الحركة إلى التأكيد على أن النهضة أصبحت حزبًا مدنيًا تونسيًا قلبًا وقالبًا، ولاؤه لتونس وحدها، كما دعاها إلى التأكيد على خصوصية حركة النهضة المستمدة من طبيعة المجتمع الذي نشأت فيه، مما يفرض اعتبار السياق الاجتماعي والسياسي التونسي وحده لا غيره عند تقرير سياستها.
وعبّر عن تطلعه “أن يكون المشروع السياسي للنهضة بعد إقرار المراجعات التي أعلنتم عنها في إطار مؤتمركم هذا، منسجمًا كل الانسجام مع السياق الوطني العام ومستجيبًا لانتظارات الشعب التونسي”.
وقال قائد السبسي”إن التزامكم بهذه التوجهات سينزل بردًا وسلامًا على أنفس التونسيين وسيجلب للجميع الطمأنينة على نموذج العيش التونسي المتسم بالانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى ونبذ الغلو والتطرف الديني والتزمت والعنف، كما أنهم سيطمئننا على مستقبل ديموقراطيتنا الوليدة ومكاسبنا الحداثية ودولتنا المدنية وإسلامنا الأصيل المتجذر في تراثنا الإصلاحي وتقليدنا التنويري”، وتابع “الإسلام لا يتعارض مع الديمقراطية، التيار الإسلامي في تونس لا يمثل خطرًا على الديمقراطية”.
بدوره، أكد نائب رئيس حركة النهضة عبد الفتاح مورو، في كلمته، أن حضور الباجي قائد السبسي لافتتاح المؤتمر يؤكد كونه رمزًا للوحدة الوطنية ويؤكد حرصه على مصلحة الشعب التونسي، وأوضح مورو “أن شعب تونس وحدة صماء لا تنقسم ولا تقسمنا انتماءات لآراء متخالفة ولا انتخابات، نحن لأجل هذا الوطن العظيم، تونس قبل النهضة”، وتابع “حضور الباجي دعم للحوار الوطني ويجب أن تبقى تونس مجتمعة ونحن في اجتماع نهضة أصيلة متجددة، وقررنا أن نتجدد ونجابه عصرنا، نحن نحمل أملاً، ليست لنا ثروات مادية وثروتنا شعب متحد حول قضية”.
وأضاف مورو “نحن اليوم في اجتماع نهضة جديدة متجددة متأصلة تريد خدمة شعبها، نحن جميعًا لتونس، لذلك قررنا أن نتجدد ونظهر على الدوام أننا متجددون، نريد أن تتحرر تونس من كل شيء يشدها إلى الوراء لتنطلق إلى الأمام”.
الفصل بين الدعوي والسياسي
تعتبر مسألة الفصل بين الشأن السياسي والشأن الدعوي إحدى أهم نقاط هذا المؤتمر، وتتجه حركة النهضة إلى التخلّي عن العمل الدعوي والتفرغ لمزاولة الشأن السياسي.
ويؤكد قيادات الحركة أن هذا الفصل يأتي في سياق التطور الفكري والسياسي الذي تمر به حركتهم، منذ سنة 2011، تاريخ انطلاق الربيع العربي.
وسبق لرئيس الحركة راشد الغنوشي أن قال: “نحن بصدد التحول إلى حزب سياسي، يتفرغ للعمل السياسي، ويتخصص في الإصلاح، انطلاقًا من الدولة، ويترك بقية المجالات للمجتمع المدني ليعالجها ويتعامل معها من خلال جمعياته ومنظومة الجمعيات المستقلة عن الأحزاب، بما في ذلك النهضة”.
وتتواصل أشغال المؤتمر العاشر لحركة النهضة في مدينة الحمامات، محافظة نابل، برئاسة الأمين العام للحركة علي العريض بعد أن تم انتخابه أمس رئيسًا للمؤتمر العاشر للحركة بأغلبية الحاضرين، ويشارك في المؤتمر 927 مؤتمرًا منهم 172 امرأةً و178 شابًا وشابةً وحوالي 150 ملاحظًا، وتطرح الحركة في هذا المؤتمر رؤيتها المستقبلية، بعد مراجعات فكرية وسياسية وتنظيمية لمسيرتها السابقة التي استمرت لعقود.
ويأتي مؤتمر النهضة التونسية العاشر في أوضاع استثنائية ليدشن مرحلة جديدة تدخلها النهضة بعد جهود طويلة من المراجعات والتقييم لتمحيص المبادئ الأساسية التي انطلقت الحركة لتحقيقها، والتثبت من حسن تقدير الموقف عند مؤسسات اتخاذ القرار فيها، وتقييم حجم النجاح والإخفاق في تحقيق أهدافها.
ويؤكد قيادات الحركة أن مؤتمرهم يعقد في سياق تحديات كبرى تشهدها البلاد والمنطقة فضلاً عن التحديات التي تشهدها حركتهم، وتعد حركة النهضة القوة البرلمانية الأولى في تونس وأحد مكونات الائتلاف الحاكم.
ومن المفترض أن يتم المصادقة على لوائح المؤتمر وتقييم الفترة السابقة لحركة النهضة إلى جانب انتخاب رئيس للحركة.
وشهدت حركة النهضة منذ تأسيسها 9 مؤتمرات، منها ثمانية كانت في السر قبل الثورة التونسية، بينما كان المؤتمر التاسع في يوليو 2012، أول مؤتمرًا علنيًا للحركة.
والمؤتمر العام هو أعلى سلطة في الحزب ويتكوّن من نواب عن المنخرطين حسب نسب وتمثيليّة يحددها مجلس الشورى يضاف إليهم رئيس الحزب ورئيس مجلس الشورى وأعضاء المكتب التنفيذي المتخلين.