ترجمة وتحرير نون بوست
تزامن استمرار التحقيق في حادثة تحطم رحلة مصر للطيران رقم 804 ومباشرة العثور على بعض الأدلة، مع صمت غريب ومطبق في العالم الجهادي، حيث تشير الأحداث إلى أن مراقبي الحركة الجوية فقدوا الاتصال مع الطائرة في وقت مبكر من يوم 19 مايو، وبالنظر إلى المدة الزمنية، فنحن الآن خارج الإطار الزمني الذي تتبنى فيه الجماعات الجهادية عادة المسؤولية عن الهجمات.
التفسير الوحيد الواضح حتى الآن حول الحادثة هو وقوع عطل ميكانيكي أو كهربائي كارثي أسفر عن إسقاط الطائرة، ولكن نظرًا لكافة المؤشرات التي ترجع سقوط الطائرة لهجوم إرهابي، يجدر بنا التقصي عن سبب عدم وجود أي إعلان للمسؤولية عن الحادث من قِبل أي جماعة جهادية وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لتحطم الطائرة.
الجماعات الجهادية الأساسية التي تتمتع بالقدرة والرغبة في إسقاط الرحلة 804، هي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتنظيم القاعدة، وكلاهما يتمتعان بعلاقات عامة متطورة ووسائل إعلام يستطيعان من خلالها إعلان مسؤوليتها عن الهجمات بسرعة فائقة.
إذا نظرنا إلى الحادثة الجوية التي سبقت هذه الحادثة، تحطم طائرة الميتروجت الروسية في الرحلة 9268، والتي تفجرت فوق شبه جزيرة سيناء في عام 2015، سنلاحظ بأن تنظيم داعش أعلن مسؤوليته عن الهجوم في ذات اليوم، كما أعلن التنظيم مسؤوليته أيضًا عن الهجمات الإرهابية الأخيرة الأخرى في بروكسل وجاكرتا وباريس خلال يوم واحد من وقوعها، وبالمثل، ادّعت فروع تنظيم القاعدة مسؤوليتها عن سلسلة الهجمات ضد فنادق في غرب افريقيا في ذات اليوم أو في اليوم الذي يليه، وأخيرًا عزا مهاجما سان برناردينو أعمالهما إلى تنظيم داعش قبل تنفيذ العملية، ولكن الذراع الإعلامي المركزي للتنظيم استغرق ثلاثة أيام ليثني على الهجوم، لأن الهجوم على الأرجح تم تنفيذه من قِبل جهاديين مناصرين للتنظيم بدون أن يتم التخطيط له ضمن قيادة التنظيم المركزية.
على ضوء النمط المستنبط من الحوادث السابقة، إذا كان تنظيم داعش أو تنظيم القاعدة أو فروعهما الإقليمية هي التي نفذت هذا الهجوم، فكان يجب أن نرى الآن تبنيًا للمسؤولية عن الحادثة، ولكن عدم إعلان المسؤولية لا يعني استبعاد العمل الإرهابي في حادثة مصر للطيران؛ فتنظيم داعش والقاعدة يُعتبران أقوى المجموعات الجهادية من حيث الأيديولوجية التي ينشرانها، كما وتبدو وسائل إعلامهما أكثر نجاعة في إلهام قاعدة الجهاديين الشعبية لتنفيذ الهجمات بشكل منفرد من توفير الإرشادات الدقيقة لكيفية تنفيذ الهجوم؛ لذا، وفي حال كان هذا الهجوم منفذًا بشكل مستقل من قِبل القاعدة الشعبية للتنظيمين في فرنسا أو في تونس أو في إريتريا (وهي المواقع التي حطّت بها الطائرة خلال الـ24 ساعة السابقة على تحطمها)، فسيكون قادة الجهاديين وأجنحة وسائل إعلام الجماعات الجهادية متشوقين كبقيتنا لمعرفة ما حدث، وكما كان عليه الحال في هجوم سان بيرناردينو، فإن إعداد رد من قِبل الأذرع الإعلامية للجماعات الجهادية قد يستغرق بضعة أيام.
التفسير الأكثر خبثًا، ولكن الأقل ترجيحًا، هو أن المجموعة الإرهابية قد توصلت لطريقة جديدة لمهاجمة الطائرات، وتعمل على إخفاء تورطها بالهجوم بغية تكرار الهجوم في مكان آخر، وهذا النوع من النشاط السري سبق لنا وأن رأيناه في عملية بوجينكا في عام 1995، حيث لم يعلن المفجرون مسؤوليتهم عن تفجير رحلة طيران الفلبين رقم 434 في ديسمبر 1994 لأنهم كانوا يأملون في استخدام نسخة مطوّرة من ذات الجهاز في هجوم أوسع لاستهداف 10 طائرات عبر المحيط الهادي.
على الرغم من أن السلطات كانت سريعة في الاستجابة لتقنيات قنابل الأحذية في عام 2001 وقنابل الملابس الداخلية في عام 2009، ولكن لو استطاعت هذه الأجهزة والتقنيات تأدية وظيفتها للهدف الذي تم تصميمها لأجله بتدمير الطائرات، وخاصة فوق مياه المحيطات والبحار، لاستغرق المحققون أشهرًا أو حتى سنوات لتحديد سبب الانفجار، وهذا من شأنه أن يعطي المفجرين فرصة كبيرة لتكرار استعمال ذات التقنية؛ وبناء عليه، وفي أسوء سيناريو متصوّر للأحداث الأخيرة، قد يكون لدينا صانع قنابل مختص وطليق يعرف كيف يصل بالقنبلة إلى متن طائرة، بدون أن يكون لدى سلطات أي فكرة عن الطريقة التي يستخدمها.
حقيقة أن رحلة مصر للطيران رقم 804 سقطت ضمن المياه تجعل مهمة التحقيق أصعب مما لو كانت الطائرة قد تحطمت فوق البر، فالتحقيق في بعض الحوادث المماثلة، كرحلة طائرة بان أميركا رقم 103 التي تحطمت فوق المحيط، استغرق سنوات حتى الوصول إلى نتيجة، وبالمثل، مر أكثر من عامين منذ اختفاء رحلة الطائرة الماليزية رقم370، وحتى الآن لم يستطع المحققون سوى استرداد بعض أجزاء الطائرة، التي لا تكفي بتاتًا لتحديد سبب انفجارها، كما استغرق الأمر ثلاث سنوات كاملة لمعرفة أن سبب سقوط رحلة الخطوط الجوية الفرنسية رقم 447، التي تحطمت فوق المحيط الأطلسي في عام 2009، ناجم عن مشاكل فنية، وهو وقت أكثر من كافٍ لتكرار تكتيك الهجوم الإرهابي لو كان سقوط الطائرة ناجمًا عن مثل هكذا الهجوم.
من جهة أخرى، يعد موقع تحطم الطائرة المصرية أقرب إلى البر، حيث لا تشهد المياه في ذاك الموقع ذات التيارات العنيفة التي عاثت فسادًا في أدلة تحطم الطائرة الماليزية، ولكن مع ذلك، عمق المياه في مكان التحطم يمكن أن يصل إلى ميل كامل، مما يجعل استعادة حطام الطائرة أو صندوقها الأسود من قاع البحر أمرًا في غاية التعقيد.
بالمحصلة، وإذا حكمنا من خلال الكوارث الجوية الأخيرة التي وقعت على المياه، فمن غير المرجح أن نتوصل إلى نتيجة شرعية وقاطعة حول سبب سقوط الطائرة المصرية إلا بعد مرور شهور أو سنوات قادمة، هذا إن تم التوصل أساسًا للسبب؛ مما سيترك السؤال الأهم حول كيفية وقوع الحادث دون أي إجابة.
من المرجح أن تظهر نتائج التحقيقات البرية مع الطاقم الأرضي، طاقم الطائرة، الركاب، واستطلاعات الأقمار الصناعية قبل ظهور أي أدلة من موقع الحادث، ولكن تلك التحقيقات لن توفر بالضرورة القصة الكاملة والحقيقية لما حدث حقًا على أرض الواقع، كما أن التعاون المطلوب بين مصر واليونان وفرنسا وأي دول أخرى تتدخل في التحقيق يزيد من تعقيد المهمة الشاقة أساسًا، لأن معارك النفوذ الدولية قد تتسبب بتأخير صدور نتائج التحقيقات حول الطرف المسؤول عن الحادثة، بما في ذلك تأخير التجهيز الشامل والسريع للأدلة الكافية.
أخيرًا، قد يُضعف غياب أي إعلان للمسؤولية من مخاوف سقوط الطائرة جرّاء هجوم إرهابي، ولكن وفي أسوأ سيناريو للأحداث، يمكن أن يكون غياب الإعلان علامة على وقوع المزيد من الهجمات المماثلة في المستقبل.
المصدر: مركز ستراتفور