ترجمة وتحرير نون بوست
يواجه العالم اليوم أزمة لاجئين لم يعهدها منذ 70 عامًا، وربما منذ أي وقت مضى، وذلك في خضم فرار الملايين من الأشخاص من بلدانهم جرّاء الحرب أو الاضطهاد، ولكن في الكثير من الدول الغنية التي يمكن أن تساعد في احتضان اللاجئين، أثارت محاولات الاستقبال جدلًا سياسيًا هائلًا في أحسن الأحوال، وفي كثير من الأحيان، أسفر التخوف من رد الفعل الشعبي عن حد المسؤولين، أو تخليهم الصريح، عن واجب مساعدة واستقبال اللاجئين.
ولكن ماذا لو كان الخوف من رد الفعل الشعبي مبالغًا فيه؟ وماذا لو كان مواطنو دول اللجوء في الواقع أكثر دعمًا للاجئين من ساساتهم؟
هذا هو المعنى الضمني لمسح أجرته مجموعة منظمة العفو الدولية المؤيدة للاجئين، والذي صدر هذا الأسبوع، حيث شمل الاستطلاع 27,000 شخصًا من 27 بلدًا، وتضمن سؤالهم عن شعورهم تجاه اللاجئين، ومدى ارتياحهم في توطينهم بالقرب منهم، والنتائج الواضحة للغاية التي نستطيع الخروج بها من الاستطلاع، هي أن بعض الأشخاص لا يرحبون باللاجئين، ولكن الكثير منهم مهتمون في بذل المزيد من الجهود لمساعدتهم.
في صلب الاستطلاع الذي أجرته منظمة العفو الدولية أجاب المشاركون عن سؤال حول مدى استعدادهم لقبول اللاجئين في بلادهم، بلدتهم، حيهم، أو داخل بيتهم، وجاءت النتائج مثيرة للدهشة حقًا.
تحتل الولايات المتحدة مرتبة منخفضة للغاية ضمن القائمة السابقة، حيث يبدو الأمريكيون أقل استعدادًا من معظم المجموعات الأخرى التي شملتها الدراسة لقبول اللاجئين في البلاد، ولكن إذا أضفنا الأرقام إلى بعضها البعض، سيتبين لنا بأن 71% من الأميركيين على استعداد لقبول اللاجئين ضمن البلاد بشكل عام، وهو أمر مثير الدهشة نظرًا لمدى ضراوة النقاش حول اللاجئين من الدول الإسلامية ضمن أمريكا منذ الخريف الماضي.
من المثير للدهشة أيضًا بأنه وضمن العديد من البلدان الأخرى التي أصبح فيها اللاجئون قضية سياسية، اتضح بأن المواطنين أكثر ترحيبًا من غيرهم باللاجئين؛ ففي ألمانيا، تعرضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لهجوم حاد من الجناح اليميني الشعبوي الصاعد لاستعدادها لقبول مئات الآلاف من اللاجئين من سوريا وغيرها من البلدان، ولكن الاستطلاع يُظهر بأن 96% من الألمان الذين شملهم المسح مرتاحون لفكرة السماح للاجئين بدخول ألمانيا، وثُلث هؤلاء أعربوا عن ارتياحهم بتوطين اللاجئين في حيهم.
في المملكة المتحدة، حيث تم استغلال الخوف من اللاجئين والمهاجرين كقضية رئيسية في حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تبين بأن 87% من السكان مرتاحون لفكرة استضافة لاجئين في البلاد، وأكثر من ثلاثة أرباع هؤلاء عبّروا عن ارتياحهم لاستقبال اللاجئين في حيهم.
أما في أستراليا، والتي أطلقت ضمنها الحكومة إعلانات تطلب من اللاجئين عدم القدوم إلى الدولة، بل وأرسلت أولئك الذين حاولوا دخول أستراليا إلى مخيمات اعتقال في الخارج ليعيشوا ضمن ظروف مزرية، فكان 86% من السكان أكثر ترحيبًا باللاجئين مما تعتقده حكومتهم.
من أكثر الأمور المثيرة للاهتمام حول مسح منظمة العفو، هو أنه غطى بعض البلدان الأكثر تضررًا من أزمة اللاجئين الحالية، كاليونان، لبنان، الأردن، وتركيا (جميع هذه البلدان تستضيف أعدادًا ضخمة من اللاجئين السوريين)، وكينيا (التي تضم أكبر مخيم للاجئين في العالم).
قد تتوقع بأن المواطنين الذين يعيشون في تلك البلدان التي تعاني أساسًا من تخمة وتوترات لمحاولاتها مساعدة اللاجئين، قد يعبّرون عن استيائهم منهم، أو على الأقل يشعرون بأن بلدهم قد بذلت ما فيه الكفاية لمساعدتهم، ولكن الحال ليس كذلك.
في جميع البلدان الأشد تضررًا من أزمة اللاجئين (باستثناء تركيا)، شعر المواطنون بأن على بلدانهم أن تبذل مزيدًا من الجهود لمساعدة اللاجئين؛ فالأردن التي تستضيف حوالي 780,000 لاجئًا وطالب لجوء، معظمهم من سوريا والعراق، عبّرت الأغلبية الساحقة من الأردنيين المستطلَعين عن رغبتهم في أن تمارس حكومتهم المزيد من الجهود لدعم اللاجئين، وفي لبنان، التي تستضيف حاليًا 1.4 مليون لاجئ وطالب لجوء، عبرّت أغلبية الرأي العام عن تأييدها لممارسة المزيد من العمل لمساعدة اللاجئين.
بطبيعة الحال، فإن المخاوف من رد الفعل الشعبوي العنيف لا تتعلق عادة بمدى اتساع نطاق رد الفعل، بل بمدى صخبه، ويمكننا أن نلاحظ أنه وضمن البلدان التي أصبحت فيها أزمة اللاجئين قضية سياسية داخلية، تبدو المعارضة الشعبوية نشطة للغاية على أرض الواقع، وهو الأمر الذي يبدو لنا جليًا من مجرد إلقاء نظرة على عودة ظهور اليمين المتطرف في ألمانيا، وفرنسا، وإلى حد أقل، في المملكة المتحدة.
ولكن مثل هذه الجماعات تزعم بأنها تتحدث لضمان رفاه المواطنين الأصليين للبلاد، وعادة ما تزعم بأنها تتحدث بالنيابة عن الأغلبية الصامتة، ولكن وفي حال لم يُثبت استطلاع منظمة العفو بانفراده عدم صدق تلك المزاعم، فإنه وبالتأكيد يكوّن قضية يجب أن نأخذها على محمل الجد تتمثل بأن مواطني معظم الدول هم في الواقع أكثر موالاة للاجئين من حكوماتهم.
محتوى إضافي من فريق تحرير نون بوست
بالنظر إلى محتوى المقال السابق والدراسة المذكورة به تبدأ مجموعة من الأسئلة في الطفو إلى السطح، فعلى سبيل المثال؛ إن كانت بلد مثل ألمانيا بكل ما يذكر عنها من تقارير عن سطوع نجم اليمين المتطرف والنزاعات النازية بها أحد أكثر شعوب العالم ترحيبًا باللاجئين؛ لما لا ينعكس هذا الترحيب على الخطاب السياسي للدولة بالشكل الكافي، خصوصًا مع أخذ حقيقة احتياج الدولة الألمانية الحقيقي إلى سيل من المهاجرين صغيري السن للحد من آثار الانكماش السكاني الحادث بها.
تشير كافة الأدلة إلى انكماش اقتصادي آتٍ لا محالة مع بوادر الكساد والانكماش السكاني على طول أوروبا، يعلم كافة أطراف الحياة السياسية في أوروبا أن الوضع السكاني وبالتالي الاقتصادي لا حل لهما على المدى القصير سوى الاعتماد على العمالة المهاجرة لتفادي كساد قد يقضي على الريادة الأوروبية، وبالرغم من ذلك لا يلقي أي منهم بالًا على مستوى الخطاب سوى لما قد يترتب على الهجرة من مشاكل ثقافية واجتماعية، في حين أن الدراسة المذكورة في المقال تشير إلى سعة واستعداد مجتمعي لاستقبال عدد كبير من اللاجئين بشكل غير خطير بالضرورة.
واقع الأمر أن السياسية الأوروبية في هذا الحال تتحول بالتدريج إلى سياسة هدفها الرئيسي ضمان أكبر قدر ممكن من الأصوات الانتخابية، ولتحقيق ذلك يصغي رجالها إلى الأعلى صوتًا في الناخبين؛ وهم هنا بضرورة الحال غوغاء اليمين المتطرف العنصري، بهذا الشكل تصبح النخب السياسية الأوروبية والغربية بشكل عام كالأحمق الذي يضرب نفسه بالرصاص في قدمه، فلا هو يقدم حلولًا اقتصادية حقيقية للمشاكل الكبرى التي تواجه بلاده؛ ولا هو يصغي في حقيقة الأمر للأغلبية الصامتة من الناخبين.
المصدر: فوكس