ترجمة وتحرير نون بوست
في صيف وربيع عام ٢٠١٣، كان التاريخ يُصنع في سوريا. كان ذلك عندما تجاوزت أعداد المقاتلين (المجاهدين) الأجانب في سوريا أعداد أي من مثيلاتها في أي صراع آخر في تاريخ العالم الإسلامي منذ حرب فلسطين.
في سوريا هناك الآن أكثر من ٥٠٠٠ مقاتل، بينهم ما لا يقل عن ١٠٠٠ مقاتل من دول غربية. هذا الإحصاء تعدى الرقم القياسي الذي كانت تحتفظ به أفغانستان منذ ثمانينيات القرن الماضي بثلاثة لأربعة آلاف مقاتل أجنبي في وقت واحد في دولة إسلامية تشهد صراعا.
تدفق المقاتلين الأجانب (يُعرفون بالمهاجرين) على سوريا سيكون له تبعات كثيرة، ليست مرغوبة للمجتمع الدولي، بداية من تقوية الجهات الأكثر “حدة” في سوريا، وليس انتهاء بتفعيل المجموعات الأصولية في البلدان الأم للمقاتلين الأجانب. بالطبع لا يمكن اعتبار كل المقاتلين في سوريا “جهاديين” منتمين إلى القاعدة، لكن الكثيرين منهم كذلك، والأكثر سيتأثرون قطعا بإقامتهم أوقاتا طويلة في أحضان القاعدة والمجموعات المرتبطة بها.
لكن لماذا تجتذب سوريا متطوعي القتال؟ كيف حدث ذلك بعد عامين من الربيع العربي ومقتل أسامة بن لادن وتوقعات الولايات المتحدة بخفوت “النفَس الجهادي”؟ الإجابة السهلة والقصيرة تقول “لأنه من السهل عليهم الوصول إلى هناك”. منذ حرب البوسنة لم يكن سهلا على المسلمين أن يذهبوا إلى أماكن الحرب، هذا قيل في مقابلة بين سوري يعيش في تركيا يساعد المقاتلين لدخول سوريا، مع الواشنطن بوست.
“الأمر سهل للغاية”، يقول الرجل “تعبر أعداد متزايدة إلى سوريا من جنسيات مختلفة، من الشيشانيين والسودانيين والتونسيين والكنديين”. “على سبيل المثال، رأيت تونسيا جاء من تونس، لقد سافر عبر المطار الدولي، يرتدي ملابس جهادية، ولديه لحية جهادية، ويحمل على هاتفه النقال أناشيد الجهاديين” يتابع الرجل الذي يُدعى محمد “لو كان الأتراك يريدون منعهم من الوصول لسوريا، لاستطاعوا فعل ذلك، لكنهم لا يريدون”
الصعوبات التي تواجه الجهاديين الآن أصغر كثيرا مما كان يحدث خلال العقدين الماضيين، فجهادي سعودي يحمل أناشيدا جهادية في مطار إسلام آباد في ٢٠٠٢ كان سيتم ترحيله على الطائرة التالية إلى غوانتانامو. بل إن الأمر لا يتعلق فقط بالمخاطر التي تواجههم على الحدود، أيضا في بلدانهم الأصلية، العقوبات التي قد يواجهها المقاتل في سوريا قليلة مقارنة بالسابق.
هناك سببين رئيسين لذلك، الأول أن العديد من الدول، وبينها معظم الدول الغربية، تدعم هذا الطرف في المعركة مع نظام الأسد، أما في المرات السابقة، خاصة في حرب العراق، وأفغانستان أو حتى في الصومال كان المجاهدون ينضمون إلى “الطرف الخطأ”.
السبب الثاني لسهولة سفر المقاتلين الأجانب إلى الحدود السورية هو أن الثوار السوريين يسيطرون على الحدود الشمالية بالكامل، ما يعني أنه ليس هناك أحد على الجانب السوري يرغب في منع مقاتل أجنبي قادم لدعمهم. جميع أعمال السيطرة على الحدود وُضعت على عاتق دولة واحدة هي تركيا.
من الأسباب التي تدعم أيضا تدفع المقاتلين الأجانب إلى سوريا، أن كل الاختيارات متاحة، إذا كنت تبحث عن “مغامرة جهادية” أو إذا كنت تخشى من المخاطرة، بإمكانك الانضمام. فمع سيطرة الثوار على مساحات كبيرة من الأرض يمكن للمقاتلين الأجانب أن يستقروا في الأماكن غير المعرضة للخطر بشكل مباشر.
كل هذه الأسباب لا يمكنها أن تقلل من أهمية السبب الأول، وهو الدافع، فبسبب وحشية النظام السوري في التعامل مع شعبه، الكثيرون من الشباب المسلم أراد أن يذهب إلى هناك، بل إن الصور التي تأتي عن معاناة المدنيين السوريين بسبب أفعال النظام تدفع الكثيرين من غير المسلمين كذلك إلى التفكير فيما يجب عمله.
أهمية سوريا بالنسبة للمسلمين عظيمة. في التاريخ الإسلامي، كانت الشام أول دولة فتحها المسلمون خارج أراضي الجزيرة، ويؤمن المسلمون أنها موطن عودة المسيح مرة أخرى قبل نهاية الزمان. في الحقيقة دوما ما كانت هناك شعارات مثل هذه، ففي أفغانستان كانت “الرايات السود التي تقدم من خراسان”، ومن اليمن يأتي “جيش الاثني عشر ألف” الذي ينصر الإسلام، أما العراق ففيها كرسيّ العباسيين ورمز قوة المسلمين.
لكن ماذا عن الإنترنت وشبكات التواصل؟ بشكل واضح يلعب الإنترنت دورا مهما في الحرب الدائرة، وهذا من الممكن أن يفسر السرعة الكبيرة في الحشد. ربما يكون النزاع في سوريا هو الأكثر تعلقا بالانترنت في التاريخ الحديث، لكن يبقى الانترنت سلاحا ذا حدين بالنسبة للثوار. فرغم أن شبكات التواصل تمثل بيئة خصبة ووسيلة رخيصة للحشد، إلا أن الإنترنت يمثل أيضا منفذا لاختراقات أمنية كبيرة حيث يستطيع النظام -غالبا- مراقبة واعتقال مستخدمي الشبكات من هذا النوع.
في النهاية، يمكن أن نقول أن التحرك الجمعي للمقاتلين الأجانب إلى سوريا ليس شيئا جيدا بأي معيار. دعنا من الحديث عن الإرهاب الدولي ومستقبله، لكننا نتحدث هنا عن مستقبل سوريا. فإذا حتى اعتقدنا -وأنا شخصيا أعتقد بذلك- أن القضية السورية قضية عادلة وأن معظم المقاتلين يغادرون لأسباب نبيلة، ليس من مصلحة أحد أن يكون هناك جيش دولي من المتطوعين للقتال داخل سوريا. الفاعلون الوحيدون الذين من الممكن أن يستفيدوا من هذا الأمر هي الجماعات الأكثر تطرفا، والتي لم تجد لها مكانا بين السوريين.
المصدر: فورين بوليسي