فرحة الحكومة العراقية لا تقاس بعد قبول صندوق النقد الدولي بإقراضها 13 مليار دولار، ولكن ألم تتساءل الحكومة لماذا يقرضها صندوق النقد هذا المبلغ الكبير على الرغم من حالة عدم الاستقرار التي يشهدها العراق سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، هل كان لدولة أو سوق مالي أن يقرضها هذا المبلغ في ظل هذه الظروف؟ فإلام يهدف صندوق النقد من هذه القروض السخية؟ وإلى أين تقود الحكومة العراقية بالعراق؟
الاقتصاد العراقي شبه مهترئ بسبب ما تعرض له منذ الحملة الأمريكية لنزع شأفة صدام حسين عام 2003 حيث خرجت البلاد بعد تلك الحرب شبه مدمرة لا تمتلك بنية تحتية ولا مصانع ولا منشآت للإنتاج المحلي بسبب القصف الأمريكي الممنهج عليها، لم يبق سوى آبار النفط ومرفقاتها.
بعدما وضعت الحرب أوزارها مر الاقتصاد العراقي بسنوات عجاف؛ لم يتم إصلاح ما تم تدميره ولم تعالج المشاكل الرئيسية في الاقتصاد وبقيت الخسائر تتراكم حتى العام 2014 عام ظهور داعش وسيطرتها على الموصل وأجزاء أخرى من العراق وباتت تقاتل الحكومة العراقية التي صرفت مبالغ طائلة على حربها مع التنظيم.
الحكومة العراقية في وقت سابق من العام الجاري أعلنت أن الخسائر التي تكبدتها البلاد بسبب الحروب وأعمال العنف على مدار 12 عامًا بدءًا من 2004 وحتى العام الجاري بلغت 32.5 مليار دولار، جاء ثلاثة أرباعها ابتداءً من عام 2014 أي بعد ظهور تنظيم “داعش” حيث بلغت قيمة الخسائر منذ ذلك العام 24.2 مليار دولار علمًا أن هذه القيمة تمثل فقط الأضرار التي لحقت بدوائر ومؤسسات الدولة، فكيف إذا تم احتساب أضرار ممتلكات الأفراد ومنشآتهم وما لحق بها.
الاقتصاد العراقي وبسبب غياب الخطوات الفاعلة من قِبل الحكومات المتعاقبة لإصلاحه وانتشار الفساد المالي فيها، بقي يعتمد على موارده الطبيعية التي توفر له الأموال الريعية لخدمة ميزانيته بشكل كبير وصلت لنحو 90%، يصرف بها على حربه وعلى الموظفين والإعانات الاجتماعية وأمور أخرى.
منتصف العام 2014 حمل معه هبوط أسعار النفط بأكثر من 50% من قيمتها وبدأت ملامح أزمة مالية في الاقتصاد العراقي تلوح في الأفق بسبب اعتماده المفرط على إيرادات النفط التي انخفضت كثيرًا، وبدأت الحكومة مسيرة العلاج حيث أعلنت منتصف 2015 عن خطة تقشفية وتقليل النفقات.
العام الجاري يتوقع أن تسجل الحكومة عجزًا ماليًا قدره 25 مليار دولار من أصل ميزانية مالية قدرت بـ 100 مليار دولار لهذا العام، وبسبب ذلك العجز أبدت الحكومة نيتها الاقتراض من الخارج من المؤسسات الدولية، علمًا أن الحكومة العراقية ومن أجل تلافي المزيد من الخسائر لجأت إلى رفع ضريبة المبيعات على السلع المستوردة بهدف تعزيز الإيرادات المالية لتقليل حجم الأزمة المالية التي تعاني منها البلاد.
صندوق النقد يوافق على منح قرض للعراق
أعلن التلفزيون العراقي الرسمي يوم الثلاثاء 17 من الشهر الجاري عن موافقة صندوق النقد الدولي إقراض الحكومة العراقية مبلغ 13 مليار دولار لتغطية عجزها المالي.
وبعد أسبوع من المباحثات بين وفد من صندوق النقد الدولي ووفد من الحكومة العراقية برئاسة وزير المالية العراقي هوشيار زيباري، أثمر يوم الخميس 19 الشهر الجاري بقبول صندوق النقد الدولي إقراض الحكومة العراقية 5.4 مليارات دولار، وقال رئيس بعثة الصندوق في العراق إن “العراق تأثر بشدة بالنزاع وتراجع أسعار النفط، وللاستجابة للحاجات العاجلة لميزان المدفوعات فإن السلطات العراقية وأعضاء صندوق النقد اتفقوا على برنامج مالي واقتصادي يمتد ثلاث سنوات، بحيث يمكن البدء بدفع أقساط القرض ابتداءً من يونيو/ حزيران أو يوليو/ تموز المقبل، وسيوزع القرض على 13 شريحة على مدى 3 سنوات حتى يونيو/ حزيران 2019 وسيكون السداد على ثماني سنوات منها ثلاث سنوات فترة سماح وسيتراوح معدل الفائدة بين 1- 1.5%.
وأكد كل من رئيس بعثة الصندوق ووزير المالية العراقي أن هذا الاتفاق سيسمح للعراق بالعودة للاقتراض من الأسواق العالمية ويحسن من تصنيفها الائتماني ويساعد على إصدار سندات، كما أكد عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي جبار عبد الخالق أن “موافقة صندوق النقد الدولي على إقراض العراق جاءت بعد التأكد من قدرة المؤسسات العراقية المالية على الإيفاء بالتزاماتها”.
والجدير بالذكر أن الاتفاق مرهون بكبح الإنفاق وخفض العجز في موازنة العراق وتحسين تحصيل الضرائب والجمارك والإيرادات وخفض عجز المشروعات المملوكة للدولة وتنظيم أسعار الكهرباء وتطوير الإشراف المصرفي لمحاربة الفساد وغسل الأموال، وتحسين كفاءة منظومة توزيع الغذاء العراقية بأن تستهدف الفئات الأكثر استحقاقًا فقط.
وكان صندوق النقد توقع في تقرير صدر الشهر الماضي أن يبلغ النمو الاقتصادي في العراق 2.9% خلال العام الجاري مقابل 1.9% العام الماضي.
أزمة تليها أزمة
الاقتصاد العراقي لا يفتأ أن يتلقى الضربات داخليًا وخارجيًا، والضربة الأشد هي الطريقة التي يعالج بها، إذ يعالج بطرق إسعافية من خلال تقديم جرعات من الأموال دون النظر للمشاكل الجذرية الاقتصادية التي أدت لظهور الأزمة المالية، علمًا أن هذه الأموال ستصبح عبئًا في تسديدها، فيما إذا لم تعالج المشاكل الجذرية للاقتصاد، وفي حال بقاء الوضع على ما هو عليه مع ما يرافقه من أزمات سياسية بين الحين والآخر وحرب تشنها الحكومة على تنظيم الدولة تكلفها الكثير من الأموال، فإن الدائن وهو صندوق النقد سيتدخل بكل صغيرة وكبيرة في الدولة لاسترجاع الدين، وبهذا تصبح الدولة مرهونة بشكل شبه كامل للدائن وهذا ما لا يُحمد عقباه.
وإذ تبدو العاصمة بغداد اليوم هادئة نوعًا ما بعد أحداث الأمس التي رافقت اقتحام أتباع الصدر للمنطقة الخضراء واشتباكات دارت بين المتظاهرين وقوات الأمن أطلقت على إثرها قوات الأمن الرصاص في الهواء والغاز المسيل للدموع على المتظاهرين لتفريقهم وثنيهم عن الاقتراب من المنطقة الخضراء ما أدى إلى تسجيل مئات الإصابات، يكاد هذا الهدوء يشي بأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، إذ من المقرر أن اجتماعًا سيجري بين قادة ميليشيا “سرايا السلام” في الصباح للتباحث بشأن الخطوات القادمة وما جرى في الأمس بين المتظاهرين وقوات الأمن، وبحسب مصادر فإن “نتائج الاجتماع ستعرض على مقتدى الصدر ليتخذ القرار الذي يراه مناسبًا”، ومن جهة أخرى انتشرت قوات الأمن العراقية بكثافة اليوم قرب محيط المنطقة الخضراء وقطعت أغلب طرق العاصمة، وسياسيًا تحاول كتل التحالف الوطني الحاكم لملمة الأزمة والتقريب بين الصدر ورئيس الحكومة حيدر العبادي مخافة انفلات الأمور عن السيطرة.