أعلنت أمريكا قبل يومين أن لدى المملكة العربية السعودية حوالي 116.7 مليار دولار سندات خزينة أمريكية، وبعدها بيوم واحد أقر مجلس الشيوخ الأمريكي اقتراح قانون يتيح لضحايا اعتداءات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر ملاحقة المملكة العربية السعودية!
تشير التوقعات إلى أن الرئيس أوباما سيستخدم “حقه” في عدم تمرير المقترح لما له من تبعات على أمريكا نفسها، وهناك مخاوف جدّية من أن هذا التشريع سيجعل الولايات المتحدة عرضة للخطر في نظام المحاكم الأخرى في مختلف أنحاء العالم، لكن في النهاية تبقى ورقة ضغط يتم تحريكها متى شاؤوا ويطمسوها متى أرادوا.
هذه حادثة في سلسلة حوادث سبقتها، ففي وقت سابق تم رفع الحظر عن بعض الأرصدة الإيرانية المجمّدة بُعيد الاتفاق النووي الإيراني، لكن المحكمة العليا الأمريكية قضت بصرف حوالي ملياري دولار من الأصول الإيرانية المجمدة لعائلات ضحايا تفجير بيروت 1983 وتفجيرات السعودية عام 1996، واعتداءات إرهابية أخرى لصالح أكثر من 1300 من أقارب 241 شخصًا قتلوا في ثكنة للجيش الأمريكي.
يُدهش المرء للطرائق الغرائبية التي تتبعتها أمريكا في عمليات السطو الممنهج على المال العالمي
بدءًا من عام 1971 حيث كسر الرئيس نيكسون قاعدة الذهب ورسّخ تفرّد الدولار وأعلن الخروج من اتفاقية ببرتون وودز، ليصاب عالم المال بذهول شديد لهذا القرار، حيث أنقذ الدولار من الأزمات المتتالية التي أصابته وأبعد الذهب كليًا عن ساحة التعامل النقدي، ليكون الدولار على قمة الاقتصاد الدولي من كافة الوجوه.
واستكملت عمليات السطو عبر حروبها للسيطرة على مصادر الثروة العالمية، وصولاً إلى التوريق وسياسة التسهيل الكمي بعد الأزمة المالية العالمية التي حولّت المال إلى سراب، ولا ننسى حجم الدين الأمريكي، الذي اجتاز 100% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي والذي يقدر بـ 18 تريليون دولار، حيث لدى الصين حوالي 1.3 تريليون سندات خزينة أمريكية بينما اليابان 1.2 تريليون دولار والبرازيل 250 مليار دولار والمملكة العربية السعودية 116.7 مليار دولار، وهي سندات ريعها منخفض إلا أنه كان ينظر إليها في الماضي (نقصد سندات الخزانة الأمريكية) على أنها أفضل أمان في العالم دون نزاع، والآن تم تصنيفها من وكالات التصنيف الائتماني بدرجة أقل من السابق.
قد يقول قائل إن هذه الديون الهائلة على أمريكا قد تمكّن بعض الدول (المالكة لسندات الدين الأمريكي) من ابتزاز أمريكا وأن تجعل الاقتصاد الأمريكي رهينة لها، ربما يمكن للوهلة الأولى قبول هذا، إلا أن المتتبع لخفايا الاقتصاد العالمي سيجد أن الغلبة دائمًا ما تكون لأمريكا.
على سبيل المثال، صحيح أن لدى الصين حوالي 1.3 تريليون سندات خزينة أمريكية، وأنها أكبر المصدرين لأمريكا، وأن الميزان التجاري الصيني مع أمريكا على ما يرام، إلا أن هناك شركات صينية مقترضة بما يعادل هذا المبلغ! ولا ننسى أن ريع السندات الأمريكية أقل من الفوائد على قروض الشركات الصينية، والملفت في الأمر أن الصينين أنفسهم باتوا يفضلون استهلاك منتجاتهم في الصين بدلاً من تصديرها لأمريكا لأن الأمريكيين يدفعون للصينيين دولارات ورقية يطبعونها متى شاؤوا وبتكلفة رخيصة، ومن ثم تسترجعها أمريكا منهم من خلال سندات (ورق)، وتحولت بذلك الصين إلى الأوزة التي تبيض ذهبًا.
لا أريد أن أمتدح صانع القرار الأمريكي في المجال الاقتصادي، إلا أنه لا بد من الاعتراف بأن أمريكا لم تدخر جهدًا في سبيل رفاهية مواطنيها، بطرق أخلاقية أو غير أخلاقية، فاليوم تبتدع طرائقًا عجائبية للسطو على ما تبقى من المال العالمي عبر المحاكم.