مفهوم المنافسة لم يعد يقتصر على الأفراد والشركات بين بعضهم البعض بل أصبحت بين شركة وحكومة بعدما أضحت تلك الشركة أخطبوطًا برأس مال يفوق ميزانية عدة دول وبعدد موظفين يفوق مواطني عدة بلدات وقرى، حتى أصبح وقع اسمها يرعب حكومات دول بعد أن صار لها الكلمة الفصل في تحريك رأس المال وإنعاش الاقتصاد ومفاتيح التشغيل والتوظيف، إنها الشركات المتعددة الجنسيات، والأمثلة عليها كثيرة من أبل في أمريكا التي يفوق رأس مالها الناتج المحلي لثلثي دول العالم، إلى أخطبوط مبيعات التجزئة في العالم وول مارت والتي قدرت إيراداتها السنوية 2015 نحو نصف ترليون دولار.
تسمية الشركة ومفهومها
اختلفت تسميات هذه الشركات العملاقة، فسميت بالشركات عبر الوطنية أو القومية والشركات العالمية والمشروع المتعدد الجنسيات، وورد في المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة 21 تسمية للشركات المتعددة الجنسيات.
وتعريفها: شركة أم تسيطر على تجمع كبير من المؤسسات في قوميات عديدة وتقوم بعمليات متشعبة وكبيرة جدًا في البلدان الأخرى غير بلدها الأم وتمتلك طاقات إنتاجية وتمارس نشاطها في ستة بلدان على الأقل.
عرفت الأمم المتحدة هذه الشركات عام 1974 وأطلقت عليها اسم الشركات “عابرة القوميات” بأنها كيان اقتصادي يزاول التجارة والإنتاج عبر القارات وله في دولتين أو أكثر شركات وليدة أو فروع تتحكم فيها الشركة الأم بصورة فعالة وتخطط لكل قراراتها تخطيطًا شاملًا.
تتميز هذه الشركات بطابع تكاملي من حيث اتخاذ القرار والتصرف والاستراتيجية والموارد الإنسانية والمادية والفنية، فكل من الشركة الأم وفروعها ومنشآتها التابعة لها تكون مجموعًا واحدًا متكاملًا، كما أن العلاقة بين فروعها بين الدول لا تعدو عن هذا الوصف وتتبع دومًا للشركة الأم في علاقة رأسية وعمودية.
ولا يبدو هذا المفهوم أنه ظهر حديثًا كما يتراءى للبعض، فالانتشار الحقيقي لهذا النوع من الشركات ظهر بشكل راسخ في أوائل القرن الماضي في عام 1914 وقدر وقتها الرصيد العالمي للاستثمارات الأجنبية المباشرة لهذه الشركات بـ 14 مليار دولار وحازت الشركات البريطانية آنذاك على الحجم الأكبر من الاستثمار تليها الشركات الأمريكية ومن ثم الألمانية.
عراقيل واجهت الشركات المتعددة الجنسيات
خضع تنظيم هذا النوع من الشركات لقواعد وطنية تتعلق بالبلد المستضيف إذ لم تكن دول العالم متشابهة في تعاملها مع هذه الشركات، حيث وضعت العديد من الدول عراقيلاً أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة باعتبارها خطرًا كبيرًا على الاقتصاد ومهددًا حقيقيًا للثروات الوطنية، فسنت التشريعات للحد من الاستثمارات المباشرة، كما لم تسمح الدول الاشتراكية سابقًا للشركات المتعددة الجنسيات بممارسة أي نشاط على أراضيها إلا باتفاقية خاصة معها.
إلا أن التغييرات في النظام الاقتصادي العالمي المتعاقبة والعولمة أدت إلى تغيير سياسة استقبال هذه الدول على أراض الدول المستضيفة، فتم تشجيع هذه الشركات على ممارسة أعمالها بحرية الاستثمار على أراضيها سواءً بشكل نسبي أو مطلق، حيث خضع عملها لمسائل جنسية الشركات وسياسة الازدواج الضريبي وقوانين العمل النافذة وقوانين المحاسبة ومراقبة الشركات والقضاء المتخصص بحل المنازعات فضلًا عن أمور أخرى متعلقة بقوانين الاستثمار والمنافسة الحرة.
وغالبًا ما تسعى الدول للحد من نشاط هذه الشركات من خلال تحديد نسبة المال الأجنبي والأفراد الأجانب في المشاريع الوطنية وإلغاء الاستثمارات في القطاعات الحيوية، وتبني برامج مراقبة الشركات ووضع شروط للاستثمار ولتحويل الأموال إلى الخارج.
خصائص تتمتع بها الشركات المتعددة الجنسية
تتمتع الشركات المتعددة الجنسيات بعدة خصائص من أهمها الانتشار والضخامة ومركزية اتخاذ القرارات وإدارة عملياتها باستراتيجية عالمية والقدرة على نقل التكولوجيا.
فمن حيث ضخامة حجم تلك الشركات فهي تستحوذ على 80% من إجمالي مبيعات العالم وازداد حجم مبيعاتها من 5.503 مليار دولار إلى 1.354 مليار دولار عام 1999 وإلى 18.500 مليار دولار عام 2001.
ومن حيث حجم الإيرادات فإن أكبر 500 شركة متعددة الجنسية وصل إجمالي إيراداتها إلى نحو 44% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
تستثمر هذه الشركات في معظم دول العالم وخاصة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وسويسرا واليابان وزاد مؤخرًا حجم استثماراتها في الصين والبرازيل وتركيا وبعض الدول العربية، إذ تنجذب للمناخ الجاذب للاستثمار وارتفاع عائداته وتوافر البنية الأساسية والطاقة الاستيعابية للاقتصاد القومي.
كما تتميز هذه الشركات بكبر مساحة السوق التي تغطيها وحجم امتدادها الجغرافي خارج حدود الدولة الأم بما تملكه من إمكانيات هائلة في التسويق وفروع في مختلف أنحاء العالم.
وتشير التقديرات أن عدد الشركات المتعددة الجنسيات يناهز 65 ألف شركة حول العالم وقرابة 850 ألف شركة أجنبية تابعة لها، وحازت الدول المتقدمة على نسبة 77% من إجمالي الشركات المتعددة الجنسيات.
كذلك تتميز بتعدد وتنوع نشاطاتها بهدف تعويض الخسارة المحتملة في نشاط معين بأرباح تتحقق من أنشطة أخرى، وبالتفوق التكنولوجي إذ تعد مصدرًا أسياسيًا في نقل المعرفة الفنية والإدارية والتنظيمية من خلال التدريب وتوفير العمالة المتخصصة عن طريق الاستثمار الأجنبي المباشر من شركة متعددة الجنسيات إلى فروعها في الدول المضيفة.
أمثلة على الشركات المتعددة الجنسية
وول مارت تتخصص في بيع التجزئة ومقرها في الولايات المتحدة وإيراداتها السنوية تقدر 488 مليار دولار حسب عام 2015، من الولايات المتحدة أيضًا شركة إكسن موبيل المتخصصة في مجال النفط والغاز وبلغت إيراداتها في 2015 269 مليار دولار، وهناك أيضًا رويال داتش شل الهولندية بإيرادات بلغت 265 مليار دولار، وأبل وسامسونغ وأمازون ومايكروسوفت ونسلة وألفابت وفودافون وغيرها الكثير.