في 23 و24 مايو من عام 2016، ستنعقد أول قمة عالمية من نوعها للعمل الإنساني في اسطنبول بتركيا، وسيستقطب هذا الحدث رؤساء الدول ورؤساء الوزراء وأعضاء مجالس الوزراء المنحدرين من أكثر من 100 دولة، إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وغيره من كبار المسؤولين في الأمم المتحدة، وفي الوقت الذي يعكس فيه اختيار مكان انعقاد القمة التقدير الدولي لتركيا، باعتبارها اللاعب العالمي الرائد في مجال المعونة الإنسانية من خلال استضافتها حاليًا لأعداد من اللاجئين تنوف عمّا يستقبله أي بلد آخر، تبدو حقيقة بحث المجتمع الدولي عن طرق لإصلاح نظام المساعدات الإنسانية بالغة الخطورة والأهمية.
يعتمد اليوم حوالي 60 مليون شخصًا في جميع أنحاء العالم على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، ووفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وصل عدد اللاجئين والمشردين اليوم إلى أعلى مستوى له منذ الحرب العالمية الثانية، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن حوالي نصف جميع المحتاجين هم من الأطفال، فلن يبقى أمام العالم خيار سوى وضع إستراتيجية شاملة وطويلة الأجل للارتقاء إلى مستوى التحدي.
الصور المؤرقة لتدفق اللاجئين على البوابات الحدودية، وصور جثث الأطفال الأبرياء المرمية على الشواطئ، ومشاهد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع، ما هي إلا محض انعكاسات بسيطة لمآسي الحياة اليومية الحقيقية في العديد من الأماكن
يعتمد نظام المساعدة الإنسانية القائم بشكل حاد على الأمم المتحدة وما زال يقبع تحت الرحمة الفردية للدول القومية، وهذه مشكلة عالمية يجب التصدي لها بغية تلبية احتياجات ملايين الأشخاص الذين يتضررون من الحروب والصراعات والكوارث الطبيعية في كل عام حول العالم.
تحصد الصراعات العنيفة حياة مواطني سوريا وليبيا واليمن بشكل يومي، وتطارد لعنة التوترات العرقية والكوارث الطبيعية العديد من البلدان في آسيا وأفريقيا؛ فالصور المؤرقة لتدفق اللاجئين على البوابات الحدودية، وصور جثث الأطفال الأبرياء المرمية على الشواطئ، ومشاهد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع، ما هي إلا محض انعكاسات بسيطة لمآسي الحياة اليومية الحقيقية في العديد من الأماكن، وثبوت قصور النظام الإنساني الدولي وعدم قدرته على مواجهة التحديات الملحة زاد الأمر سوءًا، مما يضع مستقبل الإنسانية برمته في خانة الخطر.
سيُعقد مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني بغية معالجة هذه المشاكل الملحّة، وسعيًا لإصلاح مواطن الخلل في النظام الإنساني، وتقديم التزامات طويلة الأمد لتطوير قدرات جديدة، وتعد هذه أول مرة يجتمع فيها سويًا رؤساء الدول والحكومات، المنظمات غير الحكومية، القطاع الخاص، والمتضررين من الأزمات الإنسانية للبحث عن إجابات للأزمات الإنسانية.
ليس من قبيل المصادفة اختيار الأمم المتحدة لاسطبنول لاستضافة هذه القمة التاريخية، إنه شرف كبير عمل الشعب التركي بجد لحيازته؛ فعلى مدار قرون عديدة، كانت تركيا ملاذًا آمنًا للفارين من الحرب والدمار والظلم، ونقدم اليوم الإغاثة الإنسانية بكل فخر لأكثر من 140 بلدًا من قارات العالم الخمس، وفي واقع الأمر، لا تزال تركيا البلد الأشد سخاءً في العالم من حيث إنفاقها لحصة من دخلها تنوف عن تلك التي ينفقها أي بلد آخر على المساعدات الإنسانية.
في الوقت الذي خذل فيه المجتمع الدولي الشعب السوري، تُركت تركيا، جنبًا إلى جنب مع بقية دول الجوار السوري، ليواجهوا بمفردهم عواقب النزاع، وإننا ندعو العالم للارتقاء إلى مستوى التحدي، وتأسيس آلية لتقاسم العبء بشكل عادل
ما يميز تركيا عن غيرها في هذا المجال، هو التزامنا بتحقيق فرق فعلي على الأرض لتغيير حياة الأشخاص، بدلًا من السعي خلف أجندات مخفية، وضع مخططات خيالية، أو معاملة المحتاجين بطريقة متعالية ومتعجرفة؛ ومن خلال رفضها لاختلال ميزان القوة الذي يكمن في صميم نظام المساعدة، تسعى تركيا للتعاون مع الشركاء المحليين، ولتبادل الخبرات مع المجتمعات المتضررة من الصراعات والكوارث والفقر، حيث أضحى ما يُطلق عليه البعض تسمية “النموذج التركي للتنمية” يمثّل بديلًا مجديًا وفعالًا للخطاب المتعالي والهيكلية التقليدية للمساعدات التنموية.
عندما زرت الصومال في أغسطس 2011، وجدت بلدًا أدار لها العالم ظهره، اعتبرها العديد دولة فاشلة يطغى عليها الجفاف والمجاعة والصراع، وكانت الصومال في حالة من الخراب، في تلك الفترة، قدمت تركيا التزامًا بمساعدة شعب الصومال ليقف على أقدامه، وهي المهمة التي اضلعت بها وكالات الإغاثة التركية، بالتعاون مع شركائها المحليين، وتم إنجازها في غضون خمس سنوات، واليوم، لا تقتصر الجهود المذهلة التي تبذلها الصومال لتعزيز الاستقرار السياسي، مكافحة الإرهاب، وتحقيق أمن مواطنيها على إلهام المنطقة برمتها فحسب، وإنما تمدنا أيضًا بالقوة اللازمة لمساعدة الآخرين.
تجاهل المجتمع الدولي إلى أبعد الحدود مسؤولياته تجاه الشعب السوري على وجه الخصوص، وذلك من خلال غض الطرف عن جرائم بشار الأسد ضد مواطنيه
استجابة تركيا للأزمة الإنسانية في سوريا هي قصة نجاح أخرى؛ فجرّاء اعتمادها على سياسة الباب المفتوح تجاه اللاجئين السوريين منذ عام 2011، تستضيف تركيا حاليًا حوالي 3 ملايين مواطن سوري من خلفيات عرقية ودينية وطائفية متنوعة، وفي واقع الأمر، نحن فخورون بكوننا أكبر دولة مضيفة للاجئين في العالم.
على مدى السنوات الخمس الماضية، خصصت تركيا 10 مليارات دولار من الأموال العامة لتزويد اللاجئين السوريين بخدمات الرعاية الصحية والتعليم والسكن، وفي الوقت عينه، ساهمت الحكومات المحلية والمنظمات غير الحكومية والمواطنين العاديين بجهود مماثلة في نطاق الإغاثة الإنسانية، وفي الوقت الذي خذل فيه المجتمع الدولي الشعب السوري، خسر 600,000 شخصًا منهم أرواحهم في الحرب الأهلية الدائرة، وتشرّد نحو 13 مليونًا من منازلهم، تُركت تركيا، جنبًا إلى جنب مع بقية دول الجوار السوري، ليواجهوا بمفردهم عواقب النزاع، ومع دخول الحرب الأهلية السورية عامها السادس، فإننا ندعو العالم للارتقاء إلى مستوى التحدي، وتأسيس آلية لتقاسم العبء بشكل عادل.
تجاهل المجتمع الدولي إلى أبعد الحدود مسؤولياته تجاه الشعب السوري على وجه الخصوص، وذلك من خلال غض الطرف عن جرائم بشار الأسد ضد مواطنيه، ولسوء الحظ،لم يدرك القادة الأوروبيون بأنهم لم يعودوا قادرين على تجاهل المشكلة، حتى تدفق اللاجئون إلى شوارع أوروبا، وهاجمت المنظمات الإرهابية، كداعش ومثيلاتها، مواطني الاتحاد الأوروبي.
صحيح أن العديد من المشاكل المتعلقة بسوريا كان من الممكن تجنبها لو تدخل العالم في المراحل المبكرة من الصراع، ولكن مع ذلك لم يفت الأوان إذا عزم الزعماء الأوروبيين على تقديم الالتزامات المناسبة اليوم.
يجب على المجتمع الدولي ألّا يقتنع بحجج بشار الأسد حول تسبب إبعاده عن السلطة بإحداث المزيد من التصعيد في الصراع السوري؛ بل علينا أن نلتزم بهزيمة داعش ونظام الأسد على حد سواء، بدلًا من البحث عن أهون الشرين
يجب على أوروبا وتركيا، بغية السيطرة على الهجرة غير الشرعية، أن تعملا سويًا لخلق آليات قانونية، كاتفاق مارس 2016 لإعادة توطين اللاجئين السوريين؛ فمن خلال مكافأة اللاجئين الذين يتقيدون بالقواعد، وإيضاح فكرة أن المهاجرين غير الشرعيين سيتم إرسالهم إلى تركيا، يمكننا إقناع اللاجئين بتجنب المخاطرة بحياتهم في عرض البحر.
وأخيرًا، يجب على المجتمع الدولي ألّا يقتنع بحجج بشار الأسد حول تسبب إبعاده عن السلطة بإحداث المزيد من التصعيد في الصراع السوري؛ بل لكي نحرص على إفساح المجال لازدهار الديمقراطية في سوريا، علينا أن نلتزم بهزيمة داعش ونظام الأسد على حد سواء، بدلًا من البحث عن أهون الشرين، ويتوجب على الاتحاد الأوروبي، باعتباره شريكًا رئيسيًا في الشرق الأوسط، العمل مع تركيا وغيرها من أصدقاء الشعب السوري بشكل أكثر فعالية للتوصل إلى حل دائم للأزمة السورية.
علينا ألا نخطئ: فمعاناة الشعب السوري ستستمر حتى يبذل المجتمع الدولي جهودًا جادة لإنهاء الأزمة، ومنع استهداف المدنيين، فضلًا عن فرض مناطق آمنة خالية من الإرهاب في البلاد، وغني عن القول، بأنه يتوجب على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يقود الجهود لمعالجة الوضع في سوريا، ومن هنا، نحث الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لاستخدام حق الفيتو لتعزيز السلام والاستقرار والأمن في جميع أنحاء العالم بدلًا من البحث عن مصالحهم قصيرة المدى.
سيقدم قادة العالم في مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني التزامات ملموسة لإصلاح النظام الإنساني الدولي، بغية جعله أكثر قدرة على التصدي للمشاكل الملحة، حيث تعتمد إمكانية تحقيق هذه القمة لفارق حقيقي على مدى إخلاص المشاركين والتزامهم بتحقيق النتائج، والأهم من ذلك، إلى أي مدى تتسع قلوبنا لـ125 مليونًا من إخوتنا في البشرية الذين تعتمد حياتهم على أعمالنا.
لم يعد خفيًا بأن الافتقار للشفقة والتعاطف، وليس ندرة الموارد المالية، هي التي تكمن في قلب المشاكل التي تواجه البشرية اليوم؛ لذا أضحى لزامًا علينا، دون أي مماطلة أو تأخير، إيجاد وسيلة لإعادة تشجيع العاملين في المجال الإنساني في العالم، وتطوير نظام مساعدات إنسانية أكثر فعالية لتحقيق مستقبل أفضل.
بمناسبة مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني، أدعو قادة العالم وجميع المشاركين لإعادة الأمل إلى نفوس الفقراء والجياع والمظلومين؛ فلنعمل معًا في اسطنبول في 23 و24 مايو لنتخذ سويًا قفزة عملاقة إلى الأمام نحو نظام عالمي أكثر سلامًا وأمنًا وعدلًا.