ترجمة حفصة جودة
“المال لا يجلب السعادة”، إنها مقولة بديهية نادرًا ما يتم التشكيك بها، حيث يميل إلى اعتناق تلك الفكرة بحماس، أولئك الذين لم تخل جيوبهم من المال أبدًا، تقول تشيلسي كلينتون: “لقد حاولت جاهدة أن أهتم بالمال، لكنني لم أستطع”، وبغض النظر عن مدى تعلقنا بفكرة أن المال لا يشتري السعادة، إلا أن الأبحاث تظهر عكس ذلك تمامًا.
بعد المجتمع والعلاقات الاجتماعية، تأتي العلاقة بين الدخل والسعادة كأحد أقوى الأسباب في أدبيات السعادة، وتوضح دراسة جديدة مدى عمق الجذور النفسية المرتبطة بذلك، وكيف تشق الظروف المالية طريقها إلى نفوسنا.
فالمال لا يحمينا فقط من ضغوط الحياة اليومية، لكن هذه الدراسة تخبرنا أيضًا أن المال يمكنه أن يشتري احتياجاتنا النفسية الأساسية – التواصل البشري -، فكلما ارتفع مستوى دخلك، كلما قلت احتمالية شعورك بالوحدة.
تستند تلك الدراسة على مجموعة واسعة من الأبحاث تعطي رسالة مماثلة، وبالرغم من أن المال ليس ضمانًا واضحًا للطمأنينة، وهناك حالات شاذة في تلك المعطيات، لكنه كقاعدة عامة، كلما كان وضعك المادي أفضل، كلما كنت أكثر سعادة.
لكننا ما زلنا حتى الآن نكرر مرارًا وتكرارًا تلك التعويذة عن عدم أهمية المال في الحصول على السعادة، ونتباهى دائمًا بافتقارنا للمادية، وفي السنوات الأخيرة ومع ظهور حركة “علم النفس الإيجابي” المؤثرة للغاية، حصلت تلك الفكرة على احترام أكاديمي جديد.
يعتبر علم النفس الإيجابي – دراسة السعادة وكيفية تحسينها – أحد فروع المعرفة التي ظهرت خلال أقل من 20 عامًا، وهو واحد من أسرع العلوم انتشارًا وأكثرها تأثيرًا في الولايات المتحدة، حيث تم التعاقد مع أساتذة علم النفس الإيجابي لتقديم النصيحة لأي شخص من الشركات الأمريكية إلى الحكومة البريطانية، وقد أثمر هذا المجال عن صناعة كاملة من كتب المساعدة الذاتية والتدريب والدورات والاستشارات.
منذ البداية، كان الأساس الفلسفي لحركة علم النفس الإيجابي هو أن ظروفنا (بما في ذلك الظروف المادية) هي أقل الأمور أهمية بالنسبة لسعادتنا، وبدلًا من ذلك، ما يهم حقًا هو موقفنا وسلوكنا، وفي تلك النظرة العالمية، مع استخدام التقنيات السليمة وما يكفي من العواطف، يمكننا أن نفكر بإيجابية للخروج من أي محنة.
غالبًا ما يتم استخدام دراسات صغيرة أو بها عيوب منهجية كدليل، فعلماء النفس الإيجابي يدّعون مرارًا وتكرارًا أن المال له أهمية قليلة في تحقيق السعادة، ويقول البروفيسور مارتن سليجمان من جامعة بنسلفانيا في كتابه المؤثر “تأصيل السعادة”: “زيادة الثروة لها تأثير لا يُذكر على السعادة الشخصية”.
ناقش دانيال غيلبرت أستاذ علم النفس بجامعة هارفرد، فكرة مشابهة في حديثه لـ “TED” الأكثر شعبية بعنوان “علم السعادة المدهش” والذي تجاوزت مشاهداته أكثر من 12 مليون مشاهدة، ويستدل غيلبرت في ذلك على بقايا دراسة من السبعينات والتي تقول إن مجموعة صغيرة من الفائزين باليانصيب ليسوا أكثر سعادة من ضحايا حادث (بالرغم من أن غيلبرت اعترف لاحقًا أن تلك الدراسة لم تظهر ذلك بالفعل).
يتمتع إصرار علم النفس الإيجابي على أن ظروفنا لا تؤثر إلا قليلًا على سعادتنا وتركيزه المستمر على الجهد الفردي بنكهة أيدولوجية، نوع جديد من العواطف الليبرالية، ويبدو أن هذا الميل الفلسفي ليس مستغربًا، نظرًا لتاريخ علم النفس الإيجابي ومموليه الرئيسيين.
قامت بتمويل جزء كبير من الأبحاث الأكاديمية لعلم النفس الإيجابي، منظمة تُدعى موسسة تمبلتون، وهي المجموعة التي قدمت ملايين الدولارات لمعظم المراكز البحثية الكبرى لعلم النفس الإيجابي في أمريكا، وبينما تبدو المؤسسة ظاهريًا محايدة سياسيًا، إلا أن مؤسسها ومديرها حتى وفاته العام الماضي السيد جون تمبلتون، كان المانح السياسي السخي للجناح اليميني والذي منح خلال حياته ملايين الدولارات للحزب الجمهوري والمؤسسات اليمينية المناهضة للحكومة.
منذ البداية حددت مؤسسة تمبلتون نطاقًا فكريًا لصلاحيات علم النفس الإيجابي من خلال مشاريع يتم تمويلها بأغلبية ساحقة مصممة لإثبات أهمية الجهود الفردية في تحقيق السعادة عن طريق التفاؤل وتمارين الامتنان وما شابه، متجاهلة في ذلك تأثير السياق الاجتماعي.
ومما لا يثير الدهشة أن سردية عدم أهمية المال للسعادة، قد استقبلتها الشركات الأمريكية بحماس، فهم أفضل عملاء لحركة علم النفس الإيجابي، حيث قاموا باستبدال رفع المرتبات بتدريبات “السعادة في العمل” والانخراط في التفكير الإيجابي.
لكن الأمور المالية قصة خطيرة، فمعظمنا لديه أقل بكثير مما اعتاد عليه، وبالنسبة لمعظم العاملين، بالكاد حدث تحول في الدخل الحقيقي منذ عقود وأكثر من ربع العاملين في أمريكا يحصلون على أجور تصنف رسميًا “أجورًا فقيرة”، 46 مليون شخص في أمريكا يعيشون تحت خط الفقر، والطبقة المتوسطة لديها أزمة مالية، ويكافح أكثر من نصف الأمريكيين للعثور على 400 دولار في حالة حدوث طارئ، فالمال ليس قضية هامشية بالنسبة لسعادتنا ورفاهيتنا، لكنه أمر رئيسي وجوهري.
بدلًا من الشعور بالحرج من الاعتراف بذلك، يجب أن نصرخ بذلك من على أسطح المنازل، ونقوم بكتابة ذلك وتعليقه بالمغناطيس على الثلاجات واستخدامه كصرخة للعمل الاجتماعي، “المال يجعلنا سعداءً” والإشارة إلى غير ذلك لا تجعلنا مستنيرين روحيًا أو أرفع أخلاقيًا، لكنها تجعلنا جاهلين.
المصدر: الجارديان