التجمع اليمني للإصلاح، أحد أبرز امتدادات تنظيم الإخوان المسلمين لظهوره بوجه سياسي منذ نشأته ولقدرته على ضم نخبة من كبار الشخصيات الدينية والقبلية والفكرية والسياسية له منذ انطلاقه، وقد كان شيخ مشايخ اليمن – حينها – هو رئيس الهيئة العليا للحزب، الشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر، من يعرف طبيعة المجتمع اليمني وينظر لمؤسسي التجمع اليمني للإصلاح يظن أن الدولة خلال سنوات قليلة ستكون حكرًا له، ولم تكن.
يعد الإصلاح أبرز حزب معارض في الساحة اليمنية، وصاحب قاعدة جماهيرية قد تكون الأكبر في اليمن إن لم تكن، خلال شهور سيكمل هذا الحزب عمره السادس والعشرون، لكنه شارك في الحكومة اليمنية على استحياء مرتين خلال مسيرته منذ تأسيسه عام 1990 بمعدل مرة كل 13 سنة، ولد معارضًا ولا زال.
عرف اليمنيون الإصلاح بكثرة مشائخ الدين والخطباء ومن يعظون الناس في الدواوين، مما ولد نظرة جديدة للكثير من العامة أن الإصلاح حزب (مطاوعه) مهمته الوحيدة هي دعوة الناس للصلاة وإلقاء الخطب في المنابر، مع أن الإصلاح كان ضمن شرائح المجتمع كافة، حاله حال كل الأحزاب ولكن فقدان الخريطة الواضحة لما يريد الشعب ولّد هذه النظرة.
كان الإصلاح مزيجًا من السلفية المتشددة والوسطية والفكر الإسلامي المعاصر وبقية من أفراد الشعب بعلمهم وجهلهم، بتحضرهم وتخلفهم، يبدو أن الفواصل بين هذه الفِرق لم تظهر جليًا للشعب ولم يُظهِر الحزب أنه مزيج من الشعب، بل أظهر أن الجميع يبدون سواء تحت لواء اسمه، كان هذا التناقض بين المنهج والتطبيق كارثيًا – مع المدى – بالنسبة لشعب لا يعرف مصطلح المكتبة العامة على الصعيد العام.
أنشأ الإصلاحيون الجمعيات الخيرية بشكل غير مسبوق ولعلهم من أوجد للشعب هذا الأمر في عز احتياجه للمواد الأساسية أثناء ندائه بالخلود لعلي عبد الله صالح، انتشروا كمدرسين في المعاهد العلمية سابقًا والمدارس حاليًا، – وهو الأمر المعهود على جماعة الإخوان في معظم البدان – كما أنهم كانوا ولا زالوا كالشمعة التي تحترق لكي تضيء للآخرين (كما يصفون أنفسهم)، وكانوا أبرز من دافع عن الوحدة بالمنابر والسلاح (يوم أن تحالفوا مع علي عبد الله صالح) في حرب الانفصال عام 1994 وأنهم من قدموا عشرات الشهداء في ثورة (ضد نظام علي عبد الله صالح) في 2011، فلِم؟
حرب الوحدة
سيظل هذا العنوان هو أبرز الملفات الشائكة التي استعملها النظام السابق بأن الإصلاحيين كانوا جنود علي عبد الله صالح في هذه الحرب، وأن دماء الجنوبيين تقع على هذا الحزب لأنهم من قاتلوا باسم الدولة، وأن قياداتهم الدينية هي من شرّعت لهذا الأمر دينيًا متمثلة بالقيادي في الإصلاح الشيخ عبد المجيد الزنداني وأنه من أصدر فتواه بهذا الأمر.
وعلى الرغم من أن الشيخ الزنداني ظهر وتحدى كل المدعين بإظهار أي دليل على هذه الدعوى ولكن الأمر لا زال مستمرًا حتى الآن، الأمر هذا معقد بشكل كبير فقواعد الإصلاح في معظمهم تصدق ما يقال لها من قيادتها – حالها حال كل التنظيمات – ثم تدافع عمّا لا تعرف لمجرد أن المعتدى عليه أحد أعضاء التنظيم وليكن ما يكن.
الانغلاق على أنفسهم
وهو أمرٌ شائع في التنظيمات الإسلامية، حيث الدعوة الخارجية بكل أساليبها والتربية الداخلية بكل أساليبها أيضًا، وهنا إشكال خاص لأن الإصلاح والإخوان في اليمن هما ذات الجهاز، فكما هو التنظيم الإسلامي هو أيضًا الحزب السياسي ونتج عن هذا أن كل منتمٍ للتنظيم منتمٍ للحزب بالضرورة، وأتحدث عن الأعضاء الذين يتم اعتبارهم في الحزب ودعوتهم لاجتماعاته بتدرجها – لا عن أولئك الذين توزع لهم البطائق بشكل عشوائي بالشكل الذي أساء للحزب أكثر مما أفاده -، فولد هذا عند غير المنتمين حالة من الإبعاد والنفور ظهرت جلية أيام الثورة وساحة التغيير والتي كانت الاختبار الحقيقي للتعايش للجميع.
الحق لنا والدين لنا
حين نتحدث عن الشعب اليمني فالحديث هنا عن شعب متعدد طائفيًا ونسبة جهله كبيرة، فتخيل أن يأتي أحدهم ليقول إنه يملك الدين الصحيح والقويم دونًا عن الجميع الذين تمتلئ تعبداتهم بالبدع، هنا كان الإصلاح بشكل غير مباشر مراهنًا أن الأخطاء الشخصية لا تمثل مبادئه ونعود للشعب وحالة الشعب ووعي الشعب، فانتشر مفهوم تردد على ألسنة الكثير فيما معناه (أن الإصلاحيين يظنون أن الله لهم) معضلة لم تكن لتكون لو أن التنظيم درب أفراده على القدرة على الحاور والإقناع والتقبل بفكرة أن الجميع – بما فيهم التنظيم – يحمل أخطاء ورأيه يحتمل الصواب والخطأ كمبدأ من أبجديات الفلسفة (وهي العلم التي يحذر معظم قادة الإصلاح أفراده منها).
مفارقة الثقة والكفاءة
تُبين أبسط التحليلات وأعمقها لحالة الإخوان وتخبط مسيرتهم وتذبذب آرائهم في كثير من أبرز محطاتهم وفي أصغرها، أن الأمر مجرد أوراق صحيحة في يد لاعب درس قواعد اللعبة بشكل خاطئ، فالإخوان مزيج لا يستهان به من الكفاءات العالية وحملة الشهادات العليا، صحيح أنهم يعانون شحة شديدة في بعض المجالات المهمة التي تعيق حركتهم ولكن غاية الأمر ليست هذه، المشكلة هنا أن الأكفأ بالمنصب داخل هرم التنظيم هو أشد الناس طاعة لمن يعلونه في ذات الهرم، فتتغلب الثقة على الكفاءة منتجة حالة فوضى تنظيمية لا تمت بصلة للنظام المؤسسي، بحيث تؤثر بشكل مباشر على سمعة التنظيم ومنتجاته وأدواته.
تجد هنا أن أعداء التنظيم لا يقعون في ذات الأمر عادة أو لعلهم يستغلون هذا الأمر لصالحهم بالشكل الذي يظهر التنظيم مرتبكًا لا قدرة لديه على الرد، فتجد العجين الإخواني في يد حداد أو نجار، ولم نعهد أن هؤلاء أنتجوا خبزًا ذات يوم حتى بالصدفة.