اشتهرت مدينة تونس العاصمة بأبوابها العتيقة، وهي تعد شاهدًا على توافد الحضارات العربية الإسلامية على البلاد التونسية ورمزًا من الرموز الشامخة للثراء الحضاري الذي تتغنى به العاصمة التونسية.
وهذه الأبواب العتيقة لئن هدم بعضها، إلا أنها لم تعد في غبرات النسيان، حيث ظلت الأحياء الشعبية في المدينة العتيقة تسمى نسبة لهذه الأبواب.
والبعض الآخر رغم عبور السنين وتواتر الحضارات فهي ماتزال تحافظ على بنيانها رغم فقدانها لوظيفتها الأصلية التي شيدت لأجلها فيما مضى من العهود العثمانية والحفصية، تصور لعابري السبل “قصة ماضي مدينة” وتحافظ على رمزيتها التاريخية ذات الجذور العربية الأصيلة وتعد تراثًا ومعلمًا تاريخيًا تزخر به العاصمة.
في العهد الحفصي شيدت عدة أبواب وتعددت الأسباب التي تروي المغزى الحقيقي لبنائها، ومنها ما هدم وبقيت تسميته تنسب إلى الحي العتيق الذي ينفذ إليه ومنها ما هو باق إلى يومنا هذا، ومن هذه الأبواب نجد:
باب البنات (1228 و1249م)، سمي بباب البنات لأن السلطان أبو زكريا الحفصي (1223، 1249) تبنى بنات عدوه يحي بن غارية الثلاث ورباهن في قصر واقع قرب هذا الباب، كان دور هذا الباب هو فصل مدينة تونس العتيقة عن حي الأقارب المسيحيين للسلاطين الحفصيين، غير أن هذا الباب قد هدّم.
باب المنارة، بني عام 1276م على الأسوار الغربية للمدينة في عهد الحفصيين، سمي بباب المنارة كذلك نسبة إلى المشكاة التي كانت بجداره لهداية المارة.
يقع باب منارة بين باب الجديد الذي بدوره مجاور لباب الفلة وبين ساحة القصبة، يوجد فيه مركز البريد والمسمى بمركز باب منارة، ومن ورائه يوجد سوق المر وهو سوق يومية متنوعة البضائع، كما يوجد في باب منارة جامع القصر وهو جامع عتيق إلى جانب زاوية تسمى بالسيدة عربية.
باب الجديد، أحدث في أسوار المدينة في عهد السلطان يحي الحفصي سنة 1278 م، وسمي بذلك باب جديد، تضرر هذا الباب خلال الفتنة الباشية الحسينية في الربع الثاني من القرن الثامن عشر، وقد وقع تجديده في عهد علي باي بن حسين سنة 1769م، يفتح على شارع بنفس الاسم، يعرف أيضًا باسم باب الحدادة، لأن الباب ينفذ إلى سوق الحدادة.
باب الخضراء، يقع شمال المدينة العتيقة، بني حوالي 1320 على شكل قوس بسيط، هدم وأعيد بناؤه على شكله الحالي في 1881 لتسهيل المبادلات التجارية، نسب اسمه إلى إحدى تسميات مدينة تونس، ولكنه يحمل الاسم أيضًا بسبب البساتين الخضراء التي تمتد من السور إلى حدود أريانة وقرطاج.
باب العلوج، بناه السلطان الحفصي أبو إسحاق إبراهيم المستنصر (1349ء1369)، وسماه باب الرحيبة (أي باب الساحة الصغيرة)، وفي عام 1435 م، قام السلطان الحفصي أبو عمرو عثمان باستدعاء عائلة أمه من إيطاليا، وأسكنها بالحي المجاور للقصبة، والذي صار يسمى رحبة العلوج (من العلج، وهو الأجنبي الأوروبي)، وبذلك سمي الباب بـباب العلوج.
باب عليوة، بناه السلطان الحفصي أبو إسحاق إبراهيم المستنصر (1349ء1369) في الجهة الشرقية من أسوار مدينة تونس، سمي بباب عليوة نظرا للعلّيّة (طابق علوي صغير) التي كانت فوقه، دخل منه خير الدين بربروس مدينة تونس عام 1534م، كان يسمى الباب أيضًا باب القوافل، نظرًا للقوافل التي كانت تصله من الوطن القبلي والساحل التونسي محملة بالحبوب والزيت.
باب سعدون، بني حوالي سنة 1350 بجانب باب سويقة، وقد جاء اسمه من اسم رجل صالح يدعى سيدي أبو سعدون، كان يسكن قربه في القرن الخامس عشر ميلادي، بنيت سقاية هذا الباب سنة 838هـ/ 1434م في عهد السلطان الحفصي محمد المنتص.
يفتح هذا الباب على طرق باجة وبنزرت والكاف، كان في الأصل يحتوي على قوس واحد، وأصبح منذ سنة 1881 بثلاثة أقواس تهيئة له للتجارة.
باب الفلة سمي بباب الفلة نظرًا لأنه كان مجرد ثلمة أو “فلة” في سور المدينة العتيقة، وقد استعمل لفرار السكان عندما احتل الإسبان المدينة في القرن السادس عشر.
سمي أيضًا باب السرداب، وهو باب يقع على السور الثاني جنوب المدينة، بني سنة 1350، له دور اقتصادي هام فهو يفتح على الطرق المؤدية إلى القيروان وزغوان.
هناك بجانب الباب سرداب سمح بهروب ساكني المدينة خلال استيلاء شارل الخامس على الحاضرة في 1535 م عند اقتراب الإسبان، هدم هذا الباب قبل عام 1890.
باب البحر، بني في عهد الأغالبة، يقع في السور الشرقي للمدينة العتيقة، تروي بعض المعتقدات بأن مياه البحر كانت تصل إليه وهو ما لم يحدث قط، ولكن أخذت تسميته لأنه يفتح في اتجاه البحر، وهو في حقيقة الأمر يقع قبالة بحيرة تونس مما يسهل الحركة بين المدينة والمرفأ في البحيرة.
الباب مبني على شكل قوس، في 1860 وبعد هدم الأسوار التي أصبحت بلا قيمة، فكك الباب وأعيد تركيبه في مدخل شارع البحرية، بطلب من قنصل فرنسا ليون روشي، والذي كان قد أخذ من باي تونس في 1857 الإذن ببناء مقر القنصلية خارج الأسوار على شارع البحرية.
أخذ باب البحر اسم باب فرنسا خلال الاستعمار الفرنسي لتونس، وهو اسم مازال يستعمل أحيانا اليوم، في 1931، تم هدم البنيات المحيطة بها.
في 23 نوفمبر 1925، المقيم العام الفرنسي بتونس لوسيان سان، أهدى تمثال الكردنال شارل مارسيال لا فيجري حاملاً الصليب، فقررت بلدية مدينة تونس وضعه في الساحة المطلة على باب بحر، فكك سنة 1962 بقرار من العمدة علي البلهوان، ونقل إلى حديقة متحف قرطاج.
باب الأقواس، ويوجد بين باب السويقة وباب سعدون، غير بعيد عن حي الحلفاوين والزاوية البكرية، أورد بشأنه ابن أبي دينار في كتاب المؤنس أنه اندثر مع السور القديم لمدينة تونس.
باب الجزيرة، أحد أقدم أبواب المدينة العتيقة، كان ينفذ منه إلى القيروان والوطن القبلي، سمي بباب الجزيرة نظرًا لأنه ينفذ إلى شبه جزيرة الوطن القبلي.
باب سويقة، كان يقع قرب حي الحلفاوين المجاور لباب العسل وباب الأقواس، بين باب البنات وباب قرطاجنة من الأسوار الداخلية، وبين باب الخضراء وباب سعدون من الأسوار الخارجية للمدينة العتيقة، وكان قد هُدم عام 1861، وهو حاليًا أيضًا أحد الأحياء الشعبية لمدينة تونس نسبة إلى ذلك الباب.
جاءت تسمية باب سويقة من تصغير لكلمة ساقية، وتوجد فيه العديد من المعالم التاريخية وأهمها على الإطلاق زاوية سيدي محرز وجامع باي محمد وجامع الزرارعية.
عرف هذا الحي خلال الفترة الاستعمارية بانخراطه في حركة النضال الوطني، وشهد العديد من المظاهرات الشعبية الصاخبة، خاصة وقد كانت توجد به مكاتب العديد من زعماء الحركة الوطنية ومن بينها مكتب المحامي الزعيم الحبيب بورقيبة، وصيدلية بن حمودة، ومكتب المحامي صالح بن يوسف.
من ناحية أخرى، كان باب سويقة يشهد في شهر رمضان احتفالات ومواكب عديدة حيث توجد فيه العديد من قاعات السهرات الليلية أو ما يسمى “الكافيشانطا” منها صالة الفتح وغيرها.
كما كانت ولازالت تقام فيه ملاهي للأطفال خلال شهر رمضان بما يضفي على الأجواء الاحتفالية فيه رونقًا خاصًا، وكان مقهى العباسية من أشهر المقاهي في تونس العاصمة، والجدير بالذكر أنه كان ملتقى الأدباء والفنانين والرياضيين وأحبائهم.
باب سيدي عبد السلام، بني في عهد باي تونس حمودة باشا على السور الغربي للمدينة العتيقة، يحمل اسم الولي الصالح سيدي عبد السلام الأسمر (1475ء1573).
باب سيدي عبد الله الشريف، كان قد بني في الجانب الجنوبي الغربي للقصبة، سمي بباب سيدي عبد الله الشريف على اسم الولي الصالح سيدي عبد الله الشريف، حيث يقع ضريحه، كان لهذا الباب وظيفة عسكرية فقط، لذلك كان يسمى أيضًا باب الغدر وهذا على الأقل في القرن 14م، كما كان يسمى في القرن الثامن عشر بباب سيدي علي الزواوي.
باب سيدي قاسم الجليزي، بني في العهد العثماني بتونس، يقع على الأسوار الغربية للمدينة، سمي بذلك على اسم الولي الصالح سيدي قاسم الجليزي المتوفي سنة 1497م، حيث يقع ضريحه قرب الباب، وقد ورد بشأنه في كتاب المؤنس أن اسمه كان باب خالد.
باب العسل، بني في العهد العثماني بتونس. سمي بـباب العسل على لقب عائلة بني عسل، وهي عائلة غنية كانت تسكن قرب الباب.
باب القرجاني أو باب الغرجيني أو باب سيدي الغرجيني أو باب سيدي علي الغرجيني (يسمى أيضًا بالعامية التونسية باب القرجاني)، يقع على السور الشرقي للمدينة العتيقة، بني خلال الحكم التركي، يحمل اسم أحد التلامذة الـ 40 لأبي الحسن الشاذلي (سيدي بالحسن الشاذلي)، سيدي علي الغرجيني من القرن السابع هجري/ 13م، وتحمل اسم هذا الباب اليوم مقبرة وحديقة عمومية.
استعمل لمراقبة سهول مرناق والسيجومي بفضل البرج الذي يحاذيه.
باب قرطاجنة، بالنظر إلى موقعه يبدو أنه من أقدمها، كان ينفذ منه سكان مدينة تونس إلى قرطاج، ومن هنا أتت تسميته بباب قرطاجنة، أي قرطاج، وهو قريب من حي الحفصية وسوق القرانة، وقد هدم قبل عام 1881.
باب سوق القماش، بني في القرن الخامس عشر الميلادي، صنف هذا المعلم كموقع أثري سنة 1928 ويغلب على الاعتقاد أن هذه السوق قد أعيد بناؤها في القرن التاسع هجري الموافق للقرن الخامس عشر ميلادي من قبل السلطان الحفصي أبو عمر عثمان خلفًا لسوق أخرى هي سوق الرمادين.
تقع هذه السوق بالممر الرئيسي الذي يصل بين ضاحيتي باب سويقة وباب الجزيرة غربي جامع الزيتونة، يمكن الدخول إلى هذه السوق عبر بابين هما: باب سوق القماش للقادم من سوق العطارين وتمتاز بأعمدة ذات طابع إسباني مغاربي ونقش عليها: “الله كاف من توكل عليه”.