بيشكتاش الأبطال!
– المكان: ملعب فودافون أرينا بمنطقة بيشكتاش في مدينة إسطنبول التركية.
– الزمان: مساء الأحد 15 مايو 2016.
– الحدث: مباراة فريق بيشكتاش أمام عثمانلي سبور في نطاق المرحلة الـ 33 من الدوري التركي الممتاز لكرة القدم.
صخبٌ هائلٌ يكتنف أرجاء الملعب الحديث، الذي بني على أنقاض ملعب (بيشكتاش أينونو التاريخي)، مصدره حناجر أكثر من 38 ألف متفرج هتفوا بصوتٍ واحد: “انقضوا أيها النسور، هيا أيها النسور السوداء”.
إنها الدقائق الأخيرة من المباراة الحاسمة، مباراة اللقب الذي طال انتظاره للفريق العريق، وها هو الحكم يطلق صافرته معلنًا النهاية، ومعلنًا عودة لقب الدوري التركي إلى خزائن النادي الذي فاز به 13 مرة سابقًا، آخرها قبل 7 سنواتٍ بالتمام والكمال، لتنفجر أهازيج الفرح في أرجاء الملعب، ويتعانق كل من فيه مهنئين بعودة الخيل إلى خيالها.
وعلى طرف الملعب الشمالي، في منتصف المسافة بين عشب الملعب والأسوار، جلس حكمت جالين ذو الـ 50 عامًا، وإلى جانبه ابنه إبراهيم ذي الأعوام الـ 10، يهتفان ويشجعان فيمن هتف وشجع:
ŞampiyonlarBeşiktaş ..ŞampiyonlarBeşiktaş
تاريخ بيشكتاش
شعار النادي
في غمرة الأفراح، نظر الطفل إلى أبيه متسائلًا: منذ متى يوجد نادي بيشكتاش يا أبي؟
فأجاب حكمت: منذ أكثر من 113 عامًا يا بني، وتحديدًا من عام 1903، حيث دأب 22 شابًا من أبناء الطبقات الاجتماعية الراقية في إسطنبول، على الاجتماع دوريًا في هذا المكان الذي نتواجد فيه، والذي كان عبارةً عن قطعة أرضٍ خالية، وذلك للقيام ببعض النشاطات البدنية الرياضية، ومنها كرة القدم التي كانت معروفةً في تركيا منذ نهاية القرن الـ 19، دون أن تأخذ ممارستها طابعًا احترافيًا.
يومها تم اعتقال الشبان من قبَل الشرطة ظنًا منهم بأنهم يخططون للقيام بحراكٍ سياسي، ولكن سرعان ما تم إطلاق سراحهم بعد معرفة نواياهم، حيث تابعوا نشاطاتهم الرياضية بانتظام، وازداد عدد المنتسبين إليهم بمرور الوقت، ليكتسبوا الاعتراف الرسمي من قبل الحكومة اعتبارًا من عام 1910، كأول نادٍ رسميٍ لكرة القدم في البلاد.
وأردف الأب قائلًا: واستمر النادي في نشاطه حتى مع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، حيث تحول أغلب لاعبيه إلى جنودٍ يدافعون عن البلاد، ونال عددٌ كبيرٌ منهم شرف الشهادة آنذاك، ليكتسب لباس الفريق منذ ذلك التاريخ اللون الأسود إلى جانب الأبيض حدادًا على أرواح الشهداء، ويكرَم النادي من قبل الحكومة بالسماح له – دونًا عن غيره من الأندية التركية – بوضع علم تركيا ضمن شعاره.
حكاية الأمجاد
صورة أرشيفية عن تاريخ النادي وإنجازاته
هز الطفل رأسه موافقًا وقال: لهذا إذًا نعشق بيشكتاش!
فأجاب حكمت: ليس لهذا فحسب! فنادينا فضلًا عن عراقته ووطنيته، صاحب أمجادٍ وبطولاتٍ كثيرةٍ على الصعيد الرياضي، فهو صاحب شرف حمل أول بطولتين للدوري التركي عامي 1957 و1958، عندما كان الدوري يقام بنظام خروج المغلوب، ثم أحرز لقب الدوري 5 مرات أخرى أعوام: 1960، 1966، 1967، 1982، و1986، قبل أن يحتكر اللقب 3 سنواتٍ متتاليةً بين عامي 1990 و1992، أتبعها بلقب عام 1995، وحقق الدوري بمسماه الحالي (السوبر ليغ) عامي 2003 و2009، قبل أن يضيف الأبطال لقبًا جديدًا اليوم، حمل الرقم 14 في تاريخ النادي ببطولة الدوري، ليعزز مركزه الثالث في سجل الفائزين بالدوري بعد جاريه اللدودين غلطة سراي وفنر بخشة، الذين يحملان 20 و19 لقبًا على التوالي.
وتابع الأب: ليس هذا كل شيء! فتاريخ بيشكتاش يحتوي أيضًا على 9 ألقابٍ في كأس تركيا آخرها عام 2011، و8 ألقابٍ في كأس السوبر التركي آخرها عام 2006، كما حمل قميصه سابقًا عشرات نجوم الكرة العالميين، كالنيجيري دانييل أموكاشي، المصري أحمد حسن، الجزائري زبير بية، النرويجي جون كارو، الإسباني غوتي، البرتغاليين سيماو وهوغو ألميدا، والبرازيليين كليبرسون وريكاردينيو، إضافةً إلى نجوم المنتخب التركي السابقين: رضا كاليمباي، نهاد قهوجي، إبراهيم تورامان، إلهان مانسيز، الحارس روشتو ريسبر، وغيرهم.
كما درب الفريق العديد من المدربين العالميين، كالإسباني فيسنتي ديل بوسكي، الألماني بيرند شوستر، الروماني ميركا لوشيسكو، الويلزي جون توشاك، الفرنسي جان تيغانا، الألماني كريستوف داوم، وأخيرًا الكرواتي سلافن بيليتش، الذي سبق مدرب الفريق الحالي شينول غونيش.
بيشكتاش 2015-2016
تشكيلة فريق بيشكتاش بطل الموسم الحالي
وبينما الأب مسهبٌ في حديثه مع ابنه، علا صوت المذيع الداخلي للملعب، يعلن فوز بيشكتاش بلقب الدوري التركي قبل مرحلةٍ واحدةٍ من نهاية المنافسات، بعد أن جمع 79 نقطةً من 25 فوزًا و4 تعادلاتٍ و4 هزائم، متفوقًا على ملاحقه المباشر فنر بخشة بفارق 6 نقاط، حيث سجل لاعبوه 74 هدفًا وضعتهم في صدارة ترتيب الهجوم الأقوى في السوبر ليغ، فيما تلقى مرماهم 33 هدفًا كثالث أقوى دفاع، وقد كانت أبرز نتائج النسور السوداء هذا الموسم، فوزهم مرتين على بطل الدوري الماضي غلطة سراي، الذي ابتعد عن المنافسة هذا الموسم باحتلاله المركز السادس، كما تبادلوا الفوز مع فنر بخشة، فانتصروا ذهابًا بنتيجة 3-2، وهزموا إيابًا بنتيجة 0-2.
وأردف المذيع الداخلي للملعب قائلًا: والآن فلنحيي تشكيلة الأبطال!
ونطق أولًا باسم حارس المرمى وكابتن الفريق تولغا زينغين، فانطلقت عاصفةٌ من التصفيق والهتاف باسم الحارس الأمين، الذي رد التحية بدوره للجماهير، وتوالت من بعده الأسماء، فظهر قلبا الدفاع الصلبان اللذان التحقا بالفريق في يناير الماضي: البرازيلي مارسيلو صاحب الهدفين الأولين في المباراة، والإسباني الصلب أليكسيس، ومن ثم الظهيران الممتازان سيردار كورتولوس وإسماعيل كويباسي.
وجاء دور لاعبي الوسط: فظهر الكندي المخضرم ذو الأصول الجامايكية آتيبا هوتشنسن، ونجما منتخب تركيا وأمله في اليورو القادم أوغوزان أوزياكوب وأولكاي ساهان، والبرتغالي المخضرم ريكاردو كواريزما القادم من بورتو البرتغالي خلال الصيف الماضي، قبل أن يأتي الدور على صانع الألعاب خوسيه سوزا، ليعلو التصفيق والهتاف من قبل الجماهير، التي تثمن تمامًا دور هذا الأرجنتيني الفنان في انتصارات الفريق، بتسجيله 7 أهدافٍ، فضلًا عن مساهمته في صناعة 12 هدفًا، كان لها اليد الطولى في الأهداف الـ 26 التي سجلها مهاجم الفريق الألماني الفذ ماريو غوميز، هداف الدوري التركي للموسم الحالي.
النسور السوداء
من احتفالات أنصار النادي أمام ملعب فودافون
وعلى وقع هتاف جماهير ملعب فودافون بحياة النسور السوداء، عاد الطفل لسؤال والده قائلًا: ومن أين جاء لقب “النسور السوداء” يا أبي؟
فضحك الأب قائلًا: هناك سرٌ سأخبرك به يا بني، هل تعلم أن جدك محمد جالين هو من ابتكر هذا اللقب الذي يحمله الفريق منذ أكثر من 60 عامًا!
فقد كان مشجعًا مولعًا ببيشكتاش يكاد لا يفوت مباراةً له، حتى قبل أن تنطلق منافسات الدوري التركي عام 1957، وحدث أن كان الفريق متأخرًا في النتيجة خلال إحدى المباريات النهائية لبطولات مدينة إسطنبول، ووسط صمتٍ مطبقٍ للجماهير، انطلق صوت جدك الجهوري هاتفًا (انقضوا أيها النسور، هيا أيها النسور السوداء)، فرددها كل من الملعب حوله، وكان لهذه العبارة مفعول السحر على اللاعبين، فانطلقوا بكل قوةٍ وإصرار، وتمكنوا من قلب النتيجة لصالحهم، وإحراز لقب بطولة إسطنبول، ومنذ ذلك اليوم أصبح ذلك الهتاف معتادًا في الملعب، وأصبح النسر الأسود شعارًا معتمدًا لفريق بيشكتاش العريق حتى يومنا هذا.