كثيرا ما اتُهِمت دول المغرب العربي خلال السنوات الأخيرة من قِبل حلفائها الأوروبيين على الضفة المقابلة من المتوسط، بأنها مصدر الإرهاب الذي ضرب أوروبا ويهدد مستقبل الاستقرار الأمني في القارة الأوروبية، ومرد هذه الاتهامات المتواترة، أن جل من قام أو يخطط للقيام بعمليات إرهابية في العمق الأوروبي هم مغاربيون بالأساس.
فرغم كل المجهودات الأمنية التي تقوم بها الحكومات المغاربية في الداخل والخارج بالتعاون مع دول الاتحاد الأوروبي في سبيل مقاومة الإرهاب، إلا أن التهديدات الإرهابية متواصلة، فجل الذين قاموا بالهجمات الأخيرة في فرنسا وبلجيكا خلال الأشهر الأخيرة هم مغاربيون وإن كانوا بالأساس مهاجرين.
الاتهامات بوقوف الدول المغاربية وراء الإرهاب، ساهمت بشكل كبير في تحسين العلاقة وتعزيز التعاون بين ضفتي المتوسط، حتى إن الدول الأوروبية التي تضررت من الإرهاب تكاد تكون مجمعة على ضرورة التعاون الأمني والعسكري مع دول شرق المتوسط، ففي 13 من شهر أبريل عام 2015، وفي إطار افتتاح الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وبلدان الجوار الجنوبي للاتحاد، قال رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي، إن “الإرهاب لا حدود له، وهو أكبر تهديد تواجهه بلدان العالم”.
وأضاف راخوي “الإرهاب لا يمكن مكافحته سوى بالتعاون بين دول الضفتين وإسبانيا بمثابة قنطرة بين ضفتي المتوسط، وكي نكافح التهديدات المحتملة للإرهاب، فإن التعاون بين دول الضفتين عمل ضروري، ولا يمكننا أن نقضي على هذا المرض ما لم نتحرك جميعًا دفعة واحدة”.
كما أوضح راخوي أن خطر الإرهاب هو التهديد الأشد لمنطقة المتوسط، ونحن في حالة استنفار لإفشال أي مخطط عدائي من هذا القبيل، وتوقيف أصحابه، ونحن نعمل سويًا مع جيراننا في جنوب المتوسط لتحقيق النتائج المطلوبة.
وقبل ذلك تدخلت رئيسة الدبلوماسية الأوروبية، فدريكا موغريني، في افتتاح الاجتماع، مؤكدة على “أهمية نهج سياسة جوار واضحة بين الاتحاد الأوروبي وشركائه في جنوب وشرق حوض الأبيض المتوسط، خاصة في ظل التحديات الكبرى التي تعرفها المنطقة، لاسيما على مستوى الاستقرار السياسي والأمني وضرورة مكافحة التهديدات الإرهابية التي أصبحت تشمل جميع البلدان في هذه الجهة من العالم”.
وفي نفس القمة الأورومتوسطية، قررت دول الاتحاد الأوروبي، ضخ سيولة مالية في حسابات دول جنوب المتوسط لدعم جهودها في مكافحة الإرهاب، وسيوزع التمويل بحسب الأهمية الاستراتيجية لكل دولة من جنوب المتوسط شاركت في الاجتماع الوزاري وعلى رأس هذه البلدان المغرب.
وفي سياق متصل، أشاد مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية عبد الحق الخيام بالتعاون القائم بين المغرب وإسبانيا في مجال مكافحة الإرهاب مما مكن من تفكيك عدد من الخلايا الإرهابية بالبلدين اللذين “يظلان يقظان”، لاسيما أمام محاولات الشبكات الإرهابية الإستفادة من أزمة اللاجئين.
ووفقًا لمراقبين، فإن التعاون الأمني بين دول ضفتي المتوسط تغير بعد انطلاق موجات “الربيع العربي”، وخاصة بعد انقلاب الثورات الشعبية في كل من سوريا وليبيا إلى حرب أهلية ألقت بظلالها على المنطقة بأسرها، فدول المغرب العربي، خاصة منها التي لها حدود مع ليبيا، أدركت أنها لا تستطيع بناء جدار فولاذي يحميها من الفوضى الليبية.
كذلك فإن تواصل الحرب في سوريا والتي أسفرت هي الأخرى عن هجمات إرهابية ضربت العمق الأوروبي وتورط فيها مغاربيون كانوا يقاتلون في سوريا والعراق، زادت من الاتهامات الموجهة للدول العربية الواقعة على ضفة المتوسط بأنها وراء الإرهاب وإن كان يتبع هذا اللوم دعم كبير ومباشر لاستراتيجيتها في مجال مكافحة الإرهاب.
مجموعة 5+5 المكونة من موريتانيا وليبيا والمغرب والجزائر وتونس، إضافة إلى فرنسا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا ومالطا والتي تجتمع دوريًا وتتمحور اجتماعاتها حول تحديات انتشار الأسلحة والنشاط المتزايد لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب وتنظيم الدولة الإسلامية وعمليات خطف الرعايا الغربيين، ومناقشة قضايا الأمن في منطقة البحر الأبيض المتوسط والبحث عن السبل الكفيلة بتعزيز الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء التي تعرف من حين لآخر عمليات إرهابية واختطاف دبلوماسيين وسُيَاح وأشخاص عاديين من أجل المقايضة، تبدو عاجزة عن إيجاد الحلول المثلى لمحاربة الإرهاب وذلك بسبب عدم وضوح الرؤية إلى الآن، بالإضافة إلى محدودية التشاور والتنسيق في التعامل مع إشكالية الإرهاب وجذوره في المنطقة.