يحق للشباب الشعور بالفخر أنهم شرارة التغيير في أحداث الحراك العربي، ويحق لهم تأسيس قاعدة شبابية لبناء غدٍ أفضل قوامها الهمة ومدادها العنفوان والتحدي، وللشباب الحق بالتغني والتأسي بأمجاد حضارة الأمة العريقة حيث كانوا وقودها، وما إسناد مهمة قيادة جيش المسلمين المتوجه إلى غزو الروم في الشام لأصغر قائد في الإسلام، وهو الشاب أسامة بن زيد، إلا دليل على ذلك.
لم يكن قرار الشباب في رسم حدود خارطة جديدة للأمة قرارًا سهلًا، ولم يكن عنوة أو مجاملة، بل انطلاقًا من غايات سامية وأهداف عالية، وفكر واع.
جولة في الوطن العربي
في جولة شبابية ما بين الشرق والغرب في الوطن العربي لتلتقي نماذج شبابية، فمن الغرب بشرى القاسمي من المغرب، ومن الجنوب المهندسة أماني الرفاعي من مصر، ومن قلب الأمة ونبضها فلسطين مع رشدي سراج من غزة، أما من الشرق – مهد الحضارات – العراق فمع صهيب الفلاحي، ومن – أرض الرباط – الأردن مع المهندسة غدير العوضي، وكذلك بعض الشباب من دول ثورات الربيع العربي: ليبيا واليمن.
درجة تفاعل الشباب مع قضايا الأمة
بشرى في نظرة تشاؤمية تقول: “حقيقة لا أجدني أتفاعل معها مع كثرة الانهزامية المشاعة في إعلامنا، لذلك حتى المتابعة أصبحت شبه معدومة لدي، وأرى أن الشباب يشعرون بعدم جدوى هذا التفاعل، وأنه حرق للأعصاب بدون فائدة”، وتستدرك: لكن بين الفينة والأخرى نجد حراكًا وتفاعلًا شبابيًا، ونأمل أن يتواصل.
رشدي: “كفلسطيني أعيش في غزة أجد نفسي متفاعلًا لأبعد الحدود مع قضايا الأمة، لأني أدرك تمامًا أنه لا طريق للنصر إن لم نتوحد على قضايا الأمة جميعها، فنحن نشعر مع أمتنا لأنها تذوق من نفس كأس المعاناة الذي نذوق منه، مع اختلاف في طبيعة المواجهة، فنحن مع الحق مهما كان صاحبه، لكني أرى أن هناك انخفاض واضح جدًا في التفاعل مع قضايا الأمة، ربما لكثرة الملهيات والمشتتات في عصرنا، وغياب الوازع الديني أو ضعفه، وكذا غياب قيادة فاعلة ومؤثرة تقود الشباب وتوجههم وتستثمر طاقاتهم”.
م. غدير: “رابطة العقيدة التي تعلو فوق رابطة الدم والرحم تقتضي بألا يمر يوم دون أن نذكر أو نتابع معاناة شعوبنا العربية والإسلامية من خلال الإعلام المرئي، ونتذكرهم ولو بدعاء في صلواتنا، ونستذكر جوعهم في طعامنا، ونستذكر عطشهم في ارتوائنا، ونستذكر جروحهم وآلامهم في صحتنا، وخوفهم وجزعهم في منامنا”.
كم هم مؤثرون!
الإعلامي صهيب الفلاحي يرى الواقع بنظرة منصفة فيقول: “لا يكاد بلد يخلو من المتفاعلين مع قضايا الأمة، وثمة ناشطون في كل مكان همهم تقديم ما يقدرون عليه، وفي المقابل هناك من يعيش لنفسه ولا يهمه سوى دائرة مصالحه”.
ويضيف الفلاحي: “ربما يكون الصنف الثاني هو الأوسع انتشارًا لأسباب كثيرة ربما تبدأ بما تربى عليه الفرد وتمر بمحيطه السلبي ولا تنتهي بالمَدَنية والتقنية من حوله، لكن الناشطين والمتفاعلين والمهتمين بقضايا الأمة يشكلون عمودها الفقري، ويكفيهم أنهم مؤثرون”.
“الشباب متحمس جدًا” حسب وصف المهندسة أماني الرفاعي، وتضيف: “لكن الواضح الآن انصراف الشباب إلى الاهتمام بقضايا أوطانهم كل على حدة، بعد الثورات العربية، وهذا أمر جيد، ولكن ذلك صار على حساب التفاعل مع قضايا الأمة الخارجية، كغزة مثلًا.
3 أصناف للشباب
ضربت المهندسة الرفاعي من التجربة المصرية مثالًا توضح تفاعل الشباب مع قضيتهم، وصنفتهم إلى ثلاثة أنواع: “شباب مخلصون انخرطوا في عمل تطوعي لصالح الثورة وشعارهم: (نحن بعد الثورة.. لا بد أن نتغير جميعًا للأفضل)، وهؤلاء أغلبية، وشباب لا يرون أهمية للثورة، شعارهم: (ما دام كدة كدة عايشين)، فهؤلاء موقفهم لم ولن يتغير سواء قبل الثورة أو بعدها، فقد وطنوا أنفسهم على السلبية، وآخرون لا نحسبهم على الوطن، وهم الفئة المثيرة للشغب في غياب أمن الوطن الذين لم ينالوا من العلم نصيبًا ولا من الخلق أبسطه، وهم أقلية طبعًا، كفانا الله شرورهم”.
أولويات شبابية
“الربيع العربي خلق ثورة في الفكر تغيرت بسببها طرق التفكير وأولويات الشباب”، هكذا يرى صهيب الفلاحي وهو يقارن بين أولويات الشباب قبل الحراك الشبابي وبعده، ويضيف: “لم تكن تسمع قبل هذا الربيع عن مفاهيم وقيم نزلت من كتب التنظير إلى معترك الواقع، فالحرية والثورة على الظلم والفساد وزخم التغيير وإثبات الحقوق و.. و.. وغيرها، هي أولويات بدأت تسود عند الشباب الآن”.
تفاعل مخطط!
ومن منطلق دراسة الفلاحي الأكاديمية للإعلام وواقع عمله المرتبط به، سألته “هل يعتبر (الوعي والمشاركة السياسية) أحد الأضلاع المهمة في التفاعل مع القضايا؟” أجاب: “الوعي بأهمية المشاركة الفاعلة في قضايا الأمة، والوعي بالتخطيط الفاعل لهذه المشاركة، والوعي بالعوائق التي تعترض المشروع، والوعي بما نريد أن نصل إليه، والوعي في تكامل الأدوار لبناء زخرفة الأمة في كل تخصصاتها، ثم المشاركة الفاعلة في كل ذلك، هو ما يجب على شباب التغيير أن يدركوه”، لتقف الأمة على أرض صلبة.
الشباب قادمون
توجهنا بالسؤال ذاته للكاتب والأكاديمي الأردني للدكتور موسى برهومة، فأجاب: “الوعي والمشاركة السياسية هما أساسان للتفاعل مع قضايا المجتمع والأمة، أعطني شابًا واعيًا أعطك مستقبلًا زاهرًا، ولكن أنظمة الحكم العربية أطفأت جذوة المشاركة والمبادرة لدى الشباب العربي، وحرفتهم عن مساراتهم، وجعلتهم أسرى اللهو والفراغ من أجل تحييدهم، وعدم تمكينهم من أن يؤثروا في التحولات داخل الدولة والمجتمع، ولكن الربيع العربي كفيل بتغيير هذه النظرة، الشباب قادمون”.
يجد برهومة تفاعل الشباب مع قضايا الأمة أضحى (كتلة واحدة) بالمقارنة بما قبل الربيع العربي: “تفاعل الشباب مع قضايا الأمة كان ضعيفًا قبل الربيع العربي، أما الآن فأرى أن الشباب العربي أضحى كتلة واحدة، فما يصيب تونس يصيب مصر وما يصيب سورية واليمن يصيب الأردن”.
ويرى برهومة أن على الدولة أن ترعى نمو الشعور بالانتماء من خلال البرامج السياسية والتثقيفية الواعية والمدروسة والبعيدة عن لغة التحشيد والتعبئة.
ويضيف “لكن الأساس هو في الأسرة والمدرسة والجامعة، والعالم العربي لا يهتم بهذه المؤسسات، فهو منشغل بالأمن، على حساب انشغاله بالتربية وتنمية الوعي الديمقراطي لدى الشباب بدل إقصائهم وتهميشهم”.
ساعة الحسم دقت!
ويختم حديثه “لكن ساعة الحسم قد دقت، وأعتقد أن وجه العالم العربي سيتغير، فلا قوة، مهما طغت وتجبرت، تستطيع أن تقف أمام التغيير الحتمي، إنها سنة التاريخ، وقضاؤه المبرم”.
شباب الغد
ولأن الأسرة هي الأساس في بناء شباب الغد، استطلعت رأي كل من الأخت هدى عمرو – أم لأربعة أطفال -، والأخت ساجدة بكيرات – أم لأربعة أطفال -، وسألتهما عن دورهما مع أبنائهما في تعزيز التفاعل مع قضايا الأمة، فأجابت هدى عمرو: “الأم الواعية تلعب دورًا كبيرًا في ذلك من خلال أمرين أساسيين، الأول: أن تكون هي بذاتها قدوة لهم، والثاني: أن تنمي في أبنائها حس المسؤولية وتعلمهم التخطيط لأعمالهم منذ الصغر بحيث توزع عليهم مهام تناسب أعمارهم ومقدرتهم الفكرية”.
وأجابت ساجدة بكيرات: “الأسرة دورها محوري وأساسي، فعندما يهتم الآباء والأمهات بما يحدث في العالم الإسلامي من حراك ويحيطون أبناءهم به، فإنه يتكون عندهم حافز لمعرفة ما يحصل، فيتفاعلون ويتعاطفون مع قضايا أمتهم”.