يبدو أن بعض الدول العربية وعلى رأسهم مصر والسعودية والأردن، سئموا من استمرار الوضع الراهن والصراع الدائم مع إسرائيل، فبدأوا فعليًا بالدخول في المرحلة النهائية وهي البحث عن طريق يحاولون به التودد والتقرب لدولة الكيان، بعد انتظار دام أكثر من 14 عامًا.
الجهد العربي الجديد المطروح على الساحة الآن، لم يكن بتحرك دبلوماسي أو سياسي، أو حتى بالضغط على الجانب الإسرائيلي، لوقف وحشيته في التعامل مع الفلسطينيين وقتلهم بدم بارد، أو وضع حد للتعدي على المقدسات الإسلامية وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك، أو حتى بالدفاع عن الحقوق الفلسطينية الأخرى المسلوبة، بل بأقل من ذلك بكثير.
فكان الاقتراح الذي شكل صدمة بالنسبة للمراقبين، هو الحديث عن أن الدول العربية تنوي فعليًا إجراء “تعديلات” على مبادرة السلام العربية، التي توافق عليها العرب في العام 2002، وبقيت حبيسة “درج” جامعة الدول العربية طوال الـ14 عامًا الماضية، بسبب الرفض القاطع لإسرائيل في التعامل معها.
مغازلة إسرائيل
فبدلًا من أن تقوم الدول العربية بجهود دبلوماسية وسياسية كبيرة، واستخدام “لغة المصالح” في الضغط على الاحتلال للقبول بمبادرة السلام العربية، التي تعترف فعليًا بكل الحقوق الفلسطينية، بما فيها حق عودة اللاجئين وفقًا لقرار 192، بدأت تلك الدول بمغازلة إسرائيل.
الحديث عن إجراء التعديلات على مبادرة السلام العربية، تلقته إسرائيل بإيجابية كبيرة، كونه في نهاية الأمر يخدم مصالحها في المنطقة، بإقامة علاقات رسمية مع دول عربية ذات وزن ومنها السعودية ومصر والأردن والإمارات، وسيُسهل عليها الوصول للتطبيع الكامل مع تلك الدول.
لكن ثمة جانب أساسي في المعادلة “العربية – الإسرائيلية” المطروحة للتعديل، وهم الفلسطينيون اللذين دفعوا ثمن الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي في ظل وحشيته وجبروته في المنطقة غاليًا، ولم تسلم أرواحهم ولا منازلهم ولا حتى مقدساتهم الإسلامية من آلة البطش الإسرائيلية.
فهم يعتبرون البنود التي طرحت في مبادرة السلام العربية، أساسيات لا يمكن التفريط بها ولا حتى التنازل عنها، مقابل إقامة أي علاقات مع إسرائيل، وعلى رأسها الاعتراف بالحقوق الفلسطينية كاملةً، بما فيها حق عودة اللاجئين، والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 67.
وعبروا عن تخوفهم الكبير من أن تكون التعديلات التي ستطرح على مبادرة السلام العربية، تمس بالحقوق الفلسطينية وثوابتها، لإرضاء إسرائيل، تحت ذريعة تحريك عملية السلام والمفاوضات في المنطقة.
تخوف وقلق فلسطيني
القيادي في حركة حماس والنائب في المجلس التشريعي الدكتور فتحي القرعاوي، أكد لمراسل”نون بوست” في غزة، أن “التوجه العربي الجديد لتعديل مبادرة السلام العربية، مثير للقلق والتخوف، حول الرؤية العربية الجديدة التي ستحدد الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي”، ويضيف القرعاوي “أعتقد أن التعديلات التي ستجري على المبادرة لن تكون في صالح الفلسطينيين، بل ستصب في مجملها لصالح دول الكيان، كون المبادرة لها 14عامًا ولم تحرك ساكنة، والرفض الإسرائيلي أصابها بالشلل التام”.
كما شدد على أن المساس بالحقوق الفلسطينية من أجل تحريك المفاوضات الفاشلة طوال الـ22 عامًا الماضية بين السلطة وإسرائيل، أمر مرفوض تمامًا ولن يقبل به الفلسطينيين حتى أي ظروف، وتعطيل أو تجميد أي من الحقوق سيكون أمرًا في غاية الخطورة.
بالإضافة إلى ذلك، حذر القيادي في حركة حماس، من المساس بالحقوق والثوابت الفلسطينية التي ضحى من أجلها مئات آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، مؤكدًا أنها “خط أحمر” لا يمكن أن يتجاوزه أحد.
على الجانب الآخر، عبر القيادي البارز بحركة فتح وعضو لجنتها المركزية أمين مقبول، عن عدم معارضة حركته لإجراء أي تعديلات على مبادرة السلام العربية، مؤكدًا أنها “غير مقدسة”.
لكن مقبول، اشترط في حديثه لمراسل “نون بوست”، لموافقة السلطة وحركة فتح، على التعديلات بأن تصب في صالح الفلسطينيين، أولًا ولا تعطي إسرائيل فرصة للاستمرار في عدوانها وتصعيدها العسكري والأمني والاقتصادي على الفلسطينيين، والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية.
ومبادرة السلام العربية التي تم اقتراحها من قبل المملكة العربية السعودية، ونالت موافقة الجامعة العربية عام 2002 (وأيضًا في عام 2007)، تهدف إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، مع إمكانية تبادل الأراضي المتفق عليها بين الجانبين، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، مع حل عادل ومتفق عليه تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين، وفقًا لقرار الأمم المتحدة رقم 194، وفي المقابل، تقوم الدول العربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، مما يعزز شرعيتها دوليًا.
وتعتبر تل أبيب مبادرة السلام العربية غير مفيدة، حيث تفتقد للتفاصيل والآليات لإنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وتشارك واشنطن إسرائيل نفس التحفظات، وقال نتنياهو قبل شهر تقريبًا: إن”صيغة معدلة لمبادرة السلام العربية تستحق الدراسة”، مضيفًا: “صيغة معدلة لهذه المبادرة تأخذ همومنا بعين الاعتبار ستستحق الدراسة، إسرائيل ستبحث دومًا عن السلام”، على حد زعمه.
عروض عربية مغرية
تقارير إسرائيلية، ذكرت أن السعودية دخلت على الخط وأرسلت لحكومة إسرائيل تعرض عليها تعديل مبادرة السلام العربية، بشأن قضيتي الجولان السوري المحتل واللاجئين الفلسطينيين.
وفي العرض العربي الجديد المغري المقدم لإسرائيل، نقلت القناة العاشرة الإسرائيلية عن مصادر غربية قولها إن “السعودية ودولاً خليجية نقلت رسائل إلى تل أبيب بشأن استعدادها لتعديل مبادرة السلام العربية”.
المصادر الغربية هذه قالت، حسب القناة العاشرة، “إن رسائل بهذا الشأن نقلتها السعودية وبعض الدول الخليجية إلى الإسرائيليين عبر مبعوثين دوليين منهم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير”.
واشتملت الرسائل على أن الدول العربية المعنية تنتظر ردًا إسرائيليًا رسميًا على اقتراح التعديل، خاصة فيما يتعلق بإعادة هضبة الجولان وحق العودة المنصوص عليها في مبادرة السلام العربية.
وأشارت القناة العاشرة أن مباحثات التعديل ستنطلق بقيادة مصرية فور حصول الدول العربية المذكورة على رد إسرائيل على أن يتم بالاعتماد على نتائجها، استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني.
هنا لا بد من إعادة التذكير بأن العرض السعودي جاء بعدما عرض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نفسه قبل أيام وسيطًا لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وليس شريكًا، خاصة وأنه بذلك قد تخلى عن مصطلح “الصراع العربي الإسرائيلي”، حيث أكد خلال افتتاح محطة الطاقة على أن هناك فرصة حقيقية لإقامة سلام حقيقي وأمن واستقرار بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، إذا ما كان هناك تجاوبًا حقيقيًا مع الجهود العربية والدولية لإقامة السلام، وأعلن عن استعداد مصر للعب دور بين الفلسطينيين والإسرائيليين في هذا الصدد.