ترجمة وتحرير نون بوست
في إحدى زاويا مسجد الجمعة في كاتماندو، الذي يقع على مرمى حجر من القصر الملكي السابق الذي تم تحويله إلى متحف، يستقر ضريح بيكَم حضرت محل، البائس والمحروم من عظمته الجليلة السالفة.
بيكَم حضرت محل هي ملكة أوده، الدولة الأميرية في دولة الهند المجاورة، والتي قامت بقيادة التمرد عام 1857 ضد البريطانيين، ولكنها هربت من مدينة لكناو الهندية بعد أن تم سحق التمرد، وعرض عليها بعد ذلك حاكم نيبال، جونغ بهادور ثابا، الذي كان قد كرّس جيشه لمساعدة البريطانيين في قمع التمرد ونهب في المدينة، اللجوء في دولته.
يشير إم حسين، أمين جامع كاتماندو، بأن العديد من أنصار الملكة محل المسلمين تبعوها إلى نيبال، ولكن الإسلام كان في الواقع قد دخل إلى نيبال قبل ذلك بفترة طويلة، حيث وصل التجار الكشميريون لأول مرة إلى كاتماندو في القرن الـ15 وهم في طريقهم إلى لاسا عاصمة التبت، واستقر كثير منهم فيما كان يعرف آنذاك باسم كانتيبور، والآن كاتماندو، وبهاكتابور وإليتبور خلال حكم الملك راتنا مالا، ويشهد مسجد تاكيا الكشميري، البالغ من العمر 500 عامًا، والذي يقع على بعد بضع مئات الأمتار من القصر في كاتماندو، على هذا التاريخ القديم للمسلمين في نيبال.
“المسلمون يعيشون كأقلية صامتة منذ عدة قرون تحت حكم حسن نية الدولة النيبالية”، قال حسين، ولكن في السنوات الأخيرة، ونتيجة لتحمسهم جرّاء ثورة الماويين التي استمرت من عام 1996 حتى عام 2006، أصبح الشعب المسلم أكثر صخبًا ووضوحًا.
“ثورة الماويين مهدت الطريق لمطالبة المسلمين بحقوقهم السياسية والثقافية”، قال حسين أثناء جلوسه في مكتبه الصغير في مبنى المسجد، حيث تم الاعتراف بأعياد المسلمين كعطل رسمية في النيبال لأول مرة في عام 2008، وهو العام شهد إلغاء النظام الملكي ليحل محله حكومة منتخبة ديمقراطيًا يقودها الماويين.
قبر بيكَم حضرت محل ملكة أوده، الدولة الأميرية السابقة في الهند
الهروب من الموت
على بعد أكثر من 500 كم عن كاتماندو، وفي منطقة بانكي التي تقع على الحدود مع الهند، ترفرف الأعلام الخضراء التي تتضمن آيات قرآنية مزينة منازل المسلمين بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف، حيث تشير مثل هذه المظاهر العامة على الحقوق الدينية والثقافية المُعترف بها حديثًا لصالح الأقليات النيبالية وجماعات السكان الأصليين.
تقع بانكي على السهول الجنوبية للبلاد، والمعروفة باسم تاراي أو مادهيس، والتي تعد موطنًا لـ95% من السكان المسلمين في البلاد، وعلى عكس نظرائهم في وادي كاتماندو، الأغلبية الساحقة من المسلمين في هذه المنطقة هم من الفقراء والمعدمين، حيث يتماشى نقص تمثيلهم السياسي في الدولة وشبه انعدام وجودهم في سوق العمل مع التهميش الأوسع الذي يعاني سكان مادهيس بشكل عام.
مسجد كاتماندو في عاصمة نيبال
علام خان، 28 عامًا، هو أحد المسلمين القلائل الذين استطاعوا تسلّق السلم الاقتصادي في البلاد؛ حيث يعمل خان، المقيم في نيبالجونج في بانكي، لصالح منظمة (THRD Alliance) غير الحكومية، التي تشن حملاتها ضد عمليات القتل خارج نطاق القضاء والتعذيب والاعتقالات غير القانونية في منطقة مادهيس.
“الجميع يجب أن يحصلوا على حقوقهم ويعيشوا بكرامة”، قال خان وهو يجلس في مكتبه الصغير في منطقة راني تالاو في نيبالجونج.
تم اعتقال خان من قِبل الشرطة لمدة 17 يومًا في عام 2007 بالتزامن مع مباشرة سكان مادهيس احتجاجًا على التمييز الذي يعانون منه؛ فلطالما اشكتى سكان مادهيس، الذين يعدون مقربين ثقافيًا من جيرانهم على الجانب الآخر من الحدود مع الهند، بأن اقتصاد وسياسة البلاد مُهيمن عليها من قِبل الطبقة العليا من النيباليين من الأجزاء الجبلية من البلاد.
“لقد اُتهمت بجريمة قتل وبجرم الفتنة لكوني أجريت مقابلات مع زعيم خفي من مادهيس”، قال خان، الذي كان يعمل كصحفي قبل أن ينضم إلى (THRD Alliance)، وأضاف: “ولكنهم لم يستطيعوا إثبات أي شيء ضدي، لقد كان هروبًا من الموت”.
يسافر خان حاليًا إلى المناطق النائية في نيبال لتوثيق عمليات القتل خارج نطاق القضاء والاعتقالات غير القانونية، والجدير بالذكر بأنه، وعلى الرغم من معارضة عائلته، تزوج فتاة غير مسلمة من عرق الماغار.
“لقد ساندتي عندما كنت معتقلًا لدى الشرطة، وقررت بأنه كان عليّ أن أتزوجها”، يقول خان عن زوجته، التي تقبلتها عائلته بعد حين، وتعمل اليوم على إتمام دارستها لتصبح ممرضة.
المسلمون يصلون في مسجد تاكيا الكشميري في كاتماندو.
الحرمان من التعليم
في بلد يندر فيه الزواج ما بين الأديان والطبقات المختلفة، كسر خان العديد من المعايير الاجتماعية، ومازال مستمرًا في تحديها.
يعد المسلمون إحدى المجموعات الأكثر حرمانًا في البلاد، والنساء المسلمات بالذات يعتبرن الأكثر تأثرًا بالأزمة؛ فما لا يزيد عن 26% فقط من النساء المسلمات في نيبال يعرفن القراءة والكتابة، في حين أن 12% من الفتيات المسلمات فقط أكملن دراستهن الثانوية.
يُرجع عبد الرحمن، الرئيس السابق لمسجد نيبالجونج، الوضع الحالي في جزء منه، إلى عدم التوافق المُتصور ما بين بعض القيم الإسلامية ونظام المدارس العامة، “الفتيات المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب أو النقاب يجذبن الانتباه” قال عبد الرحمن، وتابع: “يُنظر إليهن كما لو كن كائنات فضائية، إنه نوع من العذاب النفسي”.
يستطرد عبد الرحمن، البالغ من العمر 52 عامًا، حديثه الهادئ باقتراح قيام الحكومة النيبالية بإعطاء المسلمين مجموعة منح خاصة، كالمنح الدراسية أو المساعدات المالية، لتعليمهم، أوتخويل المجتمع المسلم النيبالي بالحرية اللازمة لتثقيف أطفاله وفقًا للقيم والتعاليم الإسلامية.
جدير بالذكر هنا بأن الإحصائيات تشير إلى وجود أقل من 5000 مسلمًا من ضمن خريجي الجامعات وطلاب الدراسات العليا في عام 2011.
اعترفت الحكومات النيبالية الديمقراطية التي تأسست بعد الثورة بمطالب المجتمع المسلم، حيث أكدت على أن نظام المدارس الإسلامية هو أداة واعدة لتحسين فرص حصول المسلمين على التعليم، وفي هذا السياق، تم تشكيل هيئة المدارس الإسلامية للمرة الأولى في البلاد في عام 2007، حيث بدأت هذه المدارس بتقديم الدروس باللغة الأردية، التي يتحدث بها الكثير من المسلمين في البلاد.
وعدت الحكومة النيبالية بتخصيص مساعدات مالية للمدارس الإسلامية المسجّلة شرط أن تقوم بتدريس مواد العلوم والرياضيات واللغة الإنجليزية والنيبالية، كما تم الاعتراف باللغات الأخرى التي يتحدث بها بعض المجموعات العرقية، كالماغار والتامانج، في تناقض حاد مع زمن حكم النظام الملكي عندما اقتصر تعليم اللغات في البلاد على اللغة النيبالية فقط.
ولكن بعد حوالي عقد كامل من الزمان على إعلان هذه السياسة، ما زالت أكثر من نصف المدارس الإسلامية الـ2000 في نيبال غير مسجلة، فضلًا عن أن المسجلة منها تشكو من عدم كفاية المساعدة.
تقول بدره علام خان، التي تدير مدرسة عائشة للبنات، وهي مدرسة إنكليزية متوسطة للبنات، بأن المساعدات التي تقدمها الحكومة غير كافية؛ فالمدرسة التي افتتحت بست طالبات فقط في 2006، تقدم خدماتها الآن لـ406 طالبات، وعلى الرغم من رغبة المزيد من الطالبات بالانضمام إلى المدرسة، إلا أن عدم وجود البنية التحتية ونقص المدرسين يحولان دون قبول المدرسة لعدد أكبر من الطلاب، كما تقول خان.
“لقد باشرنا العمل في هذه المدرسة والتي تسمح بحجاب ونقاب الفتيات، ونوفّر ضمنها أساليب التعليم الحديثة جنبًا إلى جنب مع التربية الإسلامية” قالت طلعت بارفين، مديرة المدرسة.
تعتقد بارفين، والتي تنحدر من مدينة جوراخبور الهندية وينحدر زوجها من النيبال، بأن الفقر يحول دون مواصلة الكثير من المسلمين في البلاد للتعليم العالي، “هناك حاجة للمزيد من الكليات والمدارس التي تقدم نظام تعليم جيد”، تقول بارفين البالغة من العمر 28 عامًا.
“الحجاب لا يمنع المسلمة عن أي شيء، فأنا حصلت على الماجستير في الأدب الإنجليزي، ونقابي لم يقف في طريقي”، قالت بارفان.
على صعيد متصل، يعتقد عبد القوي، وهو عامل اجتماعي بالغ من العمر 36 عامًا، بأن الحاجة تشتد للبرامج الخاصة، كمجانية التعليم والمنح الدراسية، لإخراج المسلمين من الفقر، وأضاف: “ولكن مع ذلك لا يتم تنفيذ أي من هذه البرامج”.
جدار في أحد فصول مدرسة إسلامية في نيبالجونج.
مستقبل أكثر إشراقًا
يعتقد قادة المجتمع المسلمين، الذين يشكلون نحو 5% من مجمل عدد سكان نيبال البالغ عددهم 30 مليون نسمة، بأن المسلمين يشكلون مجموعة متميزة في البلاد.
“على الرغم من أن المسلمين يعيشون في مادهيس، إلا أن ثقافتهم تختلف عن المجموعات الأخرى”، يقول أطهر حسين فاروقي، وهو زعيم محلي للحزب الشيوعي الموحد النيبالي (الماوي)، ويضيف:”هويتنا مختلفة سواء من خلال الثقافة أو اللغة أو النشاط الاقتصادي”.
يذكر الدستور الجديد للبلاد، والذي دخل حيز التنفيذ في عام 2015، المسلمين لأول مرة، حيث تمت إضافتهم إلى قائمة الفئات المهمشة في الدولة، كما يضمن هذا الدستور حصة من فرص العمل للمسلمين، الذين يشغرون حاليًا أقل من 1% من وظائف الخدمة المدنية.
يحمل العديد من المسلمين تفاؤلات إيجابية حول ما يمكن أن يحمله لهم المستقبل، حيث تمتلك نيبالجونج، والتي تضم أكبر عدد من المسلمين في نيبال، محطة إذاعة محلية إسلامية ومدارس ومؤسسات خيرية إسلامية جميعها تُدار من قِبل الأقلية المسلمة.
أخيرًا، يعرب فاروقي عن تفائله بشأن آفاق المسلمين المستقبلية في نيبال، حيث يقول: “لقد تم الاعتراف بعيد المسلمين كعطلة رسمية في البلاد، كما وتم تشكل اللجنة الإسلامية وهيئة المدارس الإسلامية”، مضيفًا بأن حزبه، الذي يعمل كجزء من الحكومة الائتلافية الحالية، سوف يستمر في الكفاح من أجل تحصل المزيد من الحقوق للمسلمين في نيبال.
زوجان مسلمان يركبان دراجة هوائية في نيبالجونج جنوبي البلاد.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية